قبل أيام، سحب الشاعر محمد بنطلحة ديوانه « أخسر السماء وأربح الأرض » من المنافسة على جائزة المغرب للكتاب، احتجاجا على تسرب معلومات تقول إن لجنة القراءة والتحكيم تعرضت للضغط من شخص « نافذ » داخل اتحاد كتاب المغرب، كما في دواليب السلطة، لكي يحصل شاعر أو شاعرة ما على الجائزة بدلا من بنطلحة الذي كان، باعتراف بعض أعضاء اللجنة، أقوى المرشحين للفوز بها. هذا الأمر اعترف به أحمد عصيد، عضو لجنة الشعر، عقب حجب الجائزة، حين قال إن نقاشات اللجنة تسربت إلى الخارج وبدأت الاتصالات والضغوطات للتأثير على قرارها؛ وإنه لإدانة هذا السلوك اللاحضاري واللاثقافي، قررت لجنة الشعر حجب الجائزة. وأضاف عصيد أن حجب الجائزة هو نضال ضد الوساطات والزبونية. أليس الفساد الذي بدأ يدب نحو المؤسسات الثقافية هو من الفساد الذي عشش داخل الأحزاب والمنظمات السياسية، وأساسا تلك التي أناخت بكلكلها، لسنوات، على المؤسسات الثقافية؟ لقد كان في صالح الثقافة الديمقراطية والحداثية في المغرب أن أحزاب المعارضة، التي هيمنت على المؤسسات الثقافية، ورعتها، عاشت، لوقت طويل، على هامش الحكم، الشيء الذي منح المثقفين استقلالية عن الدولة، جعلتهم ينشغلون بأسئلة الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان، قدرَ اشتغالهم بالأدب والمسرح والسينما والتشكيل… لكن، الأزمة ستبدأ عندما عجزت المؤسسات الثقافية « المستقلة »، وأساسا اتحاد كتاب المغرب، عن الاستقلال بشخصيتها عن الأحزاب السياسية، فعندما دخلت « الكتلة الديمقراطية »، بطريقة غير ديمقراطية، إلى حكومة 1998، وانعكس ذلك سلبا على التنظيمات الموازية للحزب الذي كان يقود التجربة، وجد اتحاد الكتاب نفسه يتخبط في المشاكل ذاتها التي عرفتها شبيبة ونقابة وإعلام الاتحاد الاشتراكي، وكأن اتحاد كتاب المغرب تنظيم موازٍ لهذا الحزب. هذه الوضعية خلقت، في البداية، تجاذبا نحو اليسار ونحو اليمين، انتهى بانتصار وهيمنة اليمين « الانتهازي » داخل اتحاد كتاب المغرب، وسيّد ثقافة الفساد: المالي، والعِلمي، والسياسي. 1 – لفساد المالي: مؤخرا، وجّه عضو بارز داخل المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب، رسالة ًإلى عضو آخر يُحذره فيها من تكرار فعل اصطحاب عشيقته إلى أحد فنادق الرباط على حساب مالية « الاتحاد »، بالقول: « فواتير فندق (…) بيدي، موثقة، بالغرفة المزدوجة، وباسم الخليلة، عفوا الزوجة الوهمية، كما تقدمها أنت لمستخدمي الفندق؛ فحتى الفاتورة الأخيرة، وأنت عائد من العيون، موثقة باسميكما وبثمن الغرفة المزدوجة ». وعوض أن ينفي الثاني تهمة الأول ويدحضها أمام أعضاء المكتب التنفيذي وباقي أجهزة الاتحاد، أجاب برسالة أخرى قال فيها لمن اتهمه بالفساد المالي والأخلاقي: « أنا، على الأقل، أستطيع تدفئة فِراش امرأة وليس مثلك… »! 2 – الفساد العلمي: على هامش حوار صحافي أجريته مع كاتب روائي، صادف فضيحة الرسالتين، انطلق محاوَري يحكي كيف أن أحد طرفي الفضيحة كان قد اتصل به، في السنة الماضية، يعرض عليه أن يكون عضوا في لجنة تحكيم جائزة اتحاد كتاب المغرب للروائيين الشباب، فقبِل بذلك، لكن صاحبنا لم يسلمه ولا واحدة من الروايات المتنافسة لقراءتها، إلى أن استُدعي إلى حفل تسليم الجوائز، حيث تليت أسماء أعضاء لجنة التحكيم، وضمنها اسمه! التفتُّ إلى محاوَري وقلت: أنت بدورك ساهمت في هذا الفساد؟ فمطَّ شفتيه وابتسم. هذا الحديث مسجل لدي، لكنني لن أذكر اسم صاحبه، احتراما لأخلاقيات مهنة الصحافة وللوعد الذي قطعته على نفسي أمامه، ما لم أضطر إلى ذلك. كما أنني ربأت بنفسي عن ذكر اسميْ صاحبيْ الرسالتين. 3 – الفساد السياسي: يتمثل في مسارعة المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب إلى تعيين محام للدفاع عن خالد عليوة الذي كان متابعا في قضية متعلقة بالمال العام، ورفض المكتب التنفيذي ذاته، باستثناء ليلى الشافعي وعبد الدين حمروش، التضامن مع علي أنوزلا، الكاتب الذي اعتقل بتهمة الإرهاب والذي يعرف معتقِلوه، قبل غيرهم، أنه بريء منها. بعد انهيار جدار برلين، تساءل عدد من المثقفين عن الجدوى من استمرار اتحادات الكتاب التي كانت تعبيرا تنظيميا عن البيروقراطية الشرقية، لكن جواب عدد من المثقفين الديمقراطيين كان هو أن المغرب لم يستكمل دورته نحو الديمقراطية، وأن وجود إطار مثل اتحاد كتاب المغرب في صف الحركة الديمقراطية هو شيء إيجابي. الآن، بعدما تبين أن هذا الاتحاد أصبح دعامة للاستبداد وبؤرة للفساد، يحق لنا أن نتساءل عن الجدوى من استمراره، وإن كانت هذه هي « المنفعة العامة » التي يقدمها إلى المغاربة!؟