بدأت أولى مؤشرات تفعيل تصفية المغرب لملف النفي السياسي تظهر، وذلك بعودة عدد من القياديين في حركة الشبيبة الإسلامية إلى المغرب، بعد إسقاط الأحكام القضائية الصادرة في حقهم. وعاد لخضر بكير، أحد قيادات الشبيبة الإسلامية في المغرب، إلى أرض الوطن، بعد قضائه أكثر من 28 سنة بالمنفى في ليبيا، على خلفية الحكم الصادر في حقه والقاضي بالإعدام.
كما عاد أيضًا محمد حكيمي، بعدما استطاع تسلم جواز سفره من القنصلية المغربية بأوسلو، وقبلهما تمكن كل من رشيد شرايبي وفوزي عبد الكريم، من مجموعة 71، العودة إلى المغرب، قبل أن يأتي الدور على ولاد لحبيب.
هذا ما قاله لحبيب
حصل القيادي البارز السابق في تنظيم الشبيبة الإسلامية ولاد لحبيب على جواز السفر في منفاه الاضطراري بفرنسا، ليعود، قبل أيام، إلى المغرب، حيث أُسقطت جميع الأحكام القضائية الصادرة في حقه ليتنقل في بلده بكل حرية، ودون مخاوف من إلقاء القبض عليه.
وشجع هذا التحول الذي تعرفه المملكة باقي القياديين في الحركة، التي يتزعمها عبد الكريم مطيع الذي يعيش لاجئًا في بريطانيا بعد مغادرته ليبيا إثر سقوط نظام معمر القذافي، على سلك المسطرة القانونية نفسها حتى يتمكنوا من العودة إلى أرض الوطن ولقاء عائلاتهم.
وفي أول خروج إعلامي منذ عودته إلى المملكة، قال ولاد لحبيب، ل"إيلاف": "في بادئ الأمر أود أن أتقدم بالشكر الخالص إلى كل الفاعلين الإداريين والسياسيين والحقوقيين والإعلاميين، الذين ساهموا، وكل واحد من موقعه وحسب إمكانياته، لكي أتمكن من العودة إلى وطني الحبيب متمنيًا لهم من الله السداد والتوفيق، حيث أنهم ومن خلال ما قدموا لي من المساعدة في هذا الباب قد فتحوا أبواب الأمل في وجوه العديد من المنفيين الإسلاميين الذين ضاقت بهم الأرض بما رحبت واشتاقوا إلى العودة إلى بلدهم ووطنهم المغرب".
جمعية إسلامية... ثم الهجرة
وسرد ولاد لحبيب، وهو من مواليد سنة 1949، ل"إيلاف" بعض فصول حكايته، مشيرًا إلى أنه تربى وترعرع بعمالة زاكورة (جنوب المغرب)، إلى حدود سنة 1962، لينتقل بعدها برفقة عائلته إلى مدينة الدارالبيضاء، وزاد مفسرًا: "كبرت وكبرت تطلعاتي واهتماماتي، وشاركت إلى جانب العديد من المخلصين في جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى متم سنة 1972 لأنضم إلى جمعية الشبيبة الإسلامية، وأهاجر إلى فرنسا سنة 1979". محاكمات وتوبة
وأضاف: "بعد الاعتقالات بالجملة التي طالت أبناء الشبيبة الإسلامية بداية الثمانينات، تمت محاكمة المجموعة الأولى سنة 1984 وكان نصيبي منها أن حكم عليّ بالإعدام غيابيًا، الأمر الذي تكرر مرة أخرى ضمن محاكمة مجموعة بدر الإسلامية سنة 1985"، مبرزًا أنه "في سنة 1988 تدبرت أمر إقامتي بفرنسا وقطعت صلتي بكل عمل أو علاقة سابقة وتفرغت لأبنائي وأسرتي التي ذاقت الأمرين جراء هجرتي وتنقلاتي المتتالية. ومنذ ذلك الحين أخذت أبحث عن تصحيح علاقتي مع وطني وأهلي وأسعى إلى العودة إليه".
وقال "جرى الإعلان في المغرب عن ميلاد هيئة الإنصاف والمصالحة برعاية ملكية سامية، فبادرت إلى تقديم ملتمسي إليها، داخل الآجال القانونية، وقضت لي في مقررها التحكيمي بإنصافي والاعتراف لي بما لحقني وأهلي جراء هجرتي، كما قضت لي بتعويض مادي، لكن مجال اختصاصها كان محدودًا ولم تستطع أن تقدم لي الضمانات الكافية في ما صدر في حقي من أحكام قضائية. لتطول هجرتي ومنفاي إلى حدود سنة 2012 وتبادر الدولة المغربية إلى تصفية ملفات المنفيين المغاربة بإلغاء الأحكام القضائية بسبب التقادم الجنائي، حيث تقدمت من جديد بطلب العودة، عبر المحامي، إلى وزارة العدل، وحظي طلبي بالموافقة والقبول، ووجدت بالقنصلية المغربية بفرنسا كل المساعدة والترحيب، ومنحوني وأهلي جوازات السفر. لأعد العودة الى بلدي".
