— تملكني الاستغراب مما نشرته بعض المنابر الصحفية حول قرار حجب جائزة الشعر لهذه السنة، والذي قدمت بشأنه معطيات مقلوبة تماما ومخالفة لواقع الحال، ورغم احترامي لآراء بعض الأدباء الذين عبروا عن عدم استساغتهم لقرار اللجنة، إلا أنني أودّ بصفتي كنت رئيسا للجنة الشعر أن أدلي بالمعطيات التالية، التي أعتبرها ضرورية لفهم ما جرى تحديدا:
المعطى الأول الذي ينبغي التأكيد عليه هو أنّ أول معيار تمّ وضعه من طرف اللجنة عند بدء أشغالها (والتي كانت تتكون إضافة إلى كاتب هذه السطور من السادة ياسين عدنان ، مبارك وساط، إدريس بلامين وحسن مخافي) أول معيار هو معيار "الشعر ولا شيء غير الشعر"، ما يعني أن الجائزة لا تعطى للأسماء اللامعة ولا للمسار الأدبي، بل للنصّ الشعري بتجرد وموضوعية، وبدون مجاملة لأحد أو تفضيل أو تمييز إيجابي يعتمد أسبابا خارج الشعر. والمعطى الثاني الذي ينبغي التأكيد عليه كذلك هو أنّ عملية تسريب النقاشات الداخلية للجنة والتي أفسدت كل شيء قد تمت من طرف أحد أعضائها (السيد حسن مخافي)، الذي لم يتحلّ بالمسؤولية فنقل مناقشات اللجنة ومداولاتها السرية إلى أحد الشعراء المتبارين من أجل الجائزة، أو إلى دار النشر التي قامت بترشيحه، مما أدى بهذا المبدع إلى سحب ديوانه معتقدا أن النقاش داخل اللجنة يسير في اتجاه عدم منحه الجائزة، معتبرا ذلك ربما "إهانة" له، بينما الحقيقة أن الديوان المعني كان ضمن الدواوين الثلاثة الأخيرة المرشحة للفوز، وما تم تسريبه كان عبارة عن انتقادات وجهت لديوان الشاعر المذكور من بعض أعضاء اللجنة، وهي انتقادات وجهت لباقي الدواوين المتبارية.
والمعطى الثالث أن هذا العضو اللامسؤول الذي سرّب مداولات اللجنة قد اقترف خطأ آخر لا يغتفر وهو إخبار مبدعين آخرين بما يجري، مما حذا ببعضهم إلى الاتصال بأعضاء اللجنة من أجل الضغط عليهم لإعطاء الجائزة للشاعر المذكور معتبرين عدم فوزه "سابقة" ، كما لو أن من مبادئ الجائزة أو ثوابتها منح الجائزة للمشاهير عوض منحها للشعر، ومستعملين الترهيب عبر الادعاء بوجود "شاعرة توزع الأموال لكي تفوز"، وهو ما يعني أنه في حالة ما إذا لم تعط الجائزة للشاعر المذكور فإن أعضاء اللجنة "مرتشون"، وهذا غاية الغلط الذي يصل إلى حدّ المسّ بكرامة هؤلاء الأعضاء ومصداقيتهم، وهو ما حذا بي إلى التفكير في الاستقالة من اللجنة، فأخبرت بذلك الصديق ياسين عدنان الذي رفض معتبرا أن ما يجري ينبغي الردّ عليه بقوة من داخل اللجنة، كما أخبرت به السيد مدير الكتاب حسن الوزاني عندما اتصل بي ليخبرني بأن أحد الشعراء المترشحين للجائزة قد سحب ديوانه.
المعطى الرابع الذي ينبغي توضيحه هو أن العضو الذي سرب مداولات اللجنة قد حاول الضغط عليّ شخصيا وبشكل مباشر داخل الوزارة بعد خروجنا من الاجتماع الثاني للجنة، حيث قال لي بالحرف ": إذا لم نعط الجائزة للشاعر محمد بنطلحة فسنتعرض لهجومات من الجميع لأنه لا أحد سيقبل بذلك"، وهو الكلام الذي رغم أنه أزعجني رددت عليه بالقول: " بصفتي رئيسا للجنة سأتولى الدفاع عن قرارنا أمام الرأي العام الثقافي الوطني وتوضيح مسوغات اختيارنا للديوان الفائز، فلا خوف من أي هجوم كيفما كان".
المعطى الخامس هو أن العضو المذكور قد قام منذ انتهاء أشغال اللجنة وإلى اليوم بحملة تضليل كبيرة في أوساط الكتاب والمبدعين لا يقبل بها أي من أعضاء اللجنة، محاولا خلق الالتباس للتغطية على خطئه، بل إنه إمعانا في مراكمة الأخطاء دعا وزارة الثقافة عبر الصحافة إلى عدم تعيين "غرباء عن الشعر" في لجنة الشعر، كما لو أن ما حدث يعود إلى عدم كفاءة أعضاء اللجنة، والحقيقة أنه بسلوكه إنما يعبر عن أنه الغريب الوحيد عن الشعر في اللجنة، لأنه جاء إليها بنية وأهداف غير قراءة الشعر وتقييمه، ولأنه العضو الوحيد داخل اللجنة الذي ليس شاعرا. المعطى السادس أنّ الدواوين المتبارية في النهاية كانت جيدة وتستحق الفوز بالجائزة ومنها ديوان "ألهو بهذا العمر" للشاعرة وداد بنموسى وديوان "وصايا.. لا تلزم أحدا" للشاعر مصطفى الشليح، وديوان "أخسر السماء وأربح الأرض" للشاعر محمد بنطلحة، كما كانت هناك أسماء مبدعة نالت إعجاب اللجنة مثل عائشة البصري.
أن السبب الذي جعل أعضاء اللجنة يقتنعون بضرورة حجب الجائزة، رغم ما سببه لهم ذلك من ألم وانزعاج بالغين، هو اقتناعهم المبدئي بضرورة فتح نقاش شجاع وجريء حول سلوكات بعض الكتاب والأدباء وحول عقلية آن الأوان لإدانتها والقطع معها، وهي عقلية المحاباة والمجاملة والكولسة والدسّ والمكيدة التي تجعل الشعر آخر اهتماماتها.
أن وزارة الثقافة ليست مسؤولة عن أخطاء الكتاب والأدباء، وأن ما حدث من سحب شاعر لديوانه بعد بدء أشغال اللجنة، والذي هو سلوك غير مسبوق، قد تم بسبب تسريب تفاصيل مداولات اللجنة مع وجود فراغ قانوني دعت اللجنة في تقريرها النهائي إلى تداركه بالتنصيص في قانون الجائزة على عدم السماح لأي مترشح بسحب عمله بعد انطلاق أشغال اللجان، وعلى ألا يقبل ترشح أي عمل لم يتقدم صاحبه بطلب مكتوب وموقع من طرفه شخصيا. أنه إذا كان هناك من أساء إلى الشعر وإلى جائزة الشعر وإلى اللجنة وإلى الوزارة وإلى السيد محمد بنطلحة فهو من قام بخرق القانون وبتسريب مداولات اللجنة واعتماد التحيز السافر عوض الحياد الموضوعي.
ختاما أشير أنه في حالة ما إذا شكك أي طرف في هذه المعطيات، فإنني بصفتي عضوا في اللجنة المعنية ومنسقا واكب أشغالها من البداية حتى النهاية سأدعو جميع الأعضاء إلى المواجهة أمام الرأي العام الوطني وأمام الصحافة من أجل الكشف عن كل المعطيات والتفاصيل بدون تحفظ خدمة للحقيقة وردعا للسلوكات اللاقانونية واللاأخلاقية.