سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كم أنت محق يا ألان فنكلكروت. كم أنتم على صواب أيها الرجعيون الجدد، الإرهاب في دمنا، وثقافتنا هي السبب! من ينقذ ديننا وحضارتنا قبل أن نتحول جميعا إلى وحوش تأكل البشر
من يستطيع الآن أن ينعت الفيلسوف الفرنسي ألان فنكلكروت بالعنصري والكاره للإسلام. من يستطيع أن يصفق لرسالة ألان باديو التي بعثها إليه مؤخرا، وتبرأ فيها من فنكلكروت ومن أي نقاش معه، واصفا إياه بالشخص الذي تشعر وأنت تقترب منه بالعفن، وبأنه سقط في قاع القاع لقد منح الإرهاب لألان فنكلكروت هدية ثمينة، كي يؤكد أن تحذيراته ومخاوفه على صواب، وأن كل من يقول العكس، لا يرى الواقع الماثل أمام عينيه، ويشارك في جريمة "الانتحار الفرنسي"، وفي تقديم خدمة مجانية للإرهابيبن. كنت ليلة أمس عائدا في القطار من البيضاء في اتجاه الرباط، ولتمضية الوقت فتحت كتاب ألان فنكلكروت الصادر قبل أسابيع، وبين مقال وآخر، كنت أطل على الفيسبوك، إلى أن علمت بخبر التفجيرات الإرهابية التي هزت باريس. وأنا أمتعض وأتقزز، وأعجب بمقال له عن المخرج الأمريكي تارنتينو، أفحمني هذا الرجعي الجديد، والمثقف الكبير، كأن الإرهابين منحوا مصداقية له، وجعلوا منه رسولا ومنقذا لفرنسا ممن يريد القضاء عليها. يُتهم هذا المفكر بما لا يخطر على بال، فهو صهيوني ومحافظ وكاره للأجانب وللتهجين ولتلاقح الثقافات والهويات، وعدو للعرب وللمهاجرين وللفرنسيين ذوي الأصول المغاربية، ويدافع عن فرنسا نقية بيضاء، وعن أمجادها وحضارتها غير الملوثة، إلى غير ذلك من المواقف التي لا تروق للإنسانيين وحاملي شعار الثقافات المختلطة والمتعددة، والمفتوحة على بعضها البعض، والذين يصفهم بمناهضي العنصرية، الذين حولوها إلى إيديولوجية تعميهم عن رؤية الواقع كما هو، وعن رؤية الخطر المحدق. إنه واحد من"الفلاسفة الجدد"، وممن يطلق عليهم الإعلام الفرنسي لقب"الرجعيين الجدد"، ذوي الماضي اليساري الإنسانوي، والذين انقلبوا على إيديولوجيتهم، وصاروا متهمين بدغدغتهم لليمين المتطرف، وبالضحالة الفكرية وبالإسلاموفوبيا. لكن ماذا يقول ألان فنكلروت. ينتقد دائما"السلطة الثقافية"المسيطرة على الإعلام في فرنسا، ويرفض ذلك الربط بين ما يرتكبه "المسلمون" وبين ظروفهم والتهميش الذي تعرضوا له والفقر والإقصاء الذي يعانون منه. ويحذر من السوسسيولوجيا المتحكمة، ومن بيير بورديو وورثته، الذين يربطون كل شيء بمصعد "نبيهم"، ويدافعون عن "القاتل البريء"، ويبررون الشر الكامن فيه. ومن أجل هذا الموقف، يضع فنكلكروت أنثربولوجيا ليفي ستراوس مقابل سوسيولوجيا بورديو، منتصرا للأنثربولوجيا، كي يتقدم بفكرته التي تعتبر أن مشكل المسلمين وسكان الضواحي في فرنسا هو ثقافي، ويتعلق بدينهم"أي بفهم جماعي وخاص للعالم"، يتعارض مع القيم الفرنسية، ولا يتعلق الأمر بمسألة مضطهَد ومضطهِد، وقامع ومقموع، كما يفسر ذلك معظم علماء الاجتماع واليسار. وكلما ذكر أحد كلمات من قبيل"الأحياء الحساسة"، والاستعمار، والضحايا، ينتفض فنكلكروت، ويصرخ: إنهم كسالى، والخمول في ثقافتهم، إنهم إرهابيون، وثقافتهم ودينهم هو من يحرضهم، ويجعلهم متشبثون ببيوتهم الرثة وبوضعهم البئيس، ويرفضون أن يصبحوا فرنسيين، وليس أي شيء آخر، كما تدعي أيها اليسار الذي لا يناهض الرأسمالية والاستغلال، بل يعادي الواقع، ويتخذه خصما له ويرفض في نفس الوقت مواجهته. ودائما، يخرج منه اليهودي المدافع عن إسرائيل وعن جرائمها، في معظم مقالاته، يخرج، ويرفض الربط، ويرفض أن يعتبر المسلمين ضحية، ويرفض المقارنات. وأمام كل هذا الرعب وهذه الوحشية وهذه المجازر التي ترتكب باسم الإسلام ، يصعب في هذه اللحظة أن يعترض أحد على ما يكتبه" الرجعيون الجدد" ومن يدور في فلكهم، وما يرددونه كل يوم في البرامج التلفزيونية التي تستضيفهم. لقد أفحمونا. وإدا تقززنا من إريك زمور ومن فكرة الترحيل الجماعي للمهاجرين، فإننا عاجزون أمام ألان فنكلكروت، ومن الخفة أن نصفه بالضحالة الفكرية، دون أن نطلع على ما يكتب. إنه ليس على حق، لكنه على حق. نحن مرضى وإسلامنا مريض ونلعب دائما دور الضحية وثقافتنا تعاني وتحتضر وتتجه رأسا نحو الهمجية والعنف والقتل وكلما ارتكبت جريمة، نبحث عن الآخر، وعن المؤامرة، وعن إسرائيل. لقد قتل الإرهابيون الإسلاميون الناس، قتلوا البشرية كلها، وهي تتعشى في مطعم، وهي تستمع إلى الموسيقى في حفل فني. لقد قتلوا البشرية وهي تتجول في الشارع. لكن ثقافتنا تقول لنا إن هؤلاء المجرمين المزنرين بالمتفجرات سيذهبون إلى الجنة. وأغلبية منا ترفض التضامن، وتجد الأعذار للقاتل البريء الذي يتحدث عنه ألان فنكلكروت. وحتى متنورونا حتى يسارنا حتى صحافتنا العربية حتى مثقفونا يحذروننا دائما: لا تقرأ ألان فنكلكروت إنه ضحل وعنصري لا تقرأ بوعلام صنصال إنه يبحث عن الجوائز ومتعاطف مع إسرائيل ومريض بالإسلاموفوبيا لا تقرأ ميشيل ويلبيك إنه كاره للإسلام لا تقرأ عبد النور بيدار لأن فنكلكروت يستشهد به اغلق عينيك و ضع قفلا على رأسك واعزل نفسك واقنع بدور الضحية وتعايش مع السرطان إنه منك ولَك وجزء لا يتجزأ من ثقافتك وهويتك ولا تتبرأ منه وطبطب عليه ولا تدنْ ولا تنبس ببنت شفة وتمتع بقناة الجزيرة وتمتع بالميادين وتمتع بالطوائف وبالسنة وبالشيعة وبصحافتهم وأموالهم وأدبهم وفكرهم وبالقتل البريء واصطف واختر وفاضل بين جبهة النصرة وبين حزب الله وبين القرضاوي وبين حسن نصر الله حتى أصبحنا نتفهم مواقف الرجعيين الجدد حتى أصبحنا نعجز عن معارضة أفكارهم وخوفهم من الهجرة ومن ديننا وثقافتنا وعاداتنا وهويتنا حتى أصبحنا نرى اليمين المتطرف يزحف والكره يتقدم وينتشر وأصحاب النزعة الإنسانية يتراجعون ومن لا يزال يناهض العنصرية يلتزم الصمت وما بقي من يسار ويمين جمهوري سيزايد على الجبهة الوطنية أو سينكمش ونحن غارقون في توزيع التهم والصفات والشتائم على الكتاب والمفكرين ونعلق كل أمراضنا على الآخر ولا نبذل مجهودا كي نفهمه بينما نحن أبرياء دائما وضحايا وندافع عن الشر ونساعد العنصري كي يكون عنصريا ولا نجد كلمة نرد بها على ألان فنكلكروت ولا أحد اليوم يجرؤ على تتفيه مواقفه لا أحد يمكنه أن يقول إنه ألقى نفسه في عفن الفكر نحن الآن العفنون الواقعون في قاع القاع وليس بمقدور ألان باديو ولا غيره الدفاع عنا ونحن دائما كما كنا: إنهم لا يمثلوننا الإرهاب لا دين له ونشجع الورم كي ينتشر في سائر الجسد بنفس الطمأنينة ونفس الراحة في انتظار انقراضنا أو انمساخنا جميعا إلى وحوش تأكل البشر.