1 كنت أقف أمام باب التساؤلات، كلما سمعت أصدقائي يتحدثون عن نشر إبداعاتهم في هذا الفضاء الافتراضي، ولأني تعودت رؤية كتاباتي مستلقية بين أروقة المجلات والجرائد، لم يكن فضولي قويا لاقتحام تلك القلعة التي كانت تبدو لي منيعة. وكنت أمني النفس في كل غد بالإبحار في سفنها المليئة بالمباهج، والاستلقاء فوق ضفاف غربتها لعلي أفهم بعضا من معانيها. ومرت الأيام وأنا كسلى، أتدلى من ثقب الوساوس، وأجمع في حقيبتي النفسية ما يقوله الأصدقاء عنها، وفي 2007 قررت المغامرة، وأرسلت بأول نص نقدي. لقد أطل علي بسرعة اجتاحت زمني الفكري، وتحول طقسي لرئة كبرى تتنفس عوالم جديدة تستنفر قلمي، وبالرغم من ذلك بقيت متلعثمة أمام دهشتي الأولى، وحاولت التحرك في بعض الزوايا مترنحة الخطو، بي حلم جميل يدعى اكتشاف النشر في عالم الإنترنت . 2 *الكتابة جنون متوهج في خلاياي، من خلالها أمسك أطراف الكون، وأستلقي في بساتينها الأميرية أقطف فاكهة فتنتها. فهي لصيقة بانكسارات الذات وانتصاراتها المضيئة بالشمس في كل محلوماتها، التي تشهق وَلَهًا بالحبر والحرف. فيمكن أن أشير إلى أن التغير ما هو سوى مرايا لعشبة سرية، أمسكتُ بها وأنا أقرأ كف إنتاجاتي التي علت صهوة أرض غير الأرض التي تعودت عليها، عندما كنت أمسك بتلابيب منشوراتي الورقية. فكنت كمن يحضن جمرا عاشقا، يتحول فجأة لشجرة مثمرة تتفيأ ظلا ضوئيا يعانق كل الجهات، فرأيت قصائدي ومقالاتي مثل طائرة ورقية تعبر القارات، فكانت كما الحلم المهاجر في كف الاختلاف. فأن يقرأ إبداعك الكثيرون، وتصلك رسائل القراء من شعراء وأدباء ومهتمين بالحقل الثقافي لتربط مع نصوصك وشائج التقدير، وتتابع كل دفقات حبرك، أمر -لعمري- شجعني على العطاء أكثر، من خلال الكثير من الكتابات، منها على سبيل المثال سلسلة كنت أسميتها «قطرة من محبرة» والتي عرفت طريق النشر في العالم الرقمي أولا والورقي فيما بعد. وغيرها من الحروف الهاربة من طوقي نحوها، سواء كانت قصائد أو .... إلخ ... كما كنت متابعة دقيقة لأغلب ما ينشر لكتاب جيدين، منهم من أخذ فرصته في الشهرة الكبيرة، ومنهم من يكتفون بالنشر في هذه الشبكة، ولست أدري لم لَمْ ترحب بهم المنابر الورقية رغم تميزهم. إذن؛ فهذا العطاء الجاد انتصار للثقافة بكل ثمارها، وإصغاء لأبعادها، وطبعا هذا هو الجانب الإيجابي المرحب به في هذا الفضاء الذي يمنحنا كل البهاء. 3 اعذرني أيها الباذخ الحرف إن قلت، بأنه لا يمكنني أن أطرح تجربتي في الكتابة بالمقارنة مع تجارب الآخرين، تحت تسليط أي ضوء . أولا: لأن الحديث عن الذات لتقييم تجربة كتابية خاصة أمر لا أحبذه، وثانيا: لأن هذا السؤال لصيق بذات المبدع الآخر ، ولا يمكن أن أكون قاضية في ساحة لا تنتمي إليَّ بشكل عميق. ولكن يمكن أن أقول بشكل عام، بأن أسهم الإنترنت قد رفعت اسمي الأدبي في بورصة الانتشار بشكل لا يمكن تخيله في العالم العربي، وهذا أمر جميل حقا، وإن كنتُ مُقِلَّةً في التواجد في ساحتها العملاقة. إنها رهانات على التألق والمشي قدما للتفاعل مع كل تجارب الذين تستهوينا كتاباتهم. وأظن من خلال ما أتابع أن الكاتبة العربية لها حضور لافت يشرف الإبداع العربي بشكل إجمالي. وأنا فخورة بأسماء كثيرة لها باع كبير في إثراء الساحة الثقافية العربية. 4 * إن البحث عن المعادلة بين النشر الورقي والإلكتروني أمر صعب، ولن أخفي عليك بأني أحيانا أنتمي أكثر لأجراس النشر الورقي الخضراء؛ التي أستمتع بتناول موادها، وقراءتها بتمعن كبير كلما سمح وقتي وشغفي بالإطلاع عليها. فهل هو الحلم الدائم المنذور للشغف الملموس، ذاك الذي يأسرني وأنا أفرش هسيس انتمائي لكل ما هو منشور بين دفتين؟، ربما الأمر كذلك .. وفي أحايين أخرى، أنجذب للنص الآخر الذي يرفل في جمالية ضوئية مختلفة، و يفرض قاعدة مهمة من القراء، وهذا ما يشعر الكاتب ببعض الإطراء، ويشجعني على إرسال بذرات إبداعية هنا وهناك لتعلو سنابلها في أرضها الكونية. وإني أرى أن النشر الورقي مكمل للنشر الإلكتروني والعكس صحيح. 5 إن التعامل بحذر مع عوالم العالم الافتراضي أمر يفرض نفسه، فالكاتبة العربية متمسكة بهاجس الثورة الداخلية للتفاعل مع العالم الرقمي، بشكل يجعل منها أكثر تحررا طبعا على المستوى الفكري لا أكثر. وهذه الخصوصيات التي تتحدث عنها لا ترتبط بالكاتبة فقط؛ بل بالكتاب أيضا، ليبقى الحديث عنها أمرا لصيقا بعوامل ذاتية نفسية واجتماعية وفكرية وثقافية فردية، إذ من المستحيل التعميم. إذن؛ فهو أمر نسبي، ويبقى هذا خيارا شخصيا وحرية ذاتية كل يراها بمنظوره الخاص. والشبكات الاجتماعية مثل الفيسبوك وغيره، ترصد تغييرا مهما في عوالم الكاتبات اللواتي ينسجن خيوط تميزهن، في خلق أرضية إبداعية صُلبة، ينطلقن منها للتحليق بجناحين من نور في فضاء الكتابة. ولأني لست نجمة لا في السينما ولا الرياضة إلخ..إلخ؛ لتكون خصوصياتي الذاتية ملكا مستباحا للجميع، فأنا أعترف بأن الحياة الشخصية للمبدع وأعماله الخاصة ملك له وحده، وله حرية إظهارها أو إضمارها، إلا إنتاجاته الأدبية طبعا.... لأن هذه الخصوصيات لن تفيد القارىء في شيء، لذا أتحكم فيها وأعي كل ملابستها، ولا دخل للمجتمع الذكوري في مراياه المتعددة، ولا للعقلية (التقية) الوهمية كما ذكرت بهذا الأمر. ومن يدري؛ فقد ترتدي نظريتي ثوبا مختلفا في زمن قد يأتي بتغيرات جديدة ترضيني... 6 أن أنشر نصا في الإنترنت ليس معناه أنه أدب رقمي، بالمفهوم الذي طرحته دراسات حول هذه الظاهرة الأدبية التي تجتاح العالم العربي، وتهدد الكتاب الورقي بالانقراض كما يقال !!، رغم تزايد النشر الورقي بشكل ملفت. فأنا لم أكتب لحد الآن نصا رقميا تتداخل فيه الصور والموسيقى وكل المؤثرات، لألمس بعمق تأثيره على جوهر النص. 7 إني أرى عكس ما طرحت، فهناك العديد من الكتاب والكاتبات يعتلين سلم الإنترنت كل حسب ثقافته ورغبته في معرفة ما يرغب فيه، وإن كان البعض من الجيل الذي لم يعاصر الثورة الرقمية في حينها، والذي لم يتعامل مع التكنولوجيا الحديثة هو من بقي حبيس الكتابة بالقلم والنشر الورقي فقط. فعندما نراسل الكثير من كتابنا ومبدعينا بخصوص عمل ما، يتعذر عليهم موافاتنا بموادهم عبر ساحة الإنترنت، وهكذا يفضلون البريد العادي، أو الفاكس، ويمزحون قائلين بأنهم لا يعرفون أي شيء عن وسيلة التواصل هذه. إذن؛ فإن الأمر يتعلق فقط بالذين ليست لهم رغبة في مواكبة الإنترنت، أما غيرهم فإني أراهم سائحين بشكل كلي في عوالمها. 8 إن صفحات الفيسبوك مائدة للاعترافات الشخصية، حيث يتناقل الأفراد تجاربهم، ويناقشون ما تمر به أوطانهم، هكذا تتعرى أشجار الحقائق أمام الكثيرين، وهذا ما خلق من شباب كل الأوطان النازفة، أبطالا يتحركون بشجاعة لقول كلمة الحق، والتحلي بثقافة عالية فرضت احترامهم، وجعلت منهم فرسانا لهذا الزمن الوضيع. نعم، كان الفيسبوك ثورة حقيقية لزلزلة أنظمة شاخت، والبحث عن قنديل جديد للحفر في كل دهاليز الحياة السياسية بحثا عن الديمقراطية لمناصرة كل المضطهدين. لذا أرفع قبعتي الأدبية تحية لكل الشجعان الذين وضعوا لبنات لتاريخ جديد. 9 صدر لي حديثا كتاب«رسائل ضوء و ماء»، وهو عبارة عن رسائل تنتمي لكل العاشقين، سأنشره في شكل حلقات على صفحات الإنترنت. لأن كل كتبي أقوم بنشرها ورقيا، لكن المقالات وبعض القصائد أتركها منسابة في جداولها. ولا أعرف حقا لمن سيكون السبق في النشر إن كانت مادة جديدة..هي مسألة مزاج لا أكثر.