لنكن صرحاء مع أنفسنا. لقد تحولنا إلى شعوب مخبولة ومريضة. أغلبنا يجد المبررات للإرهاب. ومن لا يمارسه بالفعل يمارسه بالقلب واللسان.للأسف الشديد، العنصريون على حق. لأول مرة يمتلك العنصريون بعض الحقيقة. لأول مرة هم على بعض صواب. نحن في وضعنا الحالي نهدد الإنسانية، ونهدد العالم، ومن حق البشرية أن تخاف منا. والذين يرفضون منا القتل باسم الدين، والذين يرفضون العنف، ليسوا إلا أقلية، مغلوبة على أمرها، ولا تعيش في الواقع. نقول عن الإرهابيين شرذمة. نقول عنهم جماعة مارقة. لكنهم الأكثرية، ونكذب، وهذه الشعوب المجنونة تساندهم وتتفهم دوافعهم، وتفرح للجرائم التي يرتكبونها. اقرأوا تعليقات القراء في المواقع الإلكترونية وستصابون بالصدمة مروا على الستاتوهات في الفيسبوك وستكتشفون كم نحن نتفهم دوافع قتل صحفيين ورسامين بدم بارد. وقبل أن ينعتنا عنصري بالهمجيين لننظر إلى أنفسنا ولنشتم بعضنا البعض، فنحن فعلا برابرة وخارج التاريخ وخارج الحضارة وخارج العالم إذا كانت هذه فعلا هي قناعاتنا ونظرتنا إلى القتل. لننظر إلى ما نقوله وما نكتبه وسنتأكد أن أغلبنا له نوايا إجرامية. هذه ليست قسوة، بل وصف لما يجري، ومنذ عقود ونحن ندعي أن الإرهاب لا يمثلنا، بينما نكتشف أن المؤمنين به والباحثين له عن الأعذار يشكلون الأغلبية بيننا. طبعا، ليس الإسلام دين إرهاب، لكننا نحن من جعلناه كذلك. حتى الدين أفسدناه وقد أصبناه بالعدوى وهو اليوم أسير تخلفنا وعنفنا وفسادنا واحتقارنا للحياة وخوفنا من التقدم والآخر. لا نترك الفرصة للعنصريين ليعيرونا، ولنعترف أن الإرهابيين ليسوا أقلية، وأننا صرنا نشكل خطرا على أنفسنا وأوطاننا ودولنا وعلى العالم. والكارثة أن الأمر لا يقتصر فقط على الشعوب، ولا يقتصر على غير المتعلمين، بل معظمنا مرضى. ولنقرأ الصحافة العربية لنعرف ماذا تقول النخب وماذا يقول الذين من المفترض فيهم أن ينوروا الناس وأن يربوهم على الخير والمحبة وقبول الآخر ونبذ العنف لنقرأ مثلا ماذا كتب واحد من أبرز الصحفيين العرب، وواحد من بين أكثر كتاب الرأي شهرة لنقرأ ماذا كتب عبد الباري عطوان: "مجلة شارلي إيبدو اخترقت كل الخطوط الحمراء وما فوق الحمراء في تهجمها على الديانة الإسلامية من خلال حملاتها الشرسة على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ولم تقتصر هذه الحملة على إعادة نشر الرسم الكرتوني المسيء إليه للرسام النرويجي عام 2006، وهو الرسم الذي أثار غضب مليار ونصف مليار مسلم، وتسبب في مظاهرات احتجاجية صاخبة، قتل فيها أكثر من مئتي شخص، وإنما بلغت ذروتها عام 2011 عندما نشرت رسوما أخرى أكثر إساءة واستفزازا، من بينها واحدة تصور الرسول الكريم عاريا". هكذا يجد الأعذار ويربط ما حدث بليبيا وفلسطين، ولأنه يعرف أنه يدغدغ وحوش الإرهاب وهذه الشعوب المخبولة، وأنه يبرر ما لا يبرر، ويتفهم دوافع القتل، فإنه وبين طيات ما يكتب، يندد بهذا الهجوم الدموي، الذي يسميه هجوما ويتحفظ على نعته بالعمل الإرهابي والإجرامي. إنها نخبتنا وصحافتنا التي تصنع الرأي العام وتؤثر فيه وتكتب له: "ناشر المجلة ورئيس تحريرها أساؤوا تقدير الخطر الذي يواجههم، والتحذيرات التي وصلتهم، وتمادوا في خطهم التحريري الاستفزازي، اعتقادا منهم أن الحماية التي وفرها البوليس الفرنسي لهم كافية لمنع أي هجوم عليهم، وكم كانوا مخطئين في تقديراتهم، فهذا يؤكد قدرة هؤلاء المتشددين في الوصول إلى أي هدف يريدون الوصول إليه، وهنا يكمن خطرهم الحقيقي على كل من يختلف معهم، أو يتطاول على عقيدتهم، مسلما كان أو غير مسلم" وبعد أن بلغ عبد الباري عطوان رسالته، أمر الحكومة الفرنسية بالتوقف فورا عن التدخل عسكريا في الشرق الأوسط، ولم يفكر ولو لحظة أن من قتلوا هم زملاء له في المهنة، وأنهم لا يملكون إلا أقلامهم ولا يدافعون إلا عن حريتهم، ولا يحملون سلاحا وليسوا