بمجرد أن أتممت هذا الصباح قراءة مقال الكاتب المغربي فؤاد العروي في موقع 360.ما، لم تعد لدي الرغبة في الكتابة باللغة العربية، ولا التوجه إلى قرائها. كل ما يأتي من كتاب وصحفيي العربية، وكل ما يطلبه منهم قراؤها، هو البؤس والرعب وفقدان الأمل واستعجال الخراب. لقد صدم فؤاد العروي من بشاعة حرق الطيار الأردني، وهذا طبيعي، مهما اختلفت الألسن وتعددت، لكنه لم يفعل مثلنا، ولم يولول كالنساء ولم يصرخ ولم ير القيامة قريبة على شكل داعش. بل على العكس منذ ذلك، كان متفائلا وكان رده في منتهى الرقة، واقترح علينا، أن نحارب داعش بالجمال. نعم، هكذا قال، بجمال العالم، وبالأعمال الفنية في المتاحف، وبالموسيقى، وبباخ والملحون والصالصا، وبالأعمال الأدبية العالمية، وبألف ليلة وليلة والدون كيخوت وبروست ودوستويفسكي. تخيلوا معي يا قراء العربية الأشرار، لو كتبت لكم نفس الفكرة. لا شك أنكم ستضحكون مني وتسخرون، وتقولون ماذا أصابني، وهل أنا جاد وأعيش في هذا العالم، وأعرف ما يقع، أم أني حالم وغائب عن الوعي، ورومانسي ورقيق ويقتلني الحنان والحب. لكن فؤاد العروي، كتب ما كتب، وهو مقتنع به، وقراؤه أيضا مقتنعون، ومستعدون لإشهار جمال العالم في وجه داعش والإرهاب والوحشية والقتل وقطع الرؤوس. يا لرقة وحنان الكتابة باللغة الفرنسية. يقترح فؤاد العروي أيضا أن نواجه هؤلاء الدمويين المتوحشين بعشاء مع الأصدقاء، وبجولة في شاطىء جميل، وبابتسامة طفل. لو كتبت أنا مثل هذا الكلام لقراء كود مثلا أو أي موقع مغربي آخر بالعربية لشكوا في رجولتي، وعيروني، واتهموني بما لا يخطر على بال، لأن قارىء العربية لا يتخيل أبا بكر البغدادي مفزوعا من الجمال، أو هاربا من باقة ورد، أو من منظر طبيعي جميل، ولا تخيفه رفرفة فراشة، أو قصيدة، بل الذي يقضي عليه في اعتقادكم هو القصف من السماء ونزول التحالف الدولي إلى أرض المعركة. وكان سيتصل بي أحد نجيم، وبكلماته الرقيقة وقاموسه المليء بالزهور، سيصرخ في وجهي: واش لا باس عليك، واش جاتك …(رقابة). تمنيت صادقا بعد أن أنهيت مقال فؤاد العروي أن أتحول إلى كاتب مغربي باللغة الفرنسية، وقررت أن أتعلم كتابتها، وأطلق العربية طلاقا لا رجعة فيه، والتي لا تأتيك منها في هذه الأيام العصيبة إلا الشتائم وكلمات القطع والنحر، وهناك من يستغل قساوتها وحدتها ليجعلها في صف داعش والإرهاب. الجمال، الجمال، هذا هو الحل، وعشاء مع الأصدقاء، وتغيير اللغة. منذ أن بدأت أكتب وأقرأ بالعربية لم أطلع على مقال بمثل هذا التفاؤل، ولم أسمع كاتب رأي بالعربية اقترح علينا عشاء واستضافنا لنمدح الجمال ونقصف به الأرهابيين. وإلى جانب البؤس والضجر وفقدان الأمل والتشاؤم، نحن كتاب وقراء العربية بخلاء، ولا نتعشى مع بعضنا البعض. تخيلوني في "تيل كيل" مثلا، وصورتي قرب صورة فاطم العياشي، وأكتب عن داعش وأحاربها بالجمال، إذ لا بد والحالة هذه أن يستسلم الإرهاب ويخر صريعا، ويأتي البغدادي صاغرا يطلب العفو ويعتذر عن كل الجرائم التي ارتكبها تنظيمه. أما وأنا في كود، وإلى جانبي سقراط وإسرافيل، وكاتبات رأي يظهرن فجأة ويختفين فجأة، وفي الجبهة الأخرى تكمن لك مايسة سلامة الناجي بعتادها وترسانتها الثقيلة، وإذا حاولت أن أقلد فؤاد العروي وأنقل أفكاره إلى العربية، فسوف أتحول في الحين إلى فضيحة، وسيعتبرونني أحلام مستغانمي مغربية متنكرة في صورة حميد زيد. الجمال الجمال جمال العالم لمحاربة داعش والإرهاب، هكذا تحدث فؤاد العروي يا لرقة الفرنسية و لطيبوبة كتابها المغاربة إنهم من كوكب آخر، ولن أرتاح إلا بعد أن ألتحق بهم، وأعيش معهم في عالم الجمال وأتعشى وأفرح وأشرب على نخبهم ، وأنسى هذه العربية، وسوداويتها. نعم يمكن القضاء على داعش بالوصفات اللذيذة وبفن الطبخ، وبمجرد أن نقرأ أمامهم الروايات ونتجول في الشواطىء والبساتين، سيفرون بجلودهم، من كوباني إلى الرقة، ومن الرقة إلى لبنان، وسيطبطبون على الأسرى، ويذوبون من حسن النساء وبراءة الأطفال. حقا ما أحلى الكتابة بالفرنسية، وأستغرب لمن يكتب بها من الأصدقاء، ويتابع ما نكتبه نحن بالعربية، دون أن يشعر بالخوف منا، ودون أن يطلب النجدة، ودون أن يندهش من عدم توصلنا إلى هذه الفكرة التي توصل إليها الكاتب المغربي المعروف فؤاد العروي. الجمال الجمال والموسيقى يا لا لا لي لكن لا حياة لمن تنادي يا فؤاد العروي.