لماذا استهداف القنوات التي تغطي اعتصام ميدان" رابعة العدوية" وشيطنتها إعلامياً والتغاضي عن القنوات المحرضة والداعية للفجور والانحلال الأخلاقي ؟ أيهما أخطر على الرأي العام القنوات الدينية أم قنوات العهر والفساد ؟ سؤالان يتبادران إلى الذهن عندما تتابع ما يجري في مصر الحبيبة الآن، تسمع بعض الكتاب والمعلقين المشاهير وهم يتهمون القنوات الدينية بشتى أنواع التهم من تحريض ديني إلى انعدام المهنية ، ويتجاهلون أنهم هم الآن يحرضون ولا يتعاملون بمهنية عندما يرفضون تغطية ما يحدث في "رابعة العدوية "وبقية المحافظات المؤيدة للرئيس السابق. لا يسع المرء إلا أن يضحك فعلا. ليس هناك شك بأن الإخوان وللأسف لم يحسنوا قراءة متطلبات الوضع الجديد ، ولم يأخذوا محاذير هذا الوضع بنظر الاعتبار والدقة اللازمة في صياغة المواقف ، حتى ولو بالالتزام بأطروحات ما كانت تقدمه جماعة الإخوان المسلمين في زمن المعارضة ، حيث جاءت ممارستها ومواقفها ومشاريعها وهي في قمة السلطة دون مستوى ما كانت عليه في مرحلة المعارضة. ولا شك أيضاً أن إصدار الرئيس للإعلان الدستوري المكمل الذي تضمن ما وصفه بالقرارات الثورية ، حيث جعل القرارات الرئاسية نهائية غير قابلة للطعن من أي جهة أخرى حتى ولو صدرت عن المحكمة الدستورية ، فضلا عن نقاط خلافية أخرى كانت موضع احتجاجات كثير من القوى الثورية. ولا شك أن الإخوان لم يتمكنوا من كسب أي من القوى الليبرالية أو القومية في صفهم ،بل عملوا على إقصاء تيار إسلامي معتبر متمثل في حزب النور ذو التوجه السلفي،فضلاً عن تقريب أهل الثقة بدل أهل الخبرة وهو ما ظهر جليا في إحلال الإخوان عند مفاتيح المال والسلطة(مقاعد الوزراء والوكلاء والمحافظين ورؤساء مجالس المدن). وصحيح أيضاً أن الرئيس مرسي كالخاتم في يد مكتب إلارشاد، ، أو كالعجينة، يديرها كيفما شاء، وهو يعتبر كل طلبات المرشد أوامر . لكن رغم تسليمنا بكل هذا يجب أن نؤكد من حيث المبدأ،أن ما جرى مؤامرة متكاملة وانقلاب عسكري متكامل.. بقناع مدني . لكن هل يبرر هذا بأي حال من الأحوال ما يقوم به الإعلام من تعتيم غير مسبوق حول ما يجري في" رابعة العدوية" ؟ هل يعقل أنه في زمن ثورة التكنولوجيا وحريات الإعلام،وفي عصر السماوات المفتوحة نعجز عن متابعة ما يقع بميدان "رابعة العدوية"،رغم أن القنوات المصرية أكثر من الهم على القلب، ونلجأ للبحث عن ترددات لقنوات كانت مجهولة مثل "اليرموك" و "القدس" لمتابعة ما يدور فعلا على أرض مصر دون فبركة أو تشويه؟هل نحن في زمن القحط الإعلامي ؟ شخصياً كنت أعتقد أن العقلية الإعلامية للصحفيين المصريين بعد الثورة ،قد تطورت وأن المال والإغراءات لن يجدا طريقهما إلى عقول وقلوب هؤلاء الإعلاميين ،لكن كم كنت مخطئاًً ،فقد عميت أبصار وبصائر السواد الأعظم من الإعلاميين المصريين ،وكذا عميت القنوات والصحف المصرية وانسدت الآذان فلم تعد ترى أو تسمع أو تنقل إلا نصا واحدا معمما على الجميع لا يجوز لأحد الخروج عنه،ويقوم أساساً على شيطنة كل ما هو إسلامي ووصفه بكل أنواع الهجاء والتجريح. لقد كانت الدنيا تقوم ولا تقعد لو أن قتيلا سقط في مظاهرة هنا أو هناك، بينما الموت يحصد حياة العشرات من المصريين الآن فلا يلتفت لهم أحد(مجزرة الحرس الجمهوري مثلاً)، وإن التفت فإنه يحولهم من مجني عليهم إلى جناة وإرهابيين. كانت الدنيا تقوم ولا تقعد لو أن النائب العام استدعى إعلامياً للتحقيق معه(باسم يوسف نموذجاً)،بينما تغلق قنوات إعلامية وتعتقل طواقمها الإعلامية الآن،وينكل بشيوخ معتبرين ويمنعون من إلقاء الخطب في المساجد(الشيخ محمد حسان نموذجاً) فلا يلتفت لهم أحد ، وإن التفت فإنه يصفهم بالمتطرفين. ومن المخجل أن يحدث ذلك وسط لا مبالاة تامة من ثوار سابقين،ومن دعاة الليبرالية الذين صدعوا رؤوسنا بالشعارات البارقة من قبيل حرية التعبير،وحق الاختلاف...وفي ظل صمت متواطئ من قنوات فضائية خاصة لطالما رفعت شعار "الرأي والرأي الأخر" قبل أن تصاب بما أصاب المنابر المصرية الأخرى، فأصبحت لا ترى إلا ما يراد لها أن تراه، ولا تنقل إلا في حدود الدور المرسوم لها، الذي إن تخطته فهي تضع أصابعها في فوهة النار، فتؤثر السلامة وتشارك في احتفالية الخرس الصاخب. ختاماً،لست إخوانياً و لكن التعتيم الإعلامي الذي تقوم به القنوات الرسمية المصرية وقنوات الفلول التي تسمي نفسها مستقلة وخاصة،لن ينجح في خططه الرامية لحجب ذلك المشهد الثوري بميدان "رابعة العدوية" ولا في إيقاع الشكوك وتحيير العقول،لان إعلام التواصل الاجتماعي– الفيسبوك وتويتر– أزال هذا اللبس، بالإضافة إلى ما ينشر على اليوتيوب والذي يزيل هذا التعتيم الإعلامي والغموض الذي اكتنف المشهد في البداية. آخر الكلام:إن واحدا من أهم حقوق إنسان العصر الحديث، عصر الحريات، هو الحق في المعرفة، وبالتالي فمن حق الجميع وفقا لمواثيق حقوق الإنسان العالمية أن يعرفوا ما يدور في العالم. نريد أن نعرف ماذا يحدث في ميادين مصر ومحافظاتها، من يطلق الرصاص ومن يسقط صريعا..