تابعين للدولة ولا لوزارة الدفاع، بل مجرد صحفيين ورسامي كاريكاتير لهم تصور للصحافة وللنقد، ولا يحملون رشاشات كلاشينكوف ولا يقتلون أحدا، كما يفعل هؤلاء المجرمون الذين يدافع عنهم هذا السيد. لنقرأ الصحافة العربية لنفهم في أي قاع نحن، وماذا نفعل بأنفسنا لنقرأ ماذا كتبت جريدة العربي الجديد القطرية في تغطيتها لهذه الجريمة البشعة: "إن الحديث عن استفزاز مجاني لمشاعر المسلمين من قبل أسبوعية "شارلي إيبدو"، يعد وقوفاً على الجزء السطحي لهذه الظاهرة، ولا يمنحنا فرصة رؤية عمق المشكلة. إنها صحافة تحاول أن تكون جريئة وأن تسجّل حضورها بأي ثمن، لأنها تائهة في مضاربات السوق الصحافية الفرنسية، ولم تجد إلا الذهاب بعيداً جداً في حرية التعبير كطوق نجاة. إذاً، لم يكن الاستفزاز المجاني إلا آخر الوسائل للبقاء على قيد الحياة. أما ما يحصل من أعمال عنف ضدّها، فذلك هو الثمن الواجب دفعه حين يحرّك أحدهم "عش الدبابير المتطرفة"" أي أن الذين قتلوا يستحقون ما وقع لهم، وقد أدوا الثمن. إنه ليس مقالا لم يطلع عليه رئيس التحرير، ومر في غفلة منه، بل وائل قنديل نفسه رئيس تحرير العربي الجديد يكتب: "لكنك، بأي حال من الأحوال، لا يمكن أن تقرأ الجريمة البشعة خارج سياق عام يكيل الاتهامات للمسلمين، ويحمّل الفكر الإسلامي المسؤولية عن كوارث الأرض والكواكب الأخرى". إنها ليس صحافة ناطقة بتنظيم داعش وليست لسان حال القاعدة بل منابر وأقلام معروفة ومكرسة ومهنية ورغم كل هذا، نتظاهر أننا أبرياء ولطيفون وأسوياء، وأن الشر قادم من الآخرين، الذين يسيئون إلينا، ويشوهون سمعتنا، ويحاربون ديننا، ويتآمرون علينا، ويقتلون أنفسهم، للإيقاع بنا. نعم الآلاف منا لهم هذا التفسير، والأنترنت مليء بالكتابات التي تتهم المخابرات الغربية والموساد، بينما نحن ضحايا وأبرياء. نسافر من المغرب وتونس وفرنسا إلى العراق وسوريا وباكستان لنقتل بشرا آخرين، ونعود إلى ما قبل ظهور الدول، ونقطع الرقاب، ولا أحد يسأل ولا أحد يستغرب، والأدهى أن مشاريع إعلامية جبارة وغنية، تجد الحجج وتوظف من يبرر كل هذا الجنون وكل هذه الأمراض. لا حل أبدا إلا بأن نعترف أننا إرهابيون وأننا مرضى ومجانين وقتلة وحالتنا تتفشى وتنتشر كوباء لنفضح أنفسنا ولنعترف كي نتمكن من علاج مرضنا وكي نشفى أما ونحن ننفي ونتظاهر بالطيبة ولا ننظر إلى صورتنا في المرآة ونصدق ما نقوله فهذا سيزيد من عنفنا ومن تعطشنا للقتل والدم كأي سفاح مخبول يقتل و يدري بأنه القاتل ثم ينفي أنه مرتكب الجريمة وفي ذلك يساعده أهله ويدافعون عنه ويحمونه ويتسترون على جريمتهنعم، لقد أفسدنا دين الإسلام وشوهنا صورته في العالم ولن يعيد له أحد الاعتبار إلا نحن ولن يدفع عنه أحد تهمة الإرهاب إلا نحن بالتعليم والإصلاح ومعاقبة كل من يمدح الإرهاب والعنف والكراهيةولنكن صرحاء ولنقس على أنفسنا ولنسمع ما نقوله في المقاهي وما نكتبه في الأنترنت و لنقرأ ما تكتبه النخب والصحافة وسنتأكد حينها أن مناصري الإرهاب ليسوا أقلية ولا شرذمة ولا جماعة مارقة إنهم ورم خبيث لا يفتأ يتمدد وينتشر في المغرب وفي كل المجتمعات العربية والمسلمة ولنبالغ ولنهول ولنحذر من تحولنا جميعا إلى قتلة مادام خطاب الطمأنة لم يجد نفعا ومادام اعتبار أن الأرهابيين هم قلة ليس صحيحا والدليل هو وجودهم في كل مكان في الفيسبوك وفي الجرائد ينددون بالجريمة وبعد الفاصلة وفي الجملة الثانية يكتبون ولكن ويقولون إنها جريمة ولكنهم يستحقون وقد جنوا على أنفسهم ونالوا جزاء تطاولهم على الإسلام كما كتب ذلك الصحفي المشهور وكما تفكر نسبة هائلة من هذه الشعوب وهو يكتب لها ويفكر كما تفكر ويمنحها ما تحب أن تسمعه مستغلا مرضها والخبل الذي صار معمما ولا يخلو منه رأس بينما الذين يرفضون الإرهاب فعلا ويشعرون بالعار فهم نادرون وقليلون مثل الكبريت الأحمر وتلاحقهم التهم من كل جانب