واقعتان طفتا على واجهة الأحداث خلال هذا الأسبوع كان عليهما أن يشكلا رجة في وعي كل مجتمع حي يتملك آليات تقدمه ويعي جيدا رهانات الحياة التي عليه أن يوفرها لأبنائه... الواقعة الأولى اعتقال الأستاذ زكريا أجنيخات من قلب القسم الذي يدرس فيه بالثانوية الإعدادية الرشاد بمنطقة أولاد حمدان بإقليم الجديدة، بحضور شخص ملتحي غريب عن المؤسسة بصفته مشتكيا. التهمة التي تتداول في وسائل الإعلام هي الإلحاد، على غرابتها أولا وعلى كونها غير منصوص عليها في القانون ثانيا، نكتشف أنها مبنية على وقائع وأحداث مرتبطة بعملية التدريس التي يمارسها الأستاذ، إذ تسرب من طيات الواقعة أن المشتكي، وعبر مجموعة من التلاميذ، يحتج على وضع الأستاذ لحرف (ص) بدل عبارة صلى الله عليه وسلم أمام اسم الرسول ثم كونه يناقش إلزامية ارتداء الحجاب من عدمه وما إلى دون ذلك مما وصلنا من هذه الواقعة الغريبة...
الواقعة الثانية والتي انفردت بها جريدة الأخبار ونقلتها مواقع عديدة هي واقعة إحالة أستاذ للتحقيق بسبب درس حول دور القايد العيادي في مواجهة المقاومة المسلحة. وكشفت اليومية في عدد يوم الخميس أن البرلمانية فتيحة العيادي، بصفتها ابنة القايد العيادي وعمة تلميذ يدرس بأحد الأقسام التي يشرف عليها الأستاذ احمد الشيخي والذي اقترف واقعة "تدريس" هذه المرحلة من تاريخ المغرب والمقررة من طرف الوزارة هي من بادرت إلى مراسلة وزارة التربية الوطنية وتحريك هذه الشكاية....
قد تبدوان الواقعتان مختلفتان من حيث المظهر، الأولى تؤشر على انغلاق ديني وهجوم للفكر ألظلامي على حرمة المؤسسة وما إلى ذلك من خطابات الحرب المستعملة عادة في مثل هذه القضايا، بينما الثانية هي محاولة انصاف تلميذ هزت نفسيته وأصبح يعاني الأمرين جراء وصف زملاءه له بحفيد الخائن وما إلى ذلك من المسوغات الواهية... بينما جوهر الواقعتين هو واحد، محاولة إعطاء شرعية للوصاية على مفهوم الدرس "la notion de la leçon" من طرف فاعلين خارج المنظومة التربوية...
سيكون انزلاقا خطيرا إذا ما حاصرنا الواقعتين في نقاش حرف الصاد، وكيف يمكن للمحققين التأكد ببساطة، عبر إبحارهم في شبكة الانترنيت، كيف أن المواقع الأكثر تطرفا وغلوا في الدين تستعمل حرف (ص) بشكل منفرد أمام اسم الرسول للدلالة على عبارة "صلى الله عليه وسلم"، وكيف أن الحجاب هو مسألة خلافية بين الكثير من المذاهب الإسلامية، وبين فقهاء عديدين من داخل نفس المذهب... أو مناقشة أن نفسية حفيد القايد العيادي ستتأثر وأنها أهم من هذا التصدع الكبير الذي أحدثته شكاية البرلمانية في المؤسسة التعليمية من جهة والمنظومة التربوية من جهة أخرى...
حتى لو أجزنا فعل التدخل الخارجي للأباء أو للدولة في المنظومة التعليمية بهذا الشكل، فالأستاذان لم يلقنا في دروسهما أخطاء، لم يعلما التلاميذ أن قسمة أربعة على اثنين هي عشرة، ولو أن ما سلف يمكنه أن يكون حقيقة في نظام رقمي آخر غير النظام العشري، لأن المواد التي يدرسونها تدخل ضمن العلوم الإنسانية والتي تقبل وجهات نظر مختلفة، ولا يمكن لي عنقها إرضاء لشيخ ربما لم يلج المدرسة في حياته أو طفل فقط لأنه حفيد شخصية صنعت من زاويتها جزء من تاريخ المغرب، والكثير من كتبه تتحدث عما تعتبره ممارسات "خائنة للوطن"، وأن عمته برلمانية.
النقاش الحقيقي هو حصانة المدرس في فصله الدراسي، وفيما يخص المادة التي يلقنها، والتي لا يمكن خرقها إلا من طرف مؤسسة المفتش التربوي وحده ووفق ما هو مسطر من إجراءات قانونية داخل هذه المنظومة.
هي حصانة لم تشتغل عليها الأجيال السابقة من المدرسين، الذي كان همهم الأساسي في تكتلات النقابات لا يخرج عن تحسين الوضع الاجتماعي بالزيادة في الرواتب، والرقي السياسي باختراع كل المصائب السياسية التي عرفتها البلاد... لعلها معركة هذا الجيل.