ذوقي قديم في الكرة، وأحبها كلاسيكية، ولا أومن كثيرا بالتجديد. كمن يرفض الاستماع إلى أي شيء في الموسيقى العربية، ويقعد يدندن مع محمد عبد الوهاب. العالم يسير في اتجاه وأنا في اتجاه آخر. وما زلت لحد الآن ثمانينيا، وأحب وسط الميدان التقليدي، وإذا قلت لي ميسي لا أهتم، وإذا قلت رونالدو لا يعنيني كثيرا. أنا مع الأصل وأرفض التجديد ولا أومن إلا بالقديم. أنا سلفي كرة القدم. وأرى معجزات ميسي وأكفر، وأقول هذا سحر وشعوذة، ولا أصدقها، رغم أن العالم كله منبهر. وأحب جيرار، وبيرلو، وريكلمي، إنهم آلهة حية بالنسبة لي، ويؤلمني أن يسخر أحد من جيفونتيس، ويراها معبرا سهلا إلى النهائي. أنا من جيل كانت الكرة بالنسبة إليه إيطالية، وكان الجمهور المغربي إيطاليا، يتوزع بين الأندية الإيطالية، قبل أن تظهر الجزيرة، وقبل حبيبي برشلوني، وضجيج المعلقين العرب وسجعهم وأريحية زملائهم المغاربة، وقبل أن يكتشف الخليجيون كرة القدم، وقبل أن تنتقل العدوى إلى المغرب، وتفلس الأندية الإيطالية، وتعجز عن مجاراة ثراء الإنجليز والإسبان، وقبل ظاهرة صناعة أندية ميتة ولا روح فيها، كما هو الحال اليوم مع باري سان جيرمان. وحتى إذا اضطررت أن أكون فرنسيا، فأنا أحب مارسيليا، وأتعاطف معها، ومع جمهور سانتيتيان الأخضر. وأعرف أن الكرة تغيرت، وأن إيطاليا ذكرى من الماضي، لكني، وعندما أرى صورة في الفيسبوك، وأرى ثلاثة شباب يمثلون الريال والبارصا والبايرن يتغزلون وهم في بار في فتاة هي جوفنتيس ويتنافسون عليها، ويتمنون ملاقاتها في نصف النهائي، باعتبارها صيدا سهلا، أو صورة ثلاث لبوءات تتربص بحمار وحشي، في إشارة إلى قميص اليوفي، أشعر بالإهانة، وأعتبر من يقوم بذلك لا يحترم المقدسات ولا التاريخ والمقامات، ويعتدي على السيدة العجوز ويهين مشاعر جمهور قديم ومنسحب وصامت. لا ذرة احترام ولا توقير عند هذا الجمهور الجديد والمسيطر للأسياد والسيدات وجمهورهم. لا احترام للكبار. لكني، ومع الوقت، صرت أشعر أني خنت ذوقي ومبادئي الكروية، والتحقت بالقطيع، وإما البارصا أو الريال، مستسلما للنظام العالمي الكروي الجديد، ومنغمسا فيه، وخاضعا له ولذوقه وعاداته، ومتنكرا لمبادئي وللتاريخ. ورغم ذلك، مازالت معتقداتي الكروية، وإيديولوجيتي، تتحكم في ذوقي، وعندما تعود اليوفي، أعود إلى تشجيعها، بغير يقين، وبتمني الفوز دون الإيمان به حقيقة، وضدا في السيطرة وفي تبدل العادات وفي الكرة الاستهلاكية. وأفعل ذلك، دون أن أعترف، أفعله في السر، كي لا يفتضح أمري، ورهاني على الحصان الخاسر، الذي لا يشجعه أحد، ولا يعول عليه شخص واقعي، ويسخر منه هذا الجيل من عشاق البارصا والريال، والذين لهم رونالدو وميسي، وكلما ظهر لاعب يشترونه، وأينما ظهرت موهبة يستولون عليها. حتى بوغبا، الذي لم يؤمن به أحد، وتخلوا عنه، صنعته اليوفي، وصار واحدا من أفضل اللاعبين في العالم، وستيبعه اليوفي دون شك، وستأخذه القوى العظمى الجديدة. لأن ما يهم جيفونتيس اليوم هو المال، وبثمنه يمكن أن تشتري دزينة لاعبين وتحافظ على النادي قويا في إيطاليا. وأعرف أصدقاء يقبضون على الجمر، ومهما حصل، ومهما تغير العالم، فلا كرة عندهم إلا كرة اليوفي. وإذا لم تكن اليوفي فروما، وإذا لم تكن روما فالميلان. ويحفظون الماضي عن ظهر قلب، ويحفظون الأسماء، ويحنون إلى الزمن الجميل. إنهم جمهور أرستقراطي، وإيمانهم أعمى، ولا يشكون في أن اليوفي هي التي ستفوز، وستهزم الريال، وتنتصر في النهائي. الناس في ميسي وهم يقولون لك باجيو. والناس في رونالدو وهم يتحدثون عن سكيلاتشي ودينو زوف ومالديني وألبرتيني وزولا وباولو روسي. تحية إذن للإيطاليين المغاربة تحية لكل هؤلاء الذين ما بدلوا تبديلا تحية لإسماعيل بلا وعلي، الوحيد في المغرب من أبناء جيله من يشجع اليوفي. تحية لعدنان أحيزون الذي يبدو للوهلة الأولى شابا في مقتبل العمر ومنفتحا على الجديد ، بينما ميولاته الكروية ومعلوماته فتعود إلى القرن الماضي، حين كانت الكرة إيطالية، وهو لحد الساعة، مازال يعقد الأمل على روما، ويتغزل في قميصها الجميل، وفي فرانشيسكو توتي. ومن هذا المنبر أتضامن معكم وأندد بهؤلاء الأغرار الذين يسخرون من فريقكم المفضل، ويبدلون مواقفهم كما يبدل اللاعبون جواربهم. ويشجعون الرابح وعندما يخسر يتخلون عنه. وأندد بالبنات عديمات الذوق اللواتي يعشقن لاعبي البارصا قصار القامة، والذين يرتدون ملابس مزركشة وفاقعة اللون وتثير الضحك ولا يغريهن الجمال الإيطالي، ولا يثيرهن هؤلاء اللاعبون الإيطاليون الذين تظن أنهم خرجوا من الأساطير وأنهم حفدة الآلهة القديمة. إنه الفرق بين علامة سمالتو وجيورجيو أرماني وفرساتشي وبين زارا الإسبانية. إنه عصر الانحطاط الكروي وفساد الذوق وسيادة البري أبورتي ومن مازال يشجع اليوفي، فإنه كمن يمتنع عن شراء أي سيارة، ويرفض ركوب أي نوع، ولا يقبل إلا الفيراري، أو اللومبورغيني الإيطاليتين، رغم أنه يعرف أن ذلك مستحيل وصعب، وكمن فقد ثروته وظل يعتقد أنه مازال غنيا ويحتفظ بأناقة النبلاء والجنتلمانات وهو مفلس. أيها الثمانينيون أيها التسعينيون يا جمهور القرن الماضي والقناة الثانية في بدايتها الإيطاليون هم وحدهم من يفوز دون أن يلعب الكرة ودون أن يسجل الأهداف الإيطاليون وحدهم من جعلوا زيدان ينطحهم وينهزم الإيطاليون هم الذين اخترعوا التنويم في الكرة والعنف الذكي دون بطاقات حمراء فلا تستهينوا بهم يا جيل الجزيرة واحترموا السيدة العجوز. احترموا الماضي وهؤلاء الذين يرتبطون به ويحنون إليه ويحلمون أن يعود هذه السنة فائزا باللقب.