ينتمي هذا الكتاب سيدي القارئ، سيدتي القارئة، إلى خانة الأحلام الإبداعية المؤجلة، ولورود الحياة التي نمت مع تتالي سنوات الدراسة في المعهد العالي للإعلام والاتصال، في المدينة الجامعية في الرباط، الشهيرة تحت اسم مدينة العرفان، والكتاب من نتاج مخاض التحول من تلميذ للعلوم التجريبية، في ثانوية الرازي، في مدينة طنجة، إلى طالب يدرس الإعلام في العاصمة، إلى صحافي مهني ممارس يبحث عن طريق الاستمرارية، فالعراقيل كبرت لتصبح أشجارا من أشواك تترك الشمس تدخل إلى جوانب الروح التي قاومت رياح آتيات من كل المشككين في القدرة على رسم الحلم، على جدار الحقيقة في المستقبل، وللتوضيح التاريخي فقط، ف "زمن العرفان" بعيد عن الانتقام عبر النص ولكنه التوثيق التأريخي لما كان سابقا وترك تداعيات من خيوط تصل للمستقبل. مدينة العرفان هي الحي الجامعي الكبير في العاصمة الرباط، والذي تتناثر بين جنباته درر المؤسسات التعليمية العليا الحكومية والمجانية في المغرب، والتي يقصدها المغاربة من كل جهات المملكة، لكي يتفاخروا بأنهم خريجي إحدى مدارس العرفان العليا والمجانية، وبدوري قررت في العام المسمى في حياة كل تلميذ، بالباكالوريا في الموسم الدراسي 1999 2000، قررت أن أهجر مدينتي العروس، المسماة طنجة، جامعا ما تيسر لي من هموم، وقاصدا الرباط، في بحث عن موطأ قدم للبحث عن أول الطريق للمستقبل.
وفي الرباط، قضيت 4 سنوات من العمر، في الدرس ما بين أقسام باردة ودون مكيفات، لمؤسسة التكوين الصحافية الوحيدة العمومية والمجانية المفتوحة ل "أولاد الشعب"، من غير القادرين على تأمين الدراسة غير المجانية، 4 أعوام من البحث عن خيوط تعلم مهنة الصحافة، والملقبة بصاحبة الجلالة، وهي الجميلة التي سمعت عنها الكثير، قبل الحضور للرباط.
وفي هذا السفر عبر "زمن العرفان"، معالم من الحياة الجانبية للطالب الصحافي، خارج صفوف الدراسة، ما بين المركب الجامعي وما بين الأحياء الجامعية وما بين بعض من مقاهي الرباط، ولقاءات ليل العاصمة، من قصص من عالم "الأحلام المجنحة" التي ترفرف كل يوم، مبشرة أو منذرة بذلك الغد القادم الوردي اللون، لتأتي صدمات على شكل جرعات من الواقع المعيشي اليومي ليتختلط الأمل بالإسفلت ويبدأ الاحتكاك على بساط الحياة، ففي الوقت الذي كان صف الدراسة يهلل للصحافي القادم، كان الواقع يزيد من ارتفاع السور الواجب تخطيه، قبل الحصول على أول اعتراف بالانضمام إلى المهنة.
فقبل أن أكون صحافيا، حلمت بأن أكون صحافيا، وقررت في السنة الختامية من الدراسة الثانوية، أن أغير مسار التحصيل العلمي، من التوجه العلمي، وفق التصنيفات التقليدية، إلى الأدبي، في تخصص لم يكن أترابي في الثانوية يؤمنون به لا من قريب ولا من بعيد، فلما ذكرت اسم المعهد العالي للصحافة في الرباط، استغرب كثير من رفاق المرحلة التلامذية، ميولاتي المستقبلية، واستهجنوا الفائدة من كل التحصيل العلمي إذا المقصد المقبل أدبيا الانتماء، فكانت إجابتي بأن الحياة خيارات.
فمرحبا بكم أيها المسافرون، أيتها المسافرات، عبر صفحات هذا الكتاب، والرجاء الشديد أن تربطوا جيدا أحزمة السلامة، لتجنب أي اضطرابات في الأجواء العليا، فعبر هذه الصفحات تتعرفون على صورة مقربة من المعيش اليومي لما يسمى بالطالب الصحافي المغربي، خلال العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين، مع الشكر المسبق لك سيدي القارئ، وسيدتي القارئة، فالأحلام دائما تحلق عاليا جدا لتقترب ربما من القمر أو ربما من الشمس، كل واحد وزاوية نظره الخاصة.