سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
العدالة والتنمية ضد العدالة والتنمية! إن الشيء الإيجابي في وصولهم للسلطة هو أن هذه التجربة تعلمهم ماذا يعني الوطن، وماهي المصلحة الوطنية انهم يتلقون دروس محو أمية في الدفاع عن الوطن وعن الدولة
الذين يدينون بيان وزارة الخارجية المغربية حول مصر ويطالبون برحيل سعد الدين العثماني وببيان ساخن سخونة الدم المراق، يكتشفون لأول مرة الفرق بأن تكون مسؤولا في دولة وبين أن تكون مسؤولا في نقابة أو جمعية دعوية. معظهم يعتقدون أنه ولمجرد انتماء سعد الدين العثماني لحزب العدالة والتنمية وللتيار الإسلامي، فإنه من المفروض عليه ومن الواجب أن يندد بما حدث ويتدخل لدعم الإخوان، كأن وزارة الخارجية المغربية جمعية حقوقية أو منظمة لنصرة الشرعية والدفاع عن المظلومين في العالم. إن الشيء الإيجابي في وصول الإسلاميين المغاربة للسلطة وتقلدهم لبعض المناصب الحكومية، هو أن هذه التجربة تعلمهم كل يوم وبالتدريج ماذا تعني الدولة، وماذا يعني الوطن، وماهي المصلحة الوطنية. إنهم يتلقون دروس محو أمية في الدفاع عن الوطن وعن الدولة، وكل ذلك لم يكن ليحصل لهم لو لم يصلوا إلى السلطة. ومع الوقت والاختبارات سيمتلكون قدرة التمييز بين تسيير شؤون دولة وتسيير شؤون قبيلة، وبين تسيير شؤون حزب أو جمعية دعوية وتسيير شؤون بلد مرتبط بمصالح معقدة. إنها مرحلة مهمة في حياتهم ليصبحوا حزبا سويا يدين بالولاء لمصلحة المغرب بدل ولائهم لإخوانهم في العالم الإسلامي ولإيديولوجيتهم التي تعيشهم في أوهام الوحدة والخلافة والقوة القادمة والتمكين والسيطرة التي ستأتي لا محالة يوما ما. المسؤولون والقياديون في حزب العدالة والتنمية يعرفون أنه من المستحيل وقوف الدولة المغربية إلى جانب الإخوان، وأن أقصى مايمكن القيام به في هذه الحالة، هو إصدار موقف حزبي مندد إرضاء للأتباع والمناصرين وللأصوات الانتخابية، ثم موقف رسمي يخص الحكومة، وهو المهم، لتدبير شؤون الدولة ومصالحها وعلاقاتها الخارجية. ورغم اقتناع حزب العدالة والتنمية المسير للحكومة، والذي ينتمي إليه وزير الخارجية سعد الدين العثماني، برجاحة الموقف الرسمي للدولة المغربية واستحالة أي شيء آخر، فإنه محتاج رغم ذلك لعبد العزيز أفتاتي كي يصرح بأن بيان الخارجية موغل في التخاذل ويعبر عن موقف الكراكيز، ولئلا ينفض الأتباع ولئلا يخسر الحزب الإسلامي قاعدته الانتخابية. هكذا نصبح أما حزب عدالة وتنمية يعيش في الواقع وتعنيه مصلحة المغرب قبل كل شيء، أو أنه مضطر فحسب للخضوع لمنطق الدولة ومصالحها، وحزب عدالة وتنمية قرين له ينوم الأنصار ويشغل أفتاتي والتوحيد والإصلاح، ليصرحوا بما يحب أن يسمعه المنومون، الذين يشعرون بوجودهم وبانتمائهم لمصر والنهضة في تونس ولكل تنظيمات وحركات الإسلام السياسي السني في العالم، أكثر من انتمائهم للمغرب ومصالحه. وعلى عكس ما يظن البعض، فأفتاتي وأمثاله ضروريون لسعد الدين العثماني، وحينما ينددون ببيانه ويدعون إلى رحيله، فهم لا يقومون في الحقيقة إلا بالتغطية عليه وتمرير موقف وزارته بأقل نسبة ممكنة من الخسائر، وإيهام المتعاطفين أن الحزب مازال هو هو، متنكرا للواقع المغربي ومخلصا لإخوانه في المشرق. كما أن أفتاتي يعرف في قرارة نفسه أنه لو كان مكان سعد الدين العثماني لأصدر نفس البيان، ومن حسن حظه وحسن حظ التوحيد والإصلاح والسلفيين وكل التيارات الإسلامية أنهم يعرفون بالمقابل أن المزايدة لا تقتل، بل على العكس من ذلك، تقوي أصحابها وتحافظ على الأصوات الانتخابية والأنصار وعلى نوم الأتباع في عسل النصرة والشهادة وعدم التخلي والتفريط في الأخ المستشهد في رابعة العدوية. المشكل، المشكل الوحيد المطروح، هو مدى تقبل حزب العدالة والتنمية للإفراط في الكذب، والكل يعرف ما هي عقوبة الكذاب في الإسلام، ولن يتخلص الحزب من آفة الكذب، إلا إذا ارتبط فقط بالمغرب وبمصالحه، كي لا يجد نفسه كل مرة في موقف حرج، يعقبه تصريح ناري لأفتاتي، فهذه اللعبة ومن فرط تكرارها أصبحت ممللة ومفضوحة، مع ما يمكن أن ينتج عنها من عواقب وخيمة يوم الحساب