طلبوا مني أن أكتب معهم في الجريدة الورقية. قالوا لي "كل سبت ستنشرين مقالا معنا".الأمر مثير فعلا لكنه مخيف بعض الشيء. عندما بدأت هاته التجربة كنت أنوي الاقتصار على الكتابة للأنترنيت. كتابة تعطيني الإحساس بسهولتها وأنه من الممكن أن أكتب بالعربية الفصحى، بالدارجة، بالفرنسية، بالإنجليزية، متحررة من كل القواعد إلا قواعد الصحة، أي عدم الخطأ في اللغة التي أكتب بها. الآن في الجريدة الورقية هناك مستجد حقيقي. أتخيل قراء الورقي "فشكل". أتصورهم يتأبطون الجرائد ويقصدون المقاهي، يجلسون قرب كأس القهوة السوداء بالساعات، يتلون المقال ويعيدون تلاوته، يعدلون وضع النظارات العميقة، ويقولون لبعضهم البعض على سبيل التأفف في الختام "مابقا مايعجب فهدا البلاد. دبا هادي صحافة هادي؟ ". يقبلون بعضهم البعض أربع "بوسات" ولاينسون أبدا موعد الغذاء حين يصل، ولا ينسون أيضا موعد "الكاسكروط" وموعد العشاء وطبعا موعد الإفطار قبل كل هذا التسلسل الغذائي العجيب. أتخيلهم قادمين من أسلاك التعليم المختلفة. لسبب لا أعرفه يرتبط قارئ الجريدة لدي بالمعلم وبالأستاذ. ربما هو مشهد معلم الابتدائي حين كان يدخل معه جريدته إلي السم، ربما هو وهم لا صحة له. المهم أنني هكذا أتخيل القارئ الورقي. الآن ماذا سأكتب كل سبت لهؤلاء القراء الماضين في طور الانقراض مثلما تقول كل الإحصائيات الدولية الخاصة بالصحافة؟ لا أعرف صراحة. شعور بالحيرة يكبلني. في الأنترنيت، أدخل إلى الفيسبوك أو تويتر أو يوتوب، أجد فكرة أو إثنتين أو ثلاثا فورا. عالم الأنترنيت في المغرب عالم متحرك وأتخيل قراء الأنترنيت مثله تماما. يتحركون وهم يقرؤون ماتكتبه لهم. في الأنترنيت يمكن إن تكتبي عن مايسة، عن الشيخ سار، عن سينا عن البساليزم، عن بقية الظواهر العابرة بتفاهة للمكان، لن يقول لك أحد شيئا. بالعكس النقرات ستزداد لأن أهل الأنترنيت يعرفون بعضهم بعضا. في الورقي سيسألونك "شكون مايسة عاوتاني؟"، وستضطرين كل مرة لشرح الحكاية لهم منذ ابتدأت وحتى الختام. لن يعرفوا سينا، وحتى وإن عرفوها لن تثير لديهم شهية لقراءة أو ماشابه. ربما أثارت لديهم هي ومن يشبهونها شهية التصرفيق، لكن هذا موضوع آخر لا نريد طرقه الآن. الورقي على العكس من الأنترنيت غير متحرك. الورقي يجب أن يكون جامدا، ويجب ألا يتزحزح إلا بعد أن ينتهي من قراءة ماكتبته له. لذلك هناك إشكال. بالنسبة لي أنا شخصيا هناك إشكال. أعرف صحافيين عديدين هاجروا من الورقي إلى الرقمي. اليوم المطلوب بالنسبة لي هو أن أهاجر من الرقمي إلى الورقي. أول مرة التحقت فيها بموقع "أحداث.أنفو" كان الأمر عبارة عن صدفة. كتبت أشياء وتبادلتها مع مسؤول عن الموقع في "الفيسبوك". قال لي في أول رد "رائع"، وفي الرد الثاني سألني "تكتبي معانا؟" عادة يقول لي أمثاله مامفاده "تبارك الله عليك، ولكن لابد نشوفوك"، أو يتعالمون كثيرا في المصطلحات وينصحونني بزيارة معهد تدريبي أو الانخراط في مدرسة لتلقين الكتابة. أضبط أعصابي لئلا أقول لهم إنني أتقن الكتابة أفضل من الأمي الذي ولدهم، وأنني أتنفسها يوميا وأعيش بفضلها، لكنني أرفض الانجرار إلى لعبتهم. حين قال لي مسؤول من الموقع "كتبي معانا"، ارتبت وقلت "هادا مالو عاوتاني؟". شرعت في إرسال مقالاتي وأنا أنتظر حجب أولها لكي أتوقف عن الكتابة. لكن "أحداث.أنفو" (صيدني)، لم يتدخلوا في كلمة واحدة كتبتها، ولم ينقلوا لي إلا بعض الملاحظات العابرة دون نقلها إلى مرحلة الأوامر. لذلك وحين طلبوا مني الانتقال إلى الورقي معهم مرة في الأسبوع استحييت أن أرفض، في انتظار أن يمارسوا علي رقابة ما وأعود إليكم سالمة غانمة من وراء حجاب. أخيرا، سألني من عرض علي الكتابة في الجريدة "ألم يحن الوقت لكي تكشفي شخصيتك الحقيقية وتزيلي عنك هذا الحجاب؟" ابتسمت، وقلت له "سأجيبك في مقال لاحق" قبل أن أضيف "لاتنس أن هذا الحجاب هو الجزء الأبرز في الحكاية كلها. عليك أن تكون متأكدا من هذا الأمر". خليوني دابا نفكر فموضوع المقال المقبل السبت ومن بعد نتلاقاو. راني وليت مهمة، وكنكتب فالجورنال. تهلاو… زاوية تقترفها : سليمة العلوي