تميز الدخول الادبي هذه السنة بفرنسا بالغنى والتنوع حيث تم اصدار اكثر من 600 عنوان جديد،هذا التنوع يغطي مختلف الوجهات والادواق بفرنسا ،وتميز هذا الدخول ايضا بالتطور الرقمي الكبير حيث ان اغلب العناوين حوالي 90 في المائة تقريبا يمكن شراؤها على الشكل الرقمي،خاصة ان الكتب الرقمية هي ارخص بحوالي 20 في المائة عن نظيرتها العادية ورغم هذا التطور فان الاغلبية الساحقة للقراء تختار الكتب الورقية في حين ان الكتب الرقمية مازال عدد مستهلكيها محدود جدا. فضيحة هذا الدخول كانت كتاب ريشار ميلي الذي يبحث عن الشهرة مند مدة طويلة وحول من خلال عدة كتب دون ان ينجح ويبدو انه وجد الفضيحة بطريقته الخاصة حيث اختار عنونة كتابه «مديح ادبي لسفاح النرويج أنديرس بريفيك» حيث قتل 77 من مواطنيه بسبب اعتقاده ان بلده مهدد بالتعدد الثقافي وبتزايد عدد المسلمين.وعندما سئل هذا الكاتب عن مدحه لقدرة القتل الكبيرة لسفاح النرويج الذي قتل عشرات الابرياء بدم بارد لمجرد افكارهم المخالفة لأفكاره ،اجاب ريشار ميلي مجلة في لقاء مع مجلة الاكسبريس « هي ملاحظة تقنية وليس حكم قيمة» اي ان فعالية سفاح النرويج هي مجرد براعة تقنية؟ وبالاضافة الى كتابه «مدح ادبي لأنديرس بريفيك»، اصدر كتابا جديدا سماه « عندما تصبح مناهضة العنصرية ارهابا»وهو كتاب يتساءل فيه لماذا اصبح ممنوعا التعبير عن مواقف عنصرية بفرنسا؟وريشار ميلي عان بنفسه من العنصرية،فبسسبب لمنته المشرقية عندما يتكلم الفرنسية كان ينعث بالعربي « بونيول» ، فهل يزايد اليوم على العنصريين؟ هذا الكاتب العادي بفرنسا يبحث مند فترة على الشهرة وعلى اهتمام الاعلام به حتى بشكل فضائحي وحالو في المرة الاولى على خلفية الحرب الاهلية التي نخرت لبنان ،و اصدر سنة 2009 كتابا حول الحرب الاهلية اللبنانية تحت عنوان « اعترافات سلبية»وادعى فيه انه قاتل في الحرب الاهلية وقام بعملية القتل كذلك ،اي قتل «المسلمين اعداء المسيحين» وهي محاولة لاعادة احياء فنطازمات الحرب الصليبية من خلال احد مواقعها التاريخية وهو لبنان لكن محاولة اثارة الجدل هذه لم يعرها احد الاهتمام اللازم ،والكتاب لم يثر اي جدل،ولا احد صدق انه بامكانه القتال او المشاركة في حرب أهلية ،لكن يبدو ان هذا الوضع احبط ريشار ميلي على المستوى النفسي لان لا احد بفرنسا اخذه مأخذ الجد لا احد استفسره على اعاء قتل الاخرين ،لكن محاولة اثارة الانتاه والشهرة باءت بالفشل . وظل الكاتب يتحين الفرصة ليجد موضوعا اخر ، وجاءت مدبحة النرويج التي قام بها بريفيك ووجد ميلي ذلك فرصة سانحة واصدر هذه المرة اصدر كتابه «مديح اندريس بريفيك» قبل صدور الحكم على سفاح النرويج بيومين.يتابع هذه القضية ويتساءل كيف سيتعامل القضاء النرويجي هل يحاكمه على افعاله الجنونية ،ام يعتبره مجرد مختل عقليا ويفرض عليه العلاج . ميلي نجح هذه المرة في اثارة الجدل وردود افعال العديد من الكتاب حول هذا الاختيار المجنون لهذا الكاتب المغمور وحاول من خلال كتابه فهم دوافع بريفيك الاجرامية خاصة التعدد الثقفافي الذي اصبحت تعرفه اوربا ووجود ديانة وثقافة جديدة باروبا وهي الاسلام والمسليمن .