لا شك أن الذين قالوا كلاما طيبا في استطلاع الرأي عن الأستاذ عبد الإله بنكيران سيعضون على أصابعهم وهم يقرأون الأخبار الواردة عن الاجتماع الذي عقدته الأغلبية. ومنهم من سيسخر من نفسه، لأنه ردد بسخاء كبير أن بنكيران وفي لوعوده. والوعود كلها التي كانت تفوح من شعارات «الإصلاح» والتغيير ومحاربة الفساد والرفع من نسبة النمو إلى 7 % والتخفيض من العجز إلى 3 % والزيادات في الأجور والحد الأدنى للأجور، والرفع من قيمة التقاعد ..الخ تحولت إلى ضدها. لا لأنها فاتت عن حدها، بل لأنها تلاشت في الكلام مثل الفقاعات. ماهي حقيقة الأوضاع اليوم؟ وهل يستطيع رئيس الحكومة الآن أن يصارح الشعب المغربي بما يعده له، ويخطب، بافتخار أنه سيزيد من جديد في المحروقات، وفي الكهرباء، ويعيد النظر في الأجور، وأن الشعب المغربي سيخرج في مسيرات للهتاف بطول عمره وبقدرته على إسعاده بالرغم من أنفه؟ لقد تقرر، ما كان كل الخبراء الاقتصاديين والمتتبعين والنقابيين الوطنيين يخشونه، وبدأت الحكومة تسير بتؤدة، وبشجاعة نادرة نحو التهلكة. أولا، القرارات الصعبة التي اتخذتها الأغلبية، لم تعلن أنها ستناقشها. فقد أطلعت الرأي العام على جدول عمل «وهمي»، أو لنقل شكليا، يتعلق بأشياء عادية تماما وناقشت، ثم قررت في قضايا الأزمة التي خلقتها. ومسطريا حادت الحكومة عن الأخلاق السياسية المفترضة في مثل هذه الحالات، وكان الأولى أن تصارح الرأي العام بنواياها في ضرب قدراته الشرائية، والدخول بالبلاد في مأزق غير مسبوق. أخلاقيا فشلت الحكومة في أن تعطي لنفسها الحصانة المعنوية، لأنها راوغت الشعب المغربي والرأي العام السياسي والاقتصادي والاجتماعي..ثانيا، ما كانت تخفيه ظهر إلى العلن بالرغم منها. وهو ما يذكرنا بذلك الطفل الذي كان أبوه يطلب منه أن يزرع حبات الفول، حبة حبة كما تقتضيه شروط الزراعة، فكان يزرعه حفنات تلو حفنات لكي يتفرغ للعب. ولما سقط المطر وكبر الفول تبينت حقيقة الأمر، فأخذ الأب يضرب ابنه ويردد «قلت لك سيسقط المطر وتنبت الحقيقة، قلت لك سيسقط المطر وتنبت الحقيقة»! أول القرارات التي جاءت بعد المطر هي التقليص، مع سبق الإصرار والترصد من الاستثمارات، بما يفوق 21 مليار درهم. وكنا في هذا العمود، في بداية الأسبوع قد أشرنا إلى هذا الاحتمال، ضمن احتمالات تزيار الصمطة الذي وعدت به الحكومة. اللهم اشهد لقد بلغنا بما نحن مؤمنين عليه: الحقيقة. يذكر قراؤنا ومعهم الرأي العام، والحكومة أيضا، أنه في منتصف فبراير بالضبط، كتبنا بأن «المغرب يسير نحو الأزمة المالية والحكومة تبيع «صكوك الطمأنينة». وكنا نَغْمِزُ «الصكوك» في انتظار الصكوك الإسلامية على الطريقة المصرية مع مجيء محمد مرسي. وقتها قلنا، ولم تكن نتائج استطلاعات الرأي الذي قامت به ليكونومسيت قد «زفت» إلى المغاربة خبر فرحهم برئيس حكومتهم أنه «في الوقت الذي كان فيه الأستاذ عبد الإله بنكيران يعدد محاسن السياسة الجديدة للحكومة الجديدة، كانت وكالات الأنباء، في ربوع الدنيا تنقل إلى مستخدميها وقرائها قرار وكالة موديز للتنقيط، وتخبرهم بأن المغرب تدحرج إلى مرتبة أسفل بسبب السياسة الاقتصادية، والمالية للفريق التنفيذي الجديد. كان الخبر دقيقا وبلا مواربة، يقول بأن المغرب تراجع في الترتيب، وأن وضعه متدهور بشكل مثير ». والوكالة التي نشرنا خبر تنقيطها السلبي للمغرب، كانت قد زارت المغرب في نهاية سنة 2012 . والتقت الفاعلين الماليين والاقتصاديين وأصحاب القرار، ومنهم أعضاء الحكومة ولا شك. وقادت تحقيقها إلى أن وضعت نقطة سلبية، بناء على أن العجز المالي قد بلغ 7 %. و أن معدل العجز الذي تتقبله المقاربة المعتمدة من طرف الوكالات الدولية للتنقيط، هو ما بين 3 الى 4%. ومعنى ذلك أننا دخلنا دائرة الأزمة المالية. ومعناها بالعربية تاعرابت، أن المغرب سيكون مجبرا على الاقتراض، وأن القروض التي سيحصل عليها مرتفعة النسبة، و أن قانون المالية الذي قدمته الحكومة، والذي بني على فرضيات سابقة في العجز المالي والدين، أصبح في حكم المتجاوز، إن لم نقل لاغيا عمليا وهوما يحدث الآن أمام أعيننا، ونحن نرى أن الحكومة تعيد النظر في قانون مالية لم تمر عليه أكثر من 3 أشهر. ومعنى ذلك أخيرا، أن الخط الائتماني الذي حصل عليه المغرب، في وقت سابق، والبالغ قدره 6 ملايير دولار، والذي قالت الحكومة، ورئيسها عبد الإله بنكيران أنه موضوع رهن الإشارة، وأنها لن تلجأ إليه، أصبح اليوم من المحتمل الكبير أن تلجأ إليه حكومة عبد الاله بنكيران، وفي سياق أصعب وبشروط أكثر صرامة. طبعا ما لم يكن مستساغا هو كيف أن قلق المؤسسات الدولية المختصة على المستقبل القريب لبلادنا، لم يدفع الحكومة المغربية إلى قليل من التواضع والجرأة في قول الحق؟ في بداية الأسبوع، وبالضبط يوم الثلاثاء كتبنا نقول إن الحكومة اختارت تزيار السمطة. ووقتها لم تكن قد عقدت اجتماع أغلبيتها لكي تقرر ما قررته. فماذا كتبنا (عادو تاني )؟ كتبنا: الواقع أن المؤشرات التي بدأت تظهر، تبين بأننا مقدمون على وقت صعب للغاية، ومن ذلك أن المغاربة سيفاجؤون قريبا بأسعار غير الأسعار التي كانوا يقتنون بها المواد الرئيسية أو بعضها، وهو ما يسميه طلبة الاقتصاد بتحرير الأسعار، ويتوقع الاقتصاديون وخبراء صندوق النقد الدولي أن يتم التقليص من ميزانية الاستثمارات بما يقارب 12 مليار درهم، لتضخ في صندوق المقاصة، وستزير الحكومة سمطتنا الجماعية عندما ستراجع قانون المالية 2012، ولم تمر على المصادقة عليه أكثر من شهور ثلاثة!! وذلك، لأن الحكومة لم تخبر المغاربة، الذين تعدهم بسمطات مزيرة بأنها اختارت الرضوخ لصندوق النقد الدولي، والذي يطالبها بتقليص العجز الذي بلغ أوجه معها. في الحقيقة كنا متفائلين، لأن التخفيض في الاستثمارات بلغ ..21 مليارد درهم وليس 12 كما توقعنا! ثم ما الذي يمكن أن نستنتجه من آراء الوكالات الدولية، ومن القرارات التي تم اتخاذها: هل أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من عودة سياسة التقويم الهيكلي، وفقدان السيادة المالية؟ هل دخلنا دائرة الزوابع، وأن الاستقرار في المغرب قد أصبح مهددا؟ نطرح الأسئلة، ولا نجازف بالأجوبة وكلنا أمل أن يخيب ظننا فعلا، لأنه يرى الكارثة! ونسمح لأنفسنا مع ذلك أن نحفر قبرا ونكتب على شاهدته: هنا ترقد وعود بنكيران..