سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كيف حارب المغرب التطرف الديني و انتصر في حرب الحضارات: كاتبة أمريكية تنصح أوباما بالاقتداء بتجربة المغرب والاطلاع على أفكار أحمد العبادي في محاربة التطرف الديني
على مائدة الغذاء في الرباط جالستٌ السيد أحمد العبادي ، وهو رجل يشبه كثيرا رئيس المحكمة العليا أنتوان سكاليا، فوجئت بانجليزيته الراقية، و باطلاعه المثير ليس فقط في ميدان اشتغاله أي الدراسات الإسلامية بل في كل ما يخص الديانات الأخرى بما فيها أعمال مارتن بوبر المفكر و الفيلسوف اليهودي المعاصر أب تحديث الديانة اليهودية. يشغل العبادي رئاسة الرابطة المحمدية للعلماء وهي مؤسسة مكلفة بتدريب الفقهاء المسلمين