والكاتب الفرنسي ميلي له نفس افكار بريفيك هو الاخر يكره الاجانب ،يكره الاسلام والمسلمين ويكره التعدد الثقافي الذي تعرفه فرنسا النرويج واوربا واذا كان بريفيك اختار القتل بطريقة همجية وبدائية لتعبير عن جنونه فان ميلير لحد الساعة يصدر الكتب لتعبير عن نفس الافكار والتي ربما سوف تؤدي غدا الى دفع مختلين اخرين بفرنسا نحو الاجرام. مشكل ميلي اليوم هو ان احد اكبر دور النشر الفرنسية كاليمار تعطيه سلطة اختيار عدد من الكتب سنويا وهو ما يطرح مشكلا اخلاقيا كبيرا على دار النشر الفرنسية هذه .وهو ما دفع الكاتب الطاهر بنجلون،وأني إيرنو الى المطالبة بمغادرته للجنة القراءة بكاليمار وهو ما رفضه صاحب دار النشر، معتبرين ان مواقفه الايديولوجية لم تعد تتلاءم مع دوره بدار النشر وهو الطلب الذي رفضه صاحب دار النشر انطوان كاليمار واعتبر ان المعني تعامل دائما باحترافية ولا يخلط عمله مع مواقفه الايديولوجية.وهذا الموقف من صاحب اكبر دار نشر مؤشر على الحالة السيئة التي وصلت اليها فرنسا حيث اصبحت مواقف دعم القتل والاجرام ومهاجمة التعدد الثقافي وكراهية الاجانب موقفا كمختلف المواقف.وان هذا الموقف يدخل في اطار حرية الراي حسب مالك دار النشر الفرنسية. يضيف الطاهر بنجلون «تعودت على هديانه العنصري لكن هذه المرة دهب بعيدا « واعتبر ان زميله بلجنة القراءة بكاليمار تجاوز كل الحدود خاصة انه يعتبر ان التعدد الثقافي الذي تعيشه فرنسا هو تراجع ،هو انحطاط تعيشه فرنسا بدل اعتبار ان ذلك هو غنى وتطور طبيعي لفرنسا. في برنامج تاديي بالقناة التالثة لم يتوان ميلي عن التصريح انه لا يتحمل وجود مساجد باوربا وفرنسا وانه لم يعد يعرف نفسه اين يوجد ،ويتساءل عن هويته؟ طبعا ميلي عبر العديد من البرامج التلفزية االتي شارك فيها يعبر عن انتمائه وعن عنصريته وكراهيته للاخرين رغم انه يكرر ان لا انتماء سياسي له. ولم يتردد في القول انهالرجل الابيض الوحيد الذي يجد نفسه بعد السادسة مساءا بمحطة شاتلي ليهال( احد اكبر المحطات والمراكز التجارية بباريس ) ويضيف لقد كبرت بلبنان وترعرعت به وخذت الحرب فيه الى جانب المسحيين.واضاف انه اليوم بفرنسا له احساس انه لا يعرفه نفسه اين يوجد ؟» طبعا هو تعبر ادبي وراقي لعنصرية البسطاء وهي ان عدد الاجانب اصبح كبير بفرنسا الى حد انه يجد نفسه وحيدا في كل مكان يضع نفسه فيه.طبعا هذا الكتاب وهذه الخرجة الاعلامية لاحد الكتاب وعضو لجنة القراءة باحد اكبر دور النشر الفرنسية ،يعبر عن تحول جديد ،حيث ان العنصرية والكراهية الاجانب غير المسحيين اصبحت امرا عاديا وسط مثقفي باريس بعد ا كانت موقفا في السابق يؤذي لا محالة الى النهاية الادبية والثقافية لصاحبه وصعوبة ايجاد دار نشر تقوم بمواكبة اعماله العنصرية . فقد انتهى عصر المثقفين الملتزمين والمدافعين عم القيم الانسانية والمساواة والاخاء .هذا التوجه الفكري الجديد بفرنسا لم يعد يقتصر على اليمين المتطرف والغاضبين من السياسة بل اصبح موقفا يوجد ويعرض باكبر القنوات ودور النشر الفرنسية ،وهو ما يعني ان فرنسا الازمة تسير الى طريق تخليها عن مبادئ الكونية وشعارات الثورة التي رفعتها لعدة قرون وصدرتها او حاولت تصديرها الى باقي بلدان العالم.