كأن هناك تعاونا وثيقا بين العنصريين في فرنسا والإرهاب. منذ مدة وهم ينتظرون مثل هذه الهدية، وها هم يتوصلون بها ثمينة ومرعبة ووحشية وعلى طبق من ذهب. كل ما كانوا يقولونه عن الإسلام والمسلمين وعن الأجانب، يبصم عليه الإرهابيون، ويؤكدون عليه، ويمنحونهم الدليل الذي لا يخالطه الشك، أنهم خطر على فرنسا وعلى أمنها وعلى اقتصادها وعلى هويتها وعلى مستقبلها.
لم يكن كاتب مثل رونو كامي ينتظر أفضل من هذه الجريمة، ليثبت للجميع أنه على حق، وأنه لا ينطق عن هوى، وأن ما أسماه"الاستبدال الكبير" واقع اليوم في فرنسا، وأن المسلمين يسعون إلى تعويض سكان فرنسا الأصليين، وأنه يوما ما، وإذا لم يتم طردهم، سيحتلون كل شيء، وسيقضون على الحضارة وعلى الثقافة وعلى المواطن الفرنسي. إن رونو كامي يفرك الآن كفيه، ويستحضر حكم المحكمة عليه بالإساءة إلى المسلمين والإسلام، وسيجد من يستمع إليه ويوافقه على رأيه ويردد معه: نعم إنهم غزاة ومحاربون ومتخلفون، ويسعون إلى احتلال فرنسا والقضاء على أفضل ما فيها.
كما أن الإرهابيين الذي قتلوا العاملين والصحفيين في أسبوعية شارلي إيبدو قدموا خدمة لإريك زمور، الذي سيبدو بعد هذه الجريمة البشعة شخصا مظلوما ومقموعا ومحاصرا، وممنوعا من التعبير عن آرائه العنصرية، فهاهم المسلمون الذين تدافعون عنهم، يقتلون الفرنسيين ويهددون حرية التعبير والديمقراطية الفرنسية، وحين ناديت بترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية، كنت أستشرف الخطر المحدق، وأرى"الانتحار الفرنسي" ماثلا أمام عيني. وكل من كان يحذر من هذه المبالغة في الخوف من الآخر المتفشية اليوم في فرنسا، ومن التمييز بين الفرنسيين على أساس العرق والدين والثقافة سيجد نفسه، بعد ما حصل، مضطرا إلى الصمت، وسيعلو بدل ذلك صوت الجبهة الوطنية وماري لوبين، وهذه الموجة من العنصريين الجدد، الذين امتلأت بهم وسائل الإعلام الفرنسية، وأصبح لهم فلاسفة وأدب ومعلقون ومحللون.
نعم، إنها أغلى هدية قدمها الإرهاب للعنصرية في فرنسا، التي ستزداد انتشارا وتوسعا في فرنسا، وسيلتهم اليمين المتطرف المعادي للأجانب الأخضر واليابس في طريقه، مستغلا الأزمة التي تمر منها فرنسا، وموظفا هذا الحدث الإجرامي للاكتساح الذي لم يعد أحد يشك فيه. لم يقتل هؤلاء الملثمون مجرد صحفيين وعمال في أسبوعية ساخرة، بل قتلوا ملايين المسلمين في فرنسا، وزكوا هذه الصورة التي صارت مقترنة بالإسلام. وقتلوا أيضا كل من مازال يقاوم في فرنسا ويدافع عن الأقليات وعن اليهود والمسلمين والغجر والأفارقة ويرفض التطبيع مع خطاب العنصرية الذي أصبح موضة هذه الأيام، ومجرد رأي بين الآراء. لقد قتلوا فرنسا الحرية والاختلاف والإخاء والمساواة، وبجريمتهم البشعة، سيقتنع من لم يقتنع بعد، أن الإسلام دين متخلف يدعو إلى العنف والقتل، ويتزنر المؤمنون به بالأحزمة الناسف ويحملون الكلاشينكوف والقاذفات، ليقتلوا الصحفيين ويغتالوا الحرية، ويقضوا على فرنسا. لقد قتلوا ضحاياهم بدم بارد قتلوا حملة أقلام ورسامي كاريكاتير سلاحهم هو فنهم وآراؤهم في بلد يقدس الحرية ولو تأكد أنهم مسلمون ويدافعون عن النبي وعن الله، فإنهم بهذه الجريمة قد طعنوا نبي الإسلام وطعنوا قلب الإسلام وطعنوا المسلمين في كل مكان في هذا العالم
وتلك الكلاشينكوف وتلك الطلقات أصابت دين الإسلام وأكدت، لكل من لا يزال يشك في الأمر، أن الإسلام يعاني في الوقت الحالي من مرض المؤمنين برسالته، والذين من فرط إجرامهم، يعتقدون أن الله يأمرهم بالقتل. إنهم يقتلون الفرنسيين ويقتلوننا نحن أيضا ويقتلون بعضهم البعض ويصرخون الله أكبر، الله أكبر إن الله لا يسيء إليه مقال والرسول لا يسيء إليه رسم كاريكاتوري ومن يسيء إلى الله ومن يسيء إلى الرسول هم اليوم نسبة كبيرة من المؤمنين بالله والذي لا يدين جريمتهم
والذي يتفهمها ويجد لها الأسباب والمبررات هو مجرم مثلهم وعدو لله وللبشرية ويقتل المسلمين في كل مكان ويقول للعنصريين ويقول للذين يعادون الإسلام والمسلمين أنتم على حق نحن متخلفون ودمويون ونعشق العنف والقتل ونطلق الرصاص على الأبرياء بدم بارد ويجب ترحيلنا في السفن يجب طردنا من فرنسا ومن الحياة ومن الإنسانية.