لم ينتظر ذ. حسن مخافي طويلا ليرد على اتهامات ذ. أحمد عصيد بخصوص تسريب مداولات لجنة الشعر الخاصة بجائزة المغرب للكتاب. وقال مخافي: "يزعم السيد عصيد أن ما دفع الشاعر محمد بنطلحة إلى سحب ترشيح ديوانه يعود لعمل مدبر، يتمثل في أنني سربت مداولات اللجنة إلى الشاعر أو الناشر. وللتذكير فإن عملية السحب تمت في وقت اختارت فيه اللجنة بالإجماع ديوان بنطلحة ضمن ثلاثة أعمال كان من المفروض أن تبت فيها. مما يعني أن سبب السحب كان يعود لدوافع أخرى غير ما ذهب إليه التوضيح المزعوم. ولماذا لا يكون السيد عصيد الذي لم يرشح الشاعر بنطلحة لنيل الجائزة في أية مرحلة من مراحل الانتقاء هو من أشاع أن حظه في الفوز ضئيل مما حدا بالناشر إلى سحب ترشيحه، وبهذا يتخلص عصيد من حاجز كان يقف دون الوصول إلى هدفه المبيت. ومن كانت له مصلحة في أن يسحب الشاعر بنطلحة عمله، هل هو من يدافع عن أحقيته في نيل الجائزة أو من لم يرشح عمله على الإطلاق؟". وكان عصيد قد اتهم بالواضح مخافي بوقوفه وراء عملية التسريب قائلا: "الذي ينبغي التأكيد عليه كذلك هو أنّ عملية تسريب النقاشات الداخلية للجنة والتي أفسدت كل شيء قد تمت من طرف أحد أعضائها السيد حسن مخافي، الذي لم يتحلّ بالمسؤولية فنقل مناقشات اللجنة ومداولاتها السرية إلى أحد الشعراء المتبارين من أجل الجائزة، أو إلى دار النشر التي قامت بترشيحه، مما أدى بهذا المبدع إلى سحب ديوانه معتقدا أن النقاش داخل اللجنة يسير في اتجاه عدم منحه الجائزة، معتبرا ذلك ربما "إهانة" له، بينما الحقيقة أن الديوان المعني كان ضمن الدواوين الثلاثة الأخيرة المرشحة للفوز، وما تم تسريبه كان عبارة عن انتقادات وجهت لديوان الشاعر المذكور من بعض أعضاء اللجنة، وهي انتقادات وجهت لباقي الدواوين المتبارية". وأضاف أن مخافي أخبر "مبدعين آخرين بما يجري، مما حدا ببعضهم إلى الاتصال بأعضاء اللجنة من أجل الضغط عليهم لإعطاء الجائزة للشاعر المذكور معتبرين عدم فوزه "سابقة" ، كما لو أن من مبادئ الجائزة أو ثوابتها منح الجائزة للمشاهير عوض منحها للشعر، ومستعملين الترهيب عبر الادعاء بوجود "شاعرة توزع الأموال لكي تفوز"، وهو ما يعني أنه في حالة ما إذا لم تعط الجائزة للشاعر المذكور فإن أعضاء اللجنة "مرتشون"، وهذا غاية الغلط الذي يصل إلى حدّ المسّ بكرامة هؤلاء الأعضاء ومصداقيتهم، وهو ما حدا بي إلى التفكير في الاستقالة من اللجنة، فأخبرت بذلك الصديق ياسين عدنان الذي رفض معتبرا أن ما يجري ينبغي الردّ عليه بقوة من داخل اللجنة، كما أخبرت به السيد مدير الكتاب حسن الوزاني عندما اتصل بي ليخبرني بأن أحد الشعراء المترشحين للجائزة قد سحب ديوانه". والأدهى من ذلك كله أن عصيد اتهم مخافي بمحاولة الضغط عليه شخصيا وبشكل مباشر داخل الوزارة بعد خروجهم من الاجتماع الثاني للجنة، حيث قال له بالحرف- حسب نص التوضيح-" إذا لم نعط الجائزة للشاعر محمد بنطلحة فسنتعرض لهجومات من الجميع لأنه لا أحد سيقبل بذلك"، وهو