كانت الساعة تشير إلى الثالثة بعد الزوال، عندما بدأت خيوط الهواتف تتحرك في كل الاتجاه والسؤال الوحيد الرائج: "هل مات فعلا الزايدي؟!". كل الذين حملوا هذا السؤال ظنوا في البداية أن الأمر يتعلق بإشاعة جديدة، مثل الإشاعة التي راجت قبل حوالي ثلاثة أشهر والتي أدخلت غريمه السياسي إدريس لشكر هو الآخر إلى دائرة الأموات، ليتضح فيما بعد أن الأمر مجرد إشاعة. إلى جانب الإعلاميين والمهتمين بشؤون الحياة السياسية، لم يصدق رفاق احمد الزايدي هم أيضا خبر وفاته، يقول مقرب منه "اعتقدنا في البداية أن الأمر إشاعة صادرة عن أتباع لشكر، وليتها كانت كذلك!". فقبل أربعة أيام فقط، كان الزايدي ماضيا في مسيرته النضالية، حيث اجتمع يوم الأربعاء الماضي مع عبد الرحمن اليوسفي، الكاتب الأول السابق للحزب والوزير الأول في حكومة التناوب، من اجل تدارس وضعية الحزب، حيث كان الزايدي يتزعم تيار الانفتاح والديمقراطية المناهض للكاتب الأول إدريس لشكر. كانت الدقائق تمر..وصار الخبر ينتشر كقطرة زيت فوق قماش ابيض. بعد حوالي نصف ساعة اتصل اليوم 24 بالبرلماني الاتحادي حسن طارق، رفيق الزايدي. لم يكن حسن طارق ساعتها توصل بالخبر اليقين، فكان رده "مادام الخبر وصلكم أكيد أن هناك شيء ما..حتى أنا سمعت انه تعرض لحادثة، لكن لا معطيات مدققة لدي حتى الآن". بدا حسن طارق من نبرة صوته متوقعا الأسوأ، خصوصا وان هاتف الزايدي صار خارج التغطية، والحديث عن وفاته بدا يتداول على نطاق واسع، بعدما كان الخبر الأول الذي راج هو تعرضه لحادثة سير وان حالته خطيرة. أما احمد رضا الشامي، فانهار لحظة اتصال اليوم 24 به دون أن ينبس بكلمة، ثم أقفل الخط…لقد وصلت الرسالة، وخبر وفاة أحمد الزايدي، لم يعد مجرد إشاعة، بل صار خبرا يقينا.
هكذا طلب الزايدي النجدة لحظة غرق سيارته بعد تأكد خبر وفاته، لم بدأ رفاق الزايدي والمقربون منه، يستفسرون عن مكان الحادث. وكانت الوجهة قنطرة واد الشراط، حيث هلك الراحل. وتحول مكان الحادث إلى قبلة من الناس، ضمنهم عائلة الراحل، لكن جثة الزايدي كانت انتشلت وتم نقلها إلى المستشفى الجهوي، وسط جماهير من سكان المنطقة الذين حجوا بكثافة إلى مكان الحادث. "الزايدي مات بسبب حادث سير، بل غرقا في واد الشراط". لم يكن ساعتها سبب الوفاة قد حسم بالضبط، وصارت الأنباء تتضارب حول سبب الوفاة المفاجئة، ليتأكد بعد حوالس ساعة أن الزايدي مات غرقا في وادي الشراط، بينما كان يهم بالعبور نحو بيته ببوزنيقة. ويقول مصدر مقرب من الزايدي "سمعنا أنه غرق، خاصة وأنه تحدث في الهاتف لأحد مقربيه، وهو نائب جماعة بوزنيقة، وأخبره بأنه يغرق وأنه تحت القنطرة، غير أنه لم يحدد أي قنطرة". ويضيف "صار نائب الجماعة يجوب منطقة بوزنيقة طولا وعرضا بحثا عن الزايدي، خاصة وأن منطقة بوزنيقة بها ثلاث قناطر، توجه إلى الأولى والثانية، ثم الثالثة، وهناك عثر على الزايدي..لكن بعد فوات الأوان". حاولت "اليوم 24″ أن تستفسر نائب رئيس جماعة بوزنيقة عن تفاصيل آخر اللحظات من عمر الزايدي، لكن الأخير تحفظ وامتنع عن الكلام، مشيرا في اتصال مع اليوم 24 إلى أنه "مازال تحت وقع الصدمة ولا يقو على الكلام"… الزايدي طلب النجدة قبل غرقته، لكن ذلك كان متأخرا، بحيث لم يصل رفاقه إلى بعد فوات الاوان. ويقول شهود عيان، ممن حضروا لحظة انتشال جثة الزايدي، إن "الأخير مات غارقا، وعثر عليه داخل سيارته"، مضيفين "أنه حاول تخليص نفسه بحيث حاول تكسير زجاج السيارة لكنه فشل في ذلك". وحسب روايات متطابقة، فإن "الزايدي اعتاد على العبور من قنطرة وادي الشراط للوصول إلى بيته، لكنه يوم أمس لم ينتبه بأن منسوب مياه الواد ارتفع بسبب الأمطار الأخيرة، وعندما هم بالعبور بدأت سيارته تغرق، حيث توقف محركها وأقفلت نوافذها، مما صعب عليه مهمة طلب النجدة، وكان سلاحه الوحيد هو هاتفه، حيث اتصل بنائب رئيس الجماعة وأخبره بأنه يغرق".
مستشفى بوزنيقة…"المزار الأول لرفاق الزايدي يوم أمس" بعد اتصالات عديدة، حضر رجال الوقاية المدنية والدرك إلى مكان الحادث، وتم انتشال جثة الزايدي، بمساعدة سكان المنطقة، ليتم نقلها إلى المستشفى الجهوي ببوزنيقة، وسط ذهول كل الحاضرين. وعاش مستشفى ببوزنيقة يوم أمس حالة استنفار كبيرة، وحج العشرات من الاتحاديين الى المستشفى حيث يوجد جثمان الراحل احمد الزايدي. وحسب مصادر من عين المكان، فان رفاق الزايدي، خاصة من تيار الانفتاح والديمقراطية الذي كان يتزعمه الراحل كانوا أول الملتحقين بالمستشفى، إلى جانب عدد من النواب البرلمانيين وأعضاء من المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. وبقيت جثة الزايدي لساعات قليلة بالمستشفى، حيث تقرر نقلها إلى بيته ببوزنيقة، وسط جماهير من أبناء المنطقة الذي بكوا منتخب منطقتهم بحرقة.
وفاة الزايدي تجمع القيادات التاريخية للاتحاد بعد مرور ساعات، تحول بيت الزايدي إلى قبلة لمختلف الشخصيات السياسية والجمعوية والنقابية. وجمعت وفاة البرلماني احمد الزايدي القيادات التاريخية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تحت سقف واحد ببيته ببوزنيقة، بعيدا عن كل الخلافات السياسية التي اشتعلت نيرانها داخل البيت الاتحادي منذ فترة. وبعد طول غياب، ظهر الكاتب الاول السابق للاتحاد الاشتراكي وقائد تجربة التناوب عبد الرحمن اليوسفي، الى جانب عمدة الرباط فتح الله ولعو، والطيب منشد، احد القادة البارزين في الاتحاد، حيث حلوا، قبل قليل ببيت الزايدي ببوزنيقة، والذي تحول الى قبلة للمعوزين من مختلف المشارب السياسية. وبدت معالم الصدمة على وجوه الحاضرين الذين لم يقو معظمهم على التعليق على الحادث المؤلم. وامتزجت الصدمة بالدموع لدى مختلف الحاضرين، ضمنهم برلمانيات العدالة والتنمية اللواتي التحقن بقوافل المعزين.
لشكر معزيا نجل الزايدي: "اللي دوزناه ما ساهلش راكم خوت وكتختالفوا" ادريس لشكر، الكاتب الاول للاتحاد الاشتراكي التحق بدوره ببيت احمد الزايدي الذي وافته المنية بعد ظهر أمس الأحد بعدما غرق في وادي الشراط. وكان لشكر الذي قدم رفقة عدد من الاتحاديين لتقديم التعازي في وفاة معارضه الأول داخل الحزب. وقبل أن يصل لشكر لبيت الزايدي، كان نعى غريمه السياسي عبر بلاغ نشرته وكالة المغرب العربي للأنباء. وبدا لشكر محرجا لحظة لقائه بنجل الزايدي، حيث خاطبه قائلا "اللي دوزناه ماشي قليل وما ساهلش وراكوم خوت وكتختالفو". وانضم لشكر لمئات الأشخاص الذين حضروا لبيت الزايدي ببوزنيقة لتقديم التعازي، ضمنهم القيادات التاريخية للاتحاد ووزراء سابقون وحاليون، الى جانب مواطنين بسطاء حضروا بكثافة لتقديم التعازي في مشهد مؤثر للغاية.