حكم المحكمة الابتدائية بأكادير، والذي أسقط مساء الثلاثاء، الأخ الخطاط ينجا من رئاسة جهة الداخلة، التي تولى رئاستها بإسم حزب الإستقلال بعد طعن سبق أن تقدمت به السيدة مونة الشكاف، المنتخبة باسم الأصالة والمعاصرة، والتي قدم دفاعها وثائق تعود لما قبل سنة 1975 يستفاد منها أن الأخ الخطاط غير مقيم في المغرب!! وبالتالي، تنطبق عليه مقتضيات المادة 72 من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات، هذه المادة تنص على أنه «لا يجوز أن يُنتخب رئيسا أو نائبا للرئيس أعضاء مجلس الجهة المقيمون خارج الوطن لأي سبب من الأسباب» حكم المحكمة الابتدائية بأكادير ينطوي على مخاطر كبيرة جدا، تتجاوز موضوع رئاسة حزب الإستقلال لجهة الداخلة في شخص الأخ الخطاط ينجا، وتصبح لها تداعيات سياسية على درجة كبيرة من الخطورة بخصوص الوحدة الترابية للمملكة، كيف ذلك؟ الذين دفعوا بوثائق تعود لما قبل سنة 1975، والمحكمة التي قبلت التعاطي "بجدية" معها و رفضت التعامل بما يقتضيه الأمر مع الوثائق التي تنتمي للقرن الذي أجريت فيه الإنتخابات الجهوية الأخير موضوع الطعن، عليهم أن يعلموا ما يلي: 1- في سنة 1975 لم تكن هناك سيادة للمغرب على وادي الذهب التي كانت موضوع مطالب بتصفية الإستعمار، وأن المغرب وقع في 14 نونبر سنة 1975 إتفاقية مدريد التي كان ثلاثية وضمت كل من إسبانيا وموريتانيا، وأنه بعد مفاوضات إستمرت يومين تنازل المغرب لموريتانيا عن وادي الذهب، ومن ذلك التاريخ أصبح الإقليم من مشمولات السيادة الموريتانية، بحيث اكتسبت الساكنة الجنسية الموريتانية. 2- عودة إقليم وادي الذهب إلى أحضان الوطن الأصلي المغرب تم سنة 1979 وهو العيد الوطني الذي يخلده المغاربة كل سنة في 14 من شهر غشت، وهذه العودة تجسدت بقدوم ممثلي القبائل بالمنطقة لتقديم الولاء والبيعة للملك المرحوم الحسن الثاني، وذلك رفضا منهم لاتفاقية الجزائر التي وقعتها موريتانيا مع جبهة البوليساريو والتي تنازلت بموجبها عن أية مطالب في وادي الذهب في مقابل إعتراف الجبهة أنه ليس لها مطالب في موريتانيا. 3- ابتداءا من 1979 حصل المواطنون والمواطنات في جهة وادي الذهب على كل الوثائق الرسمية المغربية، وبالطبع فهذا الأمر لم يقطع صلة هؤلاء المواطنات والمواطنين مع موريتانيا بالنظر إلى روابط الدم والامتدادات القبلية وكذلك المصالح الإقتصادية التي كانت قائمة قبل الإستعمار الإسباني وفي مرحلة التقسيم وبالطبع في مرحلة العودة إلى حضن الوطن. 4- أن الأخ الخطاط هو واحد من العائدين من مخيمات جبهة البوليساريو التي قضى جزء كبيرا من شبابه فيها بعد إختطافه، وتمكن من الهروب منتصف التسعينات ليلحتق بالوطن ويندمج بصورة مثالية واستثنائية أوصلته لرئاسة جهة الداخلة في أول إنتخابات مباشرة لأعضاء المجالس الجهوية وذلك في إطار ما سمي بالجهوية الموسعة. 5- أن الأخ الخطاط ينجا وبعد عودته إلى أرض الوطن عمل في سلك الوظيفة العمومية لمدة تزيد عن 13 سنة متواصلة، وبالطبع فهو ولج الوظيفة العمومية بعد سنة 1979…وغادرها بعد ذلك للعمل في القطاع الخاص. الآن ماهي الرسائل التي يحملها الحكم الغريب للمحكمة الإبتدائية بأكادير: 1- أن كل السنوات التي عمل فيها المغرب على إندماج مجالاتها الترابية وصهرها في إطار الوحدة الوطنية، ضاعت سدا عندما مست المحكمة بالإنتماء الوطني للسيد الخطاط ينجا، كمواطن وكسياسي. 2- أظهر القضاة -للأسف- جهلا كبيرا بتاريخ جهة الداخلة والمراحل التاريخية التي قطعتها للعودة إلى أحضان الوطن، وما قبولها بوثائق تعود لما قبل سنة 1975، سوى تعبير عن هذا الجهل في أسوء صوره. 3- هذا الحكم يوجه رصاصة الرحمة إلى الخطاب الذي يدعو إخواننا في المخيمات إلى كسر الحصار والعودة إلى أحضان الوطن، فغدا سيواجهون بأنهم كانوا يقيمون بالجزائر… 4- هناك شعور بأننا نعيش مع هذا الحكم الأجواء التي عشناها سنة 2009 بمدينة العيون، حيث كان الأخ حمدي ولد الرشيد مستهدفا فوق العادة، وعندما فشلت المؤامرة على رئاسة البلدية، تم تعيين الوالي سيء الذكر جلموس، وتتحول المؤامرة برعونة شديدة، من مؤامرة على فاعل و حزب سياسي ممثل في حزب الإستقلال أعطته صناديق الإقتراع الصدارة، إلى مؤامرة على الوطن تمثلت في صناعة وتأجيج مخيم كديم إزيك، والتي لازال المغرب يقدم ثمنا لها ، حيث عادت قضيتنا الوطنية إلى ما قبل سنة 1975 حيث تنامى شعور كبير بالشك والإحباط. 5- هناك من لا يقبل أن يفوز حزب الإستقلال برئاسة جهتي الصحراء، وأن هناك من يريد تجاهل النتائج التي حققها كل حزب على مستوى الصناديق في الإقتراع الشعبي المباشر ، فالمقاعد والأصوات تقوم دليلا على أن ساكنة المنطقة قد اختارت من ترغب في تمثيلها، أما السعي لاكتساب المناصب والمسؤوليات عبر صناعة تحالفات بالضغط والترهيب أو بالأحكام القضائية، فهذا لا يزيد الأمر سوى تعقيدا. على سبيل الختم، هناك كثير من الحكمة مفتقدة، وهناك الكثير من الطموحات الشخصية والحزبية، لا تراعي حرمة للوطن، ولا للظروف التي تمر منها قضية الوحدة الترابية. إنني آمل أن يتم الإنتباه إلى أن الأمر يتجاوز المكاسب السياسية والإنتخابية، إلى ماهو أهم..وهو إستقرار بلادنا. لقد تم التعامل بهدوء مع هذا الملف، واعتبر أن الأمر لا يتجاوز طموحات انتخابية شخصية (…) جامحة ستجد من يعيدها إلى جادة الصواب، أما الآن فإن الموضوع لم يعد قانونيا بل هو موضوع سياسي وعلى هذا الأساس يجب التعامل معه.