أبانت الانتخابات الجزئية لشغر بعض المقاعد النيابية التي تشهدها الآن العديد من الدوائر الانتخابية بالمغرب، عن تنامي الفساد بشكل كبير لم يسبق له أن شهدته الاستحقاقات المغربية، سواء محليا أو تشريعيا. والنموذج كما كان يراد له أن يكون في عهد وزير الداخلية الاسبق ادريس البصري، ينطلق من جديد من سطات لعدة اعتبارات الكل يعرف حيثياتها، إذ يتكرر بكل فصوله بعد ان اكتسب المناعة طيلة سنوات أمام أعين المسؤولين ، وأمام أعين حكومتنا الموقرة التي جاءت بشعار الاصلاح ومحاربة الفساد والمفسدين ، إذ لا حديث اليوم للمواطنين بالدوائر المعادة وبإقليم سطات على الخصوص، سواء في الاسواق او المقاهي وغيرهما إلا عن هذا الفساد الذي يمشي على رجليه، ويتجول بين الناس بحرية وطلاقة بقرونه كما هو حال كائنات بنكيران الخرافية. فبعد أن كان المفسدون يعبئون الوسطاء من المنتخبين ورؤساء الجماعات المحلية وغيرهم، هاهم يخرجون عن هذه العادة ويلجؤون الى فساد القرب ليتواصلوا بشكل مباشر مع المواطنين دون أن تتحرك فصول القانون ولا ميزان العدالة، وكأن الدولة قدمت استقالتها مما يطرح سؤالا كبيرا حول مدى جدية الحكومة في تنفيذ شعارها المركزي حول التصدي للفساد، والذي بموجبه استحوذت على أصوات الناخبين والناخبات بل الأمر يطرح سؤالا أكبر: هل ستعمل الجهات المعنية على تشكيل رؤساء المكاتب المركزية بالتراضي بين الاحزاب السياسية المتنافسة، درءا لكل الشبهات ولتفادي ما حدث في العديد من الدوائر الانتخابية ومنها سطات في الاستحقاقات التشريعية الأخيرة، والتي عرفت شراء بعض رؤساء هذه المكاتب الذين قاموا بالواجب على أحسن وجه وحسموا النتائج نيابة عن الهيئة الناخبة.
وعود الحكومة الحالية لتنفيذ شعارها الخالد والأزلي تجعلنا نتساءل: لماذا هذا الحياد السلبي الذي جعلها تتفرج على استشراء الفساد في هذه المحطة الجزئية أم أن الامر في ظنها مجرد محطة عابرة، وليس سوى انتخابات جزئية لن تغير في المشهد السياسي أي شيء. لكننا نقول إن هذا الفهم خاطئ. فرغم جزئيتها إلا أنها أساسية واختبار حقيقي لنوايا الحكومة ومدى جديتها في الاصلاح ومحاربة الفساد، إذ ليس هناك مبرر لرئيس الحكومة بالدرجة الأولى لكي يلقي بالمسؤولية على أية جهة أخرى، وبذلك يتفرق دم الاصلاح بين القبائل المشكلة للحكومة، كما يقتضي المقام من السيد وزير العدل مصطفى الرميد بصفته رئيسا للنيابة العامة أن يتصدى الى هذه الظاهرة، ويحارب المفسدين بل هو اختبار للقضاء نفسه من جديد وللنيابة العامة التي تطالب بالاستقلالية عن الجهاز التنفيذي كما جاء في الدستور الجديد.
أكيد أن هذا الكلام سيواجه من طرف الحكومة بالتشكيك، وتعتبره مجرد أباطيل وتشويش من معارضيها، لكننا نحيلها على أعينها خاصة من الحزب الاغلبي على اعتبار أنهم شهود عيان على هذا المنكر صباح مساء خاصة بإقليم سطات، ويشاهدون يوميا جرائم الفساد والتدليس الانتخابي، حيث أن الدراهم تمد أعناقها ذات الشمال وذات اليمين ، ونعيد مرة أخرى أنه صحيح أن هذه الانتخابات التشريعية هي جزئية لن تؤثر في الخارطة السياسية، لكنها بالنسبة للمواطن حاسمة ومؤشر حقيقي على مدى جدية الحكومة وحرصها على إعادة بناء الثقة في العمل السياسي، خاصة وأن الامر يتعلق بخمس دوائر انتخابية لها امتداداتها الترابية، وتتوزع على الجبال والسهول وغيرها وبالتالي نعتقد جازمين أن هذه المحطة سيكون لها ما بعدها والكل متوقف على طبيعة الاجراءات التي ستتخذها الحكومة في هذه المحطة وإن كنا...كلنا إيمان بألا شيء من ذلك سيحدث السيد بنكيران".