عقارب الساعة تشير إلى العاشرة وخمسون دقيقة ليلا، دقائق معدودة ويغلق باب الحي الجامعي السويسي الثاني الخاص بالطالبات بمدينة العرفان، تتوجه "نهيلة" نحو باب الحي بخطى مسرعة رغم ارتدائها كعبا عاليا يعرقل خطواتها، تخرج هاتفها وتجيب بصوت دافئ يردد صداه صمت ليلة مقمرة «بلييز جوج دقايق ونكون حداك غير تسنى». تصل "نهيلة" إلى باب الحي، يقفل هذا الأخير، وتركب هي سيارة سوداء مركونة بساحة الحي لتنطلق مع خليلها لهذه الليلة. "نهيلة" الطالبة بشعبة علم النفس بكلية الآداب والعلوم الانسانية السويسي ، واحدة من بين حوالي 2400 طالبة قصدن الحي الجامعي السويسي، لإتمام دراستهن الجامعية، وواحدة كذلك من بين أخريات اخترن قبل الحصول على شواهدهن، ولوج أقدم مهنة على مر العصور وأصبحن داعرات.تتعدد الأسباب وراء اختيارهن لهذا الطريقلكن الهدف يظل وحيدا ووحيدا، ألا وهو جني المال مقابل الجسد. دجاجة بكامونها طوابير من السيارت من أفخم الماركات وأخرى على قد الحال، تخيط ببطء شارع مدينة العرفان ذهابا وإيابا، وأخرى مركونة بجانب المركب التجاري " الكمبوس " موسيقى صاخبة كلمات، غزل تتقاذف من النوافذ... هو منظر يتكرر كلما حل المساء بمدينة العرفان الجامعية. "خارجة ندبر على راسي يسهل الله بشي دجاجة بكا مونها باش ندوز هاد الصيمانة " تقول "كوثر" وهي تمسك حقيبتها وتقف بمحاذات الشارع في انتظار " رفيق " جديد تقضي معه الليلة في أحد المطاعم الفاخرة أو ملهى ليلي بعيدا عن اجواء العرفان المملة. منظر أصبح جد معتاد في مدينة العرفان، بعض الطالبات يستسلمن للإغراءات سواء تعلق الأمر بالمال أو الهدايا، واخريات يطمحن للحصول على قدرا من المال يؤهلها للتبضع ... للظهور في أبهى حلة له أو لغيره ممن يتلذذون بتغيير الحضن كل ليلة. "يجيب الله يجيب الله، الرزق ما مقطوعش" تقول "زينب "وهي في ابهى ما تكون علية الفتاة من زينة و "تسريحة" شعر متقنة، منتظرة اول زبون "يدق عليها" لتبدأ فصول ليلة حمراء في فيلا فاخرة او فندق ما بالعاصمة. وكالة للرقيق الأبيض رواد المكان الجدد، من الباحثين عن تلبية رغباتهم الجنسية، يستعينون بالوسيطة أو بالأحرى "مولات الضيطاي" كما يلقبها الطلبة بمدينة العرفان، "دوّر مع ديك لمرا اللي كاتبيع الضيطاي - الباطرونا - غادي تدبر عليك بهمزة والنمرة ديال التيلفون" يقول "علاء" أحد الطلبة بمدينة العرفان." فوزية" امرأة في العقد الرابع من عمرها، لا تكف عن الصراخ و العويل كأنها تعلن للمارة عن وجودها، لا تفارق صندوقها الخشبي الذي تناثرت عليه بعض علب السجائر إلا لتعود إليه او لتترك الدور لزوجها ليقوم بالمناوبة، صندوق أشبه ما يكون بمكتب بإحدى الوكالات التي تقترح خدماتها المتعددة، فالصفقات التي تتم فوقه للمتاجرة ب"الرقيق الأبيض " ليست بالمحدودة ولا يعلمها إلا من كان زبونها المخلص. "ها علاش كنخرج بالليل للرصيف" أفعل هذا من أجل المتعة فقط ” تقول " لمياء" طالبة بكلية علوم التربية، وهي تروي قصتها بحماس، لكن هذا الحماس لا يخفي التصنع الزائد في كلامها، إذ تعتبر بأن تجربتها "فريدة" و بأنها ليست كغيرها،كما تشمئز من أن توصف ب "العاهرة" فهي تعتبر خروجها مع رجال يكبرونها سنا ولا تعرفهم موضة من ضروريات العصر الحديث، وجزءا من الحرية الشخصية التي يجب أن تنعم بها المرأة. تتساءل صاحبتنا " علاش الرجال عندهم الحق اينعسوا مع بزاف د البنات و ديما حنا العادات و التقاليد البائدة كتلزمنا نحافظوا على العذرية ودارتها رمز للشرف" وتضيف وقد علت تقاسيم وجهها علامات الغضب خلال سؤالها حول ان كان البحث عن المال وراء خروجها للرصيف " انا ماكتهمننيش لفلوس، مامحتاجاش ليها أصلا، أنا بغيت غير نعرف القدرة ديالي على الاثارة وجذب اللي تيحسبو فراسهوم عايقين، الغرض ديالي هو المتعة والاغواء". يرن هاتفها فتبتعد قلايلا لتجيب، تعود بعد قليل لتعتذر بأنه عليها أن تنصرف لأن " واحد الفيكتيم جابو الله بغاها هاد الليلة " . "أسماء"وافدة جديدة على هذا العالم الموحش، تؤكد أنه كان عليها أن تعيش على المنحة الدراسية التي لم تكن تكفيها حتى لشراء المراجع الدراسية، ناهيك عن الملابس وغير ذلك، كما انها غير مستعدة لتضييع جزء من حياتها مع شاب يبني قصورا من الرمال، في حين أن هناك عشرات الرجال ينتظرونها على ناصية الطريق،و بإمكانهم توفير كلما تحتاج إليه. "صافي عيينا بالفقر والحب مابقاش...ولات حاجة سميتها الفلوس" تقول بشرى بنبرة تخالطها كراهية ناقمة على ماض فات. أسماء، نهيلة، سناء، كوثر...وغيرهم، طالبات كثيرات من بنات حواء اضطرتهن قلة يد العون والحاجة وصعوبة الظروف المادية لاحتراف هذه المهنة فتوحدن في السلوك والتفكير، وصار الهدف الأسمى الحصول على المال. بل ومنهن من أصبحت تساعد أسرتها ماديا كما توضح "حنان" التي تفتخر بأنها لا تتوانى عن شراء كل ما تحتاجه أختها التي تصغرها بسنتين. إلا أن هناك من وجدت نفسها داخل هذا الميدان من دون نية مسبقة كما هو حال "بشرى" ذات العشرين سنة والتي تتابع دراسته في السنة الاولى بشعبة الاقتصاد حيث تقول إن الحياة في مدينة كبيرة كالرباط تجعل الحياة جد صعبة خاصة وان صرف المنحة يتأخر كثيرا ولا تكفي لسد حاجياتي المتزايدة، كما أن ما يرسله لي ابي " كنكافى بيه غير مع الماكلة والطزبيس" لقد حول البحث عن المال و اشباع النزوات الذي يستغل حاجة الطالبات، مدينة العرفان الى ما يشبه ماخورا كبيرا، فليس غريبا أن تجد سيارة مركونة بإحدى شوارع المدينة فضل صاحبها ان يقضي نزوته بها، لتتحول بذلك بعض طالبات مدينة العرفان اللائي جئنا من كل حدب وصوب من أجل الدراسة و التحصيل، وحلمهن ان يأتي يوم يصرن فيه سيدات للمجتمع الى عاهرات يعرضن أجسادهن على "رصيف العشاق" ، منهن من تبيع نفسها و هي مقتنعة بأنها تفعل ذلك من أجل حلمها و منهن من ترتمي في أحضان الدعارة و في قرارة نفسها إيمان بأنها حققت مبتغاها، وأنها بالأموال التي تجنيها و السيارات الفارهة التي تأخذها في جولات إلى أفخم فنادق العاصمة قد أصبحت بمنزلة سيدة للمجتمع، و بين هذه و تلك تستمر أقدم مهنة في كتابة سيرة العديد من الطالبات المغربيات.