الكلام الذي رغم أنه أزعجني رددت عليه بالقول " بصفتي رئيسا للجنة سأتولى الدفاع عن قرارنا أمام الرأي العام الثقافي الوطني وتوضيح مسوغات اختيارنا للديوان الفائز، فلا خوف من أي هجوم كيفما كان". هذا الاتهام يرد مخافي بقوله إن "عصيد هنا يسوق نفسه باعتباره صاحب القرار في إسناد الجائزة لهذا الشاعر أو ذاك في حين أن الأمر موكول بالتساوي لكل أعضاء اللجنة. وبغض النظر عن تضخم الذات الذي يعبر عنه الرجل، فإن العبرة ليست في أن فلانا قد اتصل بعلان لصالح مرشحة أو مرشح، بل العبرة في الأخذ بهذا الاتصال من عدمه. ولكن عصيد الذي يعتقد أنه يمتلك الحل والعقد داخل اللجنة توهم أنه وحده من تلقى اتصالات هاتفية. ولا أذيع سرا إن قلت إني شخصيا تلقيت اتصالات هاتفية من أشخاص يحتلون مكانة في الواجهة الثقافية لصالح عمل غير عمل محمد بنطلحة، ولكني لم أعر اهتماما لهذه الاتصالات التي اعتبرها "عادية" في مثل هذه المواقف. من أجل هذا تحفظت داخل اللجنة عن استعمال كلمات "التسريب" و"الضغط" و"الابتزاز". وقلت للزملاء أعضاء اللجنة إننا عندما نتكلم عن التسريب ينبغي أن نعي ما نقول، لأن ذلك يجب أن يتبع بتحديد المسؤول عن التسريب المفترض، وأن تتخذ اللجنة موقفا جماعيا ممن سرب إن وجد. وما زلت عند رأيي الذي عبرت عنه داخل اللجنة، ومفاده أن ناشر عمل الأستاذ محمد بنطلحة عمد إلى سحب الديوان من الترشيح لأسباب اعتبرها موضوعية قد لا ترتبط بالضرورة بعمل لجنة الشعر ولا بتقويمها للعمل. ولكن السيد عصيد الذي عجز عن إقناع أعضاء اللجنة بالعمل الشعري الذي كان منذورا للدفاع عنه، راح يبحث عن مشجب يعلق عليه فشله في الوفاء "بالتزاماته" تارة بالقول إن مداولات اللجنة قد تم تسريبها وتارة أخرى بالزعم بأنه تعرض لضغوط ما". ولم تتوقف اتهامات أحمد عصيد عند هذا الحد، بل ذهب إلى أن مخافي قام منذ انتهاء أشغال اللجنة وإلى اليوم بحملة تضليل كبيرة في أوساط الكتاب والمبدعين لا يقبل بها أي من أعضاء اللجنة، محاولا خلق الالتباس للتغطية على خطئه، بل إنه إمعانا في مراكمة الأخطاء دعا وزارة الثقافة عبر الصحافة إلى عدم تعيين "غرباء عن الشعر" في لجنة الشعر، كما لو أن ما حدث يعود إلى عدم كفاءة أعضاء اللجنة، والحقيقة أنه بسلوكه إنما يعبر عن أنه الغريب الوحيد عن الشعر في اللجنة، لأنه جاء إليها بنية وأهداف غير قراءة الشعر وتقييمه، ولأنه العضو الوحيد داخل اللجنة الذي ليس شاعرا." وأضاف أنّ "الدواوين المتبارية في النهاية كانت جيدة وتستحق الفوز بالجائزة ومنها ديوان "ألهو بهذا العمر" للشاعرة وداد بنموسى وديوان "وصايا.. لا تلزم أحدا" للشاعر مصطفى الشليح، وديوان "أخسر السماء وأربح الأرض" للشاعر محمد بنطلحة، كما كانت هناك أسماء مبدعة نالت إعجاب اللجنة مثل عائشة البصري". ومن جهته يقول ذ. حسن مخافي بخصوص معايير تشكيل اللجنة: "تم انتقاء أعضائها وفق معرفتهم باللغات التي كتبت بها الأعمال المرشحة. وقد اختير عصيد لهذه اللجنة لأن من الأعمال المرشحة ما هو مكتوب باللغة الأمازيغية. ومن المفارقات في حياة السيد عصيد الثقافية أنه لم يرشح في أية مرحلة من مراحل مداولات اللجنة عملا مكتوبا بالأمازيغية. ولا غرابة في ذلك لأنه التحق باللجنة كي ينتصر لعمل محدد مسبقا. ولكنه لم يعرف كيف يدافع عنه لقلة خبرته بالشعر العربي، فاختار الهروب إلى الأمام، كي يعطي دروسا للمثقف المغربي في الأخلاق هو نفسه في أمس الحاجة إليها. والآن وقد أصبحت مداولات اللجنة في ملك كل من يرغب في الاطلاع عليها، فإني مصر على ما أعلنته أمام الزملاء الذين أكن لهم احتراما وتقديرا كبيرين، وفحواه أن حجب الجائزة لهذه السنة هو انتصار للشعر المغربي ضد الإسفاف والتمييع. كما أعلن باعتزاز كبير أنني دافعت باستماتة وبموضوعية في نفس الوقت عن عمل الشاعر المغربي الكبير محمد بنطلحة، ليس لأن هذا الشاعر الفذ ساهم في صياغة المشهد الشعري المغربي على مدى أربعين عاما فقط، وليس لأن أعماله تدرس في أكبر الجامعات العربية والمغربية فحسب، ولكن أيضا وأساسا لأن ديوان "أخسر السماء وأربح الأرض" عمل يختزل هذه التجربة الشعرية الغنية ويضيف إليها. من أجل هذا فإنه لو قيض للعمل أن ينال الجائزة لكان ذلك تشريفا لجائزة المغرب للكتاب قبل أن يكون تشريفا لهذا الشاعر الكبير الذي لم يسع أبدا لأية جائزة". بينما ذهب عصيد إلى أن "السبب الذي جعل أعضاء اللجنة يقتنعون بضرورة حجب الجائزة، رغم ما سببه لهم ذلك من ألم وانزعاج بالغين، هو اقتناعهم المبدئي بضرورة فتح نقاش شجاع وجريء حول سلوكات بعض الكتاب والأدباء وحول عقلية آن الأوان لإدانتها والقطع معها، وهي عقلية المحاباة والمجاملة والكولسة والدسّ والمكيدة التي تجعل الشعر آخر اهتماماتها". وفيما أعلن عصيد، في حالة التشكيك في الاتهامات التي وجهها صراحة لمخافي، عن استعداده لدعوة جميع أعضاء اللجنة إلى "المواجهة أمام الرأي العام الوطني وأمام الصحافة من أجل الكشف عن كل المعطيات والتفاصيل بدون تحفظ"، فإن مخافي ذهب إلى أن تهم عصيد "جزافية تفتقر إلى أي دليل، الشيئ الذي يجعل ما جاء في "توضيحه" يقع تحت طائلة القانون"، ولمح إلى إمكانية لجوئه إلى القضاء. غير أن الملاحظة التي عبر عنها بعض المتتبعين للشأن الثقافي لم تكن على الاتهام والاتهام المضاد، بل على بيان اتحاد كتاب المغرب بهذا الخصوص، إذ اعتبر بيان اتحاد الكتاب أن "ورد في بيان رئيس لجنة الشعر، الأستاذ أحمد عصيد، من معطيات جديدة كاشفة وصادمة، تلقي الضوء على ما حدث أثناء مداولات اللجنة، كما تؤشر إلى مواطن الانحراف التي طالت أشغالها"، وهذا يعني- يقول المتتبعون- أن اتحاد الكتاب قد تبنى جملة وتفصيلا ما جاء في بيان عصيد، حتى دون أن يطلع على بيان مخافي، والحال أن هذا الموقف الذي يزعم الانشغال بالحقيقة لا يستقيم إلا بالاطلاع على البيانيين، وفحص الاتهام الذي وجهه كل طرف، وخاصة الموجه إلى الأشخاص الذين "يحتلون مكانة في الواجهة الثقافية"، وذلك بالكشف عن أسمائهم أمام الرأي العام.