سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تهنئة لحزب الطليعة بمناسبة مؤتمره الناجح! وجدتها، وجدتها، أزمة اليسار سببها إفلاسه المادي، ودليلي هو اعتذار الحزب الشيوعي في لبنان عن حضور المؤتمر بدعوى قلة ذات اليد
كان علي أن أكتب عن المؤتمر الثامن لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، وأشعر بالحرج لأني لم أقم بذلك. لكن مازال هناك وقت. كما أن الرفاق في الطليعة مازالوا يتحدثون عنه، ومازالوا يردون على الرفيق البراهمة وحزب النهج، الذي يبدو أنه أغضبهم. أي أن الخبر مازال طازجا، والنقاش مازال مستمرا. ورغم التعتيم الإعلامي، فلن أنفي أن المؤتمر كان ناجحا، ومر في ظروف جيدة، وقد استمعت إلى الأغاني والشعارات وشاهدت الرايات والصور. وقد تابعته بدافع الفضول، وبسبب لوثة قديمة، ولأني في الماضي كنت حريصا على قراءة"الطريق"و"المسار"، وعندما أسسوا الحزب، كان لهم الفضل في أني عرفت مقابل الطليعة بالفرنسية. وأتأسف لأن قلة من الزملاء والمنابر والمواقع فقط من غطوا المؤتمر، والأخبار عنه نادرة. لكني لست مثلهم، وأتذكر قوة هذا الحزب وامتداده وقوميته وبعثيته وممانعته ومحاميه الكثر وأساتذته، وأثمن اليوم علمانيته. وهي فرصة لأهنىء حزب الطليعة. لكن الخبر الذي لم ينتبه إليه أحد، والذي يتفوق على كل الأخبار، وعلى المؤتمر نفسه، وأعتبره خبر السنة، هو رسالة التهنئة والتضامن التي بعثها الحزب الشيوعي اللبناني للرفاق في الطليعة. ماذا تقول الرسالة: "الرفاق الأعزاء في حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي. تحيات رفاقية من بيروت، نتقدم إليك بأطيب التمنيات بنجاح مؤتمركم القادم في 27-29 ماي الجاري ونأمل أن يشكل المؤتمر محطة هامة في تطوير عمل الحزب ونضاله في المغرب الشقيق. ونحن إذ نؤكد على العلاقات النضالية المميزة التي تجمع حزبينا حاضراً وماضياً ومستقبلاً، نعتذر عن المشاركة المباشرة بسبب ضيق الامكانات المادية ونرسل لكم هذه الرسالة التضامنية بإسم مناضلي حزبنا الشيوعي اللبناني. عاش نضال الشعب المغربي وكافة الشعوب العربية وشعوب العالم. مع كامل التحيات". إنها رسالة معبرة عن أزمة اليسار اليوم وشارحة لأسباب الأزمة. ومضمونها أن اليسار مفلس، ليس إيديولوجيا فحسب، بل من الناحية المادية أيضا، ويده قصيرة، ولا يجد حتى المال ليسافر، ويلتقي بالرفاق في مكان آخر. الإسلاميون لا يعانون مثلا من هذه الأزمة، ويأتي الإخوان من فلسطين ومن باكستان ومن تركيا، ومن كل بقاع الأرض، ولا يكتفون ببعث الرسائل. والليبراليون أيضا يأتون من كل فج عميق، ليحضروا مؤتمرات من يقولون عن أنفسهم إنهم ليبراليون في المغرب. إلا اليسار. يحتاج إلى تذكرة طائرة، وإلى حجوزات، ولا يجد المال الكافي، ويعتذر لظروف قاهرة تتعلق بالإمكانيات المادية. كما لو أن تصدير الثورة وتضامن العمال والفلاحين في العالم سينجزه الحمام الزاجل، والرسائل التضامنية. وها هو الحزب الشيوعي اللبناني يشرح لنا سبب الأزمة. ودون بيانات طويلة، ودون شعارات، ودون مقدمات، يعترف أنه مفلس. لقد مات صدام حسين، ومات الاتحاد السوفياتي، ومات البعث، لتجد أحزاب اليسار نفسها يتيمة، بلا أب ولا أم، ولا معيل. ولكي تناضل اليوم، فيجب أن تكون سنيا، أو شيعيا، وعليك أن تختار بينهما، وإلا فأنت عرضة للفقر المذقع. ثم تتساءلون في كل مرة لماذا لا يفوز هذا اليسار في المغرب بالانتخابات. ولماذا يحصل دائما على نتائج مخيبة. فمن هذاالمواطن الأهبل الذي سيصوت على مفلسين. من هذا الأحمق الذي سيمنح صوته لأحزاب فقيرة إنه عصر المال أيها اليسار والمواطن الناخب طماع ومصلحي واستهلاكي، ونادرا ما يختار رفيقا مفلسا. ولا شفقة، ولا رحمة، ولا تضامن. إنه خبر الأخبار وهذه الرسالة التي بعثها الحزب الشيوعي اللبناني هي اليوم أهم قيمة من البيان الشيوعي ومن ماركس وتعبر بالملموس عن الأزمة التي يتخبط فيها اليسار وعن تواجده في عالم لم يعد له عالم غريب عنه لا يقبله إلا على مضض وكمفلس وفقير وفي الوقت الذي يوسع فيه الإسلاميون ثرواتهم وينشئون الشركات ويتغلغلون في السلطة وفي الوقت الذي ينتعش فيه الليبراليون ويقبلون بظلاميي الأمس كشركاء في المال والاقتصاد والسلطة مازال اليسار مكتفيا بأغاني الشيخ إمام وقعبور وبالشعارات وسيأتي لا محالة ذلك اليوم الذي سيعتذرون فيه عن تنظيم مؤتمراتهم بسبب ضيق اليد وسيبعثون رسالة إلى قواعدهم تتحدث عن شُح الإمكانات المادية كما فعل الحزب الشيوعي اللبناني مع الرفاق في الطليعة في مؤتمرهم الناجح لولا الفقر وقلة ذات اليد.