حلت يوم أمس 7 نونبر الذكرى المئوية لولادة أحد أكثر المفكرين الفرنسيين الذين خلفوا أثرا واضحا على الساحة الثقافية في بلاد الأنوار لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. ألبير كامي، المفكر والمسرحي والروائي الفرنسي الحائز على جائزة نوبل للأدب عام 1957، رأى النور بمدينة وهرانالجزائرية، والتي خلدها في اثنتين من أشهر روايته وهما "الغريب" و"الطاعون". ارتباطه بالجزائر كان كبيرا مما جعله أحد أكثر الأقلام المدافعة عن الخيار السلمي خلال حرب التحرير الدامية التي راح ضحيتها مليون شهيد جزائري دافعوا عن استقلال بلادهم كي لا تبقى كما يراها الفرنسيون مقاطعة تابعة إلى "الاكزاكون"، بعد احتلال دام قرنا وثلاثة عقود. وكان كامي صوتا حاضرا بقوة داخل الأوساط الأدبية بفرنسا، في وقت كان فيه الأدباء متشبعين بمفهوم "المثقف العضوي"، وكان العديد منهم منخرطين في الدفاع عن حركات التحرر ومنددين بالأفكار النازية والفاشية وواقفين إلى جانب الثورات الأوروبية الساعية لتحقيق الديمقراطية من خلال التمرد على الأنظمة العسكرية في عدد من دول أوروبا الغربية والشرقية. بيد أن المفكر المدافع عن فكرة التزام المثقف كان محط انتقاد المدافعين عن استقلال الجزائر والموالين لفكرة أنها جزء لا يتجزأ من التراب الفرنسي. في نظر الطرف الأول كان دعم كامي للجزائر غير كاف لأنه لم يكن ينادي صراحة بالاستقلال، وبالنسبة للطرف الآخر لم يكن موقفه حاسما بخصوص مسألة "فرنسية الجزائر". إضافة إلى هذا الموقف السياسي الغامض هناك من ينتقد كتابات ألبير كامي ويرى فيها تعبيرا عن المنظور الكولونيالي للسكان الأصليين. فروايته الشهيرة "الغريب" تتحدث عن الجزائريين بتوصيفات عرقية وليس كأشخاص لديهم أسماء ألقاب مثل الشخصيات الأوروبية. كما أن حادثة قتل "العربي" من قبل بطل الرواية من دون سبب ظاهر ينم لدى بعض منتقدي عن نوع من العنصرية في نظرة الكاتب. الانتقادات الموجهة إلى المفكر الفرنسي بخصوص الموقف من استقلال الجزائر ازدادت بعد أن أبدى تحيزه للموقف الرافض لانفصالها عن فرنسا بعد حصوله على جائزة نوبل. حينها توجه إليه أحد المناضلين الجزائريين بالسؤال حول موقفه من قضية بلاده، فجاء جواب كامي ليقطع الشك باليقين حول المسألة. المفكر الفرنسي أكد أنه لو تم تخييره بين العدالة وأمه لاختار أمه، مما رأى فيه مناضلو حركة التحرير الجزائرية أن الكاتب اختار الاصطفاف إلى جانب المعسكر المعادي لاستقلال بلادهم. الكاتب الفرنسي وإن كان يعلن أنه يتفهم معاناة الجزائريين في ظل سلطة الإدارة الفرنسية إلا أنه كان يرى أن استقلال الجزائر سيقود إلى شقاء "الأرجل السوداء"، وهم الفرنسيون الذين كانوا يقيمون هناك. كامي، وإن لم يكن كاتبا رومانسيا وكانت كتاباته ذات بصمة وجودية بارزة وتعبر عن حالة التيه واللامعنى التي كان يشعر بها الإنسان الأوروبي في مرحلة ما بعد الحربين العالمتين، إلا أنه كان يحلم بجزائر يسود فيها التعايش بين الفرنسيين والجزائريين دون أن يستطيع أن يتخذ موقفا بنفس صرامة مثقفي اليسار الفرنسي الذين كانوا يعترفون بحق الجزائريين في اعتناق الحرية. بموقفه ذاك جر كامي عليه انتقادات المعسكرين، المدافع والمعارض لاستقلال مسقط رأسه، ما دفع إلى اعتزال الحديث عن الموضوع حينما هجر الحياة العامة ليستقر بمنطقة "لوماران" جنوبفرنسا قبل أن يودي حادث سيارة بحياته في 4 يناير 1960 وهو لا يتجاوز حينها 46 عاما. وبالرغم من ذلك لم تمر ذكرى ميلاد ألبير كامي دون أن تحتفي بها الصحافة الجزائرية كما يليق بكاتب طبع تاريخ فرنساوالجزائر معا بغض النظر عن كيف يذكر التاريخ موقفه من العلاقة المتوترة بين البلدين.