وأضاف: "ولجت الحدود المغربية بعد غياب طال 34 سنة في الأسبوع الأول من شهر ديسمبر 2013. سارت الأمور بشكل طبيعي إلى أن فوجئت بأمر إحالتي على قاضي التحقيق بمدينة فاس في موضوع لا علاقة لي به، ليتم إخلاء سبيلي على أساس أن امثل أمامه بعد حين، الأمر الذي جرى بالفعل، يوم 16 من الشهر الجاري، وقضى من خلاله بإلغاء كل متابعة".
مخارج قانونية
بات ملف الشبيبة الإسلامية في حكم المنتهي بعد إفراغه من محتواه السياسي والتعامل معه وفق المسطرة القانونية.
وفي هذا الصدد، قال عبد الرحيم مهتاد، رئيس جمعية "النصير" لمساندة المعتقلين الإسلاميين، "منذ سنتين تقريبًا، وبحكم أن القضايا المتابع على خلفيتها هؤلاء الإخوة قد تجاوزت العشرين سنة، أخذوا يبحثون عن مخارج قانونية لتسهيل عودتهم إلى وطنهم وأهلهم. طبعًا الجانب القانوني واضح في هذا المجال، وتقادم الإحكام أصبح أمراً واقعاً، لكن رافقت كل ذلك إرادة سياسية من طرف الدولة المغربية ممثلة في كل القطاعات، وزارة العدل والداخلية والأجهزة الأمنية والمصالح القنصلية، من أجل تسهيل المساطر وتيسيرها في وجه الراغبين في العودة إلى وطنهم".
وذكر عبد الرحيم مهتاد ل"إيلاف" أن "عددًا من الإخوة تجرأوا على اقتحام العقبة، وابتدأوا مشوارهم القانوني عبر محاميين ومستشارين قانونيين، كما ساهم عدد من الجمعيات الحقوقية ووسائل الإعلام النزيهة في الدفع بهذا الطرح حق العودة".
اسقاط المتابعات
أضاف: "عرف هذا المسلسل عدة اختلالات في بداياته، تعرض على إثرها عدد من العائدين من المنفى إلى الاعتقال وعُرضوا على القضاء. إلا أن محاكم المملكة كانت تقضي في نهاية المطاف بتقادم الأحكام وإسقاط المتابعات. حتى أصبح مجرد الحصول على وثيقة تفيد التقادم من وزارة العدل، كفيلاً بأن يضمن، لكل منفي، العودة والرجوع إلى بلده أمنًا مطمئنًا. ويبقى المشكل قائماً بالنسبة لأؤلئك المنفيين الذين لم تصدر في حقهم أحكام قضائية، وإنما صدرت فيهم مذكرات بحث من طرف الشرطة الوطنية أو الدولية".
العودة طبيعية
قال بلال التليدي، الباحث المتخصص في الجماعات الإسلامية، إن "هذه العودة طبيعية تعكس تجاوباً مع السياسة التي اعتمدتها الدولة بطي الملفات التي تقادمت، وهي وإن كانت في جوهرها فردية، إلا أن اطرادها وتكررها يجعل بيان الشبيبة الذي وقعه حسن بكير حول الموضوع فاقداً لأي مصداقية، فقد تم تكييف عودة البعض في المرحلة الأولى بأنها مجرد اختيارات فردية وأن المعنيين بالأمر لم تعد لهم علاقة بالشبيبة، وأن قرار عودة الشبيبة هو قرار سياسي مشروط بضرورة إيجاد حل سياسي للعلاقة مع الشبيبة، واليوم تؤكد عودة الفوج الثاني، ولو ضم بضعة أفراد.
وأَضاف بلال التليدي ل"إيلاف"، "ما يسمى بالشبيبة الإسلامية، ستضطر مرة أخرى إلى نفي أي علاقة للعائدين إلى أرض الوطن بها، وأن الأمر مجرد اختيار فردي، حتى تبقي على حجة الحل السياسي مفتوحة للجواب عن حالة الأستاذ عبد الكريم مطيع فقط، لأن دخوله إلى المغرب، وتحديداً إلى الساحة السياسية، سيضعه في الاختبار، وسيضع مزاعمه بشأن حجم حركته وتأثيرها موضع المساءلة، وهي المغامرة التي لا يجرؤ على خوضها".
يشار إلى أنه بعد الاعتقالات التي شملت صفوف الشبيبة الاسلامية، في صيف 1983، اضطر عدد من القياديين إلى الاختفاء، قبل مغادرة المغرب إلى عدد من الدول منها فرنسا، ومن بينهم عبد الرحيم مهتاد، رئيس جمعية النصير حاليا.