في زحمة الحياة يأتي الموت ليفاجئنا و يعيدنا إلى حقيقتنا الوجودية الهشة.. وصلني خبر وفاة الصديق أحمد الزايدي وأنا راقد في فراشي بين النوم و الصحو..قال لي على الهاتف محمد السراج الضو أن عمر جاري اتصل به و قال له أن الزايدي مات.. لماذا لا نصدق أخبار الموت والرحيل حين تأتينا بغتة مفاجئة..؟ اتصلت بعمر فقال لي أن البروفيسور نجيب الوزاني هو من أتصل به ليبلغه الخبر لكنه غير متيقن هل مات في الحادثة أم لا.. عدت أتصل بالسراج بعد لحظات فأجابني بأن الخبر صحيح ولا حول لا قوة إلا بالله..وعزاؤنا واحد..صمتنا وقطعنا الخط..اتصلت بعبد الرحيم أريري وأحمد نجيم السباق في الأخبار السريعة.. أريري قال لي أن عبد الحميد جماهيري أكد له الخبر. وإنا لله و إنا إليه راجعون. كانت زوجتي وأبنائي يستعدون لكسكس غذاء.. الأحد هو اليوم الوحيد الذي نجتمع فيه على طاولة الغذاء..ظلت قصعة الكسكس كما وضعت على الطاولة ثم أعيدت لمكانها لم يمسسها واحد منا.. الموت يفقد لي شهية الأكل وشهية الحياة ..ويعيدني إلى حزن يسكنني ..أهرب منه ويلاحقني يركض خلفي في الكوابيس وفي اليقظة. الموت حقيقتنا الأولى و الأخيرة ولا حقيقة تعلو عليه .. كان أحمد الزايدي على موعد مع الصديق البروفيسور عبد الله عباسي في مستشفى ابن سينا يوم الثلاثاء..كان سيجري فحوصات على ساقه.. الطبيب الجراح عباسي قال لنا أنه حدد له موعدا لفحصه لكن القنطرة والماء والقدر والحياة كان فوق الجميع..قنطرة الموت الحقيرة كانت لها كلمتها الأخيرة ونزعت روحه في مشهد مؤلم قاس..كان يغرق وهو واع أنه يغرق و ينتظر الإغاثة والنجدة ولما وصل الذين وصلوا كان مول الأمانة قد أخذ أمانته و الروح قد زهقت زهقا.. الموت يحتاج إلى استعداد نفسي و ذهني لكي نقبله لكن حين يأتي في حادثة غير متوقعة نركن إلى هشاشتنا وضعفنا .نصمت ثم نقول كيف حصل هذا؟ ليس من عادتي أن أكتب عن الأموات وعن الذين رحلوا..أخر مرة كتبت فيها عن أصدقاء غادرونا كان بمناسبة وفاة عبد الفتاح الفاكهاني ..كتبت ما يشبه الرثاء ومرضت ..الموت يغلبني وأبدو أمامه مثل ريشة في مهب الريح..أبدو أمامه حشرة صغيرة..الموت حقيقتنا التي ترعبنا وتفزعنا ونخافها ونخجل منها ولا نسميها باسماءها الحقيقية.. كنت أفكر في كتابة كرونيك عن ما شاهدته ليلة أول أمس في قناة تلفزيون..استيقظت بعد ساعة من النوم في حالة أرق ..ما العمل لقطع باقي أشواط الليل ؟ لا شي يغري ماعدا التلفزيون والصور التي تفعل فعل المخدر.. كان حلقة وثائقية تجيب عن سؤال واحد هو ..ما الذي يخيفك في الدنيا؟؟ كان المجيبون رجالا ونساء من كل جهات الكون ومن كل الأعمار و من مختلف المستويات .. كانت الأجوبة تشبه ديوان الوجود .. يظهر الشخص في لقطة مكبرة ويجيب ويتبعه الثاني والثالث والعاشر وغيرهم من أمريكا وأفريقيا و العالم أجمع.. هناك من قال أنه يخاف من الوحدة ..هناك من يخاف من البركان و الزلازل .ثالث قال أنه يخاف من الجوقة والحشود ..أخرى قالت أنها لا تخف أي شيء بعد أن فقدت إبنها.. مجيب قال أنه يخاف من الهولوكوست وآخر من الأفاعي وسيدة تخاف من الموت وأخرى تخاف أن يتزوج أبنها امرأة متسلطة ورجل قال أنه يخاف من فقدان عمله وآخر يخاف أن يعود أبناءه للدار من المدرسة ولا يجدون ما يأكلون.. سيدة قالت أنها تخاف فقدان الذاكرة وأخرى تخاف من الليل والظلام وأخرى من الجن وأخرى من زوج يضربها ورجل يخاف من أن لا يكون الله موجودا.. جواب كطلقة رصاص قال أنه يخشى أن يعيش فيما رحل الآخرون الذين تعرفهم و تبقى وحدك .. أنا أخاف من التلفون ..لي قلق دائم من أن أسمع خبرا سيئا ..أن تولد قلقا ليس من مسؤولياتك .. أمس وصلني خبر زعزعني : صديقنا أحمد الزايدي مات.. شكون يثق فيك يا دنيا؟ قلوبنا حزينة . عليك الرحمة والرضوان أخي .