وجه فرنسا المقبل اليوم هو ريشار ميلي وما يمثل من حقد وكراهية للاخرين . كان مشهد الأطفال في مجزرة داريا السورية رهيباً، شديد الرهبة، مثله مثل سائر المشاهد التي تتوالى منذ اندلعت ثورة الشعب السوريّ. لكنّ المرارة إزاء هذا المشهد الأخير كانت حارقة. لم يكن من معنى للتألّم والتأوّه، فاقت المأساة الحدود القدرية المرسومة لها. لم يكن من معنى لإغماض العينين أو الإشاحة بهما عن الجثث المعذبة. كانت الكارثة أشدّ هولاً من الكوارث السابقة. أو هكذا ظننت. أطفال لا يحصى لهم عدد، لفّوهم بما تيسّر من أكفان أو شراشف، حفروا لهم ما يشبه ساقية ماء طويلة، ووزّعوهم جثة جثة. وعندما راحوا يجمعونهم بُعيد المجزرة، بدا المشهد »أبوكاليبسياً«، مهولاً بدمويته: أشلاء أطفال، أيد وأرجل مقطوعة، ثياب وأحذية مبعثرة، بقايا منزل أو بقايا عالم والدم ينتشر كالغبار، غبار أحمر... لا أعتقد أن وحشية القتل الاسرائيلي بلغت مثل هذا الحجم أو الرعب. القتل »التوراتي« قد يبدو أشدّ رحمة أمام القتل »البعثي« السوري. حتى مقتلة الأطفال التي ارتكبتها اسرائيل في بلدة قانا لم تكن في هذه الحدّة. الاسرائيليون يقتلون الأطفال العرب خوفاً من مستقبل هؤلاء الاطفال. »البعث« السوري يقتل الأطفال خوفاً منهم، ماضياً، والآن وغداً. هذا ليس قتلاً للقتل كما تفعل اسرائيل، هذا قتل متعمّد، قتل للترويع، قتل من أجل »البعث«، بعث الأطفال من حطام العالم، بعثهم الى المقابر والى هاوية ذاكرة الحياة. حملت الفتاة الصغيرة »أسماء« لافتة بيضاء في تظاهرة شهدتها بلدة داريا السورية، على اللافتة كتبت: »انصر يا ربّ الجيش الحر قبل أن يأتي دوري في الموت«. لم تمضِ بضعة أيام حتى سقطت »أسماء« في مجزرة داريا. نقلت الكاميرات صورتها راقدة بين الخرائب، على وجهها ابتسامة ملؤها الأسى، عيناها المفتوحتان اللتان تنظران الى السماء كانتا تخفيان الكثير من العتب. لم تقرأ السماء ما كتبت »أسماء« على لافتتها، لعلّ السماء لا تقرأ مثل هذه الرسائل، لعلّها كانت ملبّدة بغيوم الموت فلم تبصر. يخشى »البعث« السوري وجوه الأطفال وما يرتسم عليها، فيحرقها ويمزّقها. يخاف هذا »البعث« عيون الأطفال وما تخفي في عمقها، فيطفئها. يخاف »البعث« صراخ الأطفال فينزع حناجرهم... لأنهم المستقبل يقتلهم، لأنهم الماضي يقتلهم، لأنهم أبرياء وبسطاء وأنقياء يقتلهم، لأنهم سيحاكمونه في محكمة القدر، يقتلهم. بلا رحمة ولا رأفة ولا حسرة... لا أدري مَن قال إن الجرح على وجه الطفل يزيّنه... فعلاً رأينا وجوه الأطفال كأنها مزيّنة بالجروح... كأنها وجوه في لحظة جنازتها، في لحظة زفّها الى السماء. إنهم الأطفال الذين لم يتسنّ لهم أن يكبروا ليعودوا كالأطفال ويدخلوا ملكوتهم. قتلهم »البعث« السوري قبل أن يدركوا ماذا تعني الحياة، جعلهم يسبقون أنفسهم الى الملكوت. قد لا يجدي الكلام أمام مشاهد الأطفال المقتولين. حتى الشعر المأسوي لا يجدي. حتى الرثاء. حتى الدمع وإن انهمر كالمطر. الصمت، وحده الصمت. الصمت الأعمق من صرخة، الأشدّ فتكاً من صرخة، الأشدّ حدّة من صرخة. الصمت.