هناك قانون حتمي يقول إنك وفي اللحظة التي تكون فيها تنتظر في المحطة قدوم الحافلة أو القطار وتقرر إشعال سيجارة، تأتي في الحين تلك الحافلة أو ذلك القطار، دون أن تتمكن من تدخين سيجارتك، وتضطر إلى رميها مشتعلة. وهناك أيضا حتمية تاريخية أخرى تقول إنك وبإدمانك على التبغ ستصاب يوما ما بالسرطان، هذا مما لا شك فيه، ومع ذلك يوجد في هذه الدنيا أشخاص أخذوا على عاتقهم مهمة مديح السجائر والإطراء عليها والتغزل فيها كما يتغزلون في حبيباتهم، والمشكل بالنسبة لي أن هؤلاء يشكلون جميعا عصابة من الكتاب والمبدعين والفنانين، الذين أحبهم والذين لا أتصور كم كانت ستكون الحياة سيئة دونهم، لذلك أشعر بالحرج إذا لم آخذ كلامهم مأخذ جد.وأقل ما يمكن فعله هو أن أقدمهم لكم لتتعرفوا عليهم.
أول هؤلاء الفيلسوف الروماني إميل سيوران، الذي اعتبر السجائر أهم من الأناجيل في الاختبارات العصيبة التي يمر بها الإنسان، وأن المساعدة التي تقدمها لا تضاهيها مساعدة ذلك الكتاب المقدس، قبل أن يستدرك في كتاب آخر له يحمل عنوان"في سلبيات أن تولد" ويقول"منذ سنين، دون قهوة دون كحول، دون تبغ! ولحسن الحظ يوجد القلق، الذي يعوض بشكل أفضل المهيجات الأكثر قوة"، إذ يبدو أنه أقلع عن تدخين السجائر، وتفرغ لمج القلق، الذي وجد فيه خير معوض للنيكوتين.
أما المغني الفرنسي الراحل سيرج غنسبورغ، والذي كان يغني في المسرح دون أن تفارق شفتيه سيجارته الجيتان ذات التبغ الأسود، فقد فضلها قبل أن يموت على المرأة وقال إنه وإذا ما اضطر إلى الاختيار بين آخر سيجارة وآخر امرأة، فإنه سيختار السيجارة، لأنه يمكن رميها بسهولة! رغم أن ذلك أغضب دون شك زوجته الرقيقة جين باركين، المسكينة التي تحملت لسنوات حماقاته وإدمانه على الخمر، وفضائحه التي يرتكبها أينما ذهب، كما حصل حين مزق أوراقا مالية في برنامج تلفزيوني.
وبسبب سكره الدائم وعشقه للتدخين حد الهوس فقد رأى في إحدى أغانيه الرب وهو يدخن سيغارا كوبيا، ورأى سحابا رماديا في السماء، وتأكد له أن الرب لا يدخن في النهار فحسب، بل في الليل أيضا.