سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
من نوم شبيبة العدالة والتنمية ومن وزع عليهم تيشورتات رابعة العدوية! من شاهد منظرهم يتساءل عن من اشترى لهم تلك القمصان ووضع عليها شارة رابعة العدوية الصفراء، وجعلهم يبدون كقطيع مغربي وجد نفسه فجأة في مرعى مصر
بدت شبيبة العدالة والتنمية يوم أمس كما لو أنها منومة، وكما لو أن شخصا انتزعها بالقوة من أسرتها وقادها ومشاها مسرنمة لتصرخ يسقط يسقط حكم العسكر. شخص ينظر بشكل محايد أو مغرض إلى المشهد لا يمكنه إلا أن يشفق على هؤلاء الشباب ويعجب بهم في نفس الوقت ويتساءل عن الشخص الذي اشترى لهم تلك القمصان الجميلة ووضع عليها شارة رابعة العدوية الصفراء، وجعلهم يبدون كقطيع مغربي وجد نفسه فجأة في مرعى مصر، يرفع الشعارات ويطالب بعودة الشرعية.
ربما كان عبد الإله بنكيران وباقي وزراء العدالة والتنمية الذي حضروا المؤتمر يضحكون في عبهم وهم يسمعون شبيبتهم تطالب بطرد السفير المصري. ووارد جدا أن الخلفي وباها والرباح كانوا يكتمون ضحكاتهم كي ينجح المؤتمر، لأنهم في قرارة أنفسهم يعرفون أنه صراخ يوم وسينتهي، وأن حناجر الأولاد ستبح وسيتعبون وسيعودون فرحين إلى منازلهم ليناموا، وأن موقف الدولة المغربية لا يمكن تغييره، وقد يذهب بنكيران ومن معه ولا يذهب هذا الموقف. لكن هل من المعقول أن يعقد مؤتمر لشبيبة حزب مغربي ونقطة أعماله الأساسية هي ما يقع في مصر، وهل كل هؤلاء الشباب يشعرون أنهم طبيعيون وغير معرضين لسحر أو شيء من هذا القبيل.
إنه سلوك يدعو فعلا إلى الحيرة: آلاف الشباب يعيشون في أرض وفي بلد وينشغلون بما يحدث في أرض وبلد آخر، لا يعنيهم شيء هنا بالمرة، لا تأثير لهم ولا رد فعل على أي شيء حدث في الأيام والأشهر الأخيرة في المغرب، لا موقف ولا دعم ولا مساندة ولا تيشورتات مطبوعة على نفقة المحسنين تخص المغرب، والحال أنهم مستقرون في مصر، ويحملون المظلات عندما تمطر في القاهرة.
أتفهم قليلا ما يحدث لهم، وقد عاش شباب اليسار قبلهم هذا الإنكار للواقع وللانتماء والهوية والمصلحة الوطنية، وكان اليسار يتحدث عن كوبا وألبانيا ومنغوليا وتشيكوسلوفاكيا والصين مثلما يتحدث شباب العدالة والتنمية اليوم عن إخوانهم في مصر، وكانت شبيبة اليسار تعيش في تلك الدول أكثر من عيشها في المغرب، لكنهم على الأقل كانوا يصارعون المخزن ويعارضون السلطة ويثورون على قياداتهم ويستيقظون من نومهم حين تكون هناك زيادة في الأسعار أو قرار حكومي غير شعبي بلغة ذلك الوقت، بينما إخوان المغرب منومون مغيبون ومسحورون، يخطب عليهم رئيس الحكومة ويطالبون هم بطرد السفير المصري.
المشكل أن بنكيران لا يرغب في إيقاظهم من النوم، ولا يزعجه أن يظلوا مسحورين وغائبين عن الوعي، مادام أن لا ضرر في ذلك، كما أنه لم يكلف نفسه عناء أن يقول لهم إن ما تطالبون به غير ممكن، ولم يملك شجاعة أن يقول لهم أنا أجاريكم فقط وأسليكم وأثير حماستكم، ولو قاموا بإلباسه قميص رابعة العدوية لارتداه رئيس الحكومة وباها والرباح والداودي والعثماني بصدر رحب ودون اعتراض، لأنه يبقى مجرد قميص وستنزعه بعد نهاية الحفل ولن تصيبك الحكة بسبب ارتدائه، كي تعود بعد خلعه إلى الواقع وإلى التفاوض مع مزوار، الشخص الوحيد الواقعي والذي من لحم ودم، والذي على الشباب في الحزب الإسلامي أن يفكروا في طريقة ما لإقناعه لدخول حكومة رجل كان إلى أمد قريب يصفه بالحلايقي.
لا شك أن شبيبة العدالة والتنمية شعرت أمس بمتعة وهي تصرخ وتشتم السيسي، فالعاطفة والحماس شعور جميل، وارتداء تيشورتات موحدة يشعرك بالانتماء ويمنحك الثقة في أنك تنتمي إلى جمهور و إلى قضية وأنك لست وحدك، لكن ما فائدة طرد سفير مصر، وما أثر ذلك على أزمة البطالة والفساد وتفشي غياب الأمن في المغرب.
إنهم معذورون، فلا شيء يضاهي إغراء فرجة مصر، هناك دم ودين وسلطة وعسكر وشهادة، والعدالة والتنمية في حاجة ماسة دائما إلى من يظلمهم، ولا يرتاحون في دولة عادية ووضع سياسي عادي، ولا تبادر شبيبتهم لإيجاد حلول لمشاكل المغرب، إنهم يتنكرون لقيادتهم للحكومة ولا يبادرون ولا يقترحون حلولا، ويتنكرون لمسؤولية زعيمهم السياسية، وعوض ذلك يفضلون البكاء، لأن في البكاء والمظلومية والإنكار والهجرة النفسية راحة لا تعوض.
هذه حالة نفسية، وما يظهر سحرا وتنويما، مرتبط ببنية ذهنية عامة وبعائق انتماء تعاني منه التيارات الدينية، وتتنكر للواقع وتعيش نفسيا في مكان آخر، وتختلق الخصوم، ورغم أن مصر دولة فاشلة ولا تعتبر نموذجا لأحد في العالم، فهناك من يريد أن يجعل منها المثال الذي يجب أن نقلده، مع اجترار الكلام الفارغ والمدفوع الثمن، بأن ما يحدث في مصر لا يبقى داخل حدودها، وأن الحل، الحل الوحيد، لحل كل مشاكل المغرب هو طرد سفير مصر حالا، كأن المغرب انتهى من حل كل مشاكله، ولم يبق له إلا ترف تزجية الوقت، وملء ساحة رابعة العادية بشكل افتراضي ومحاربة طواحين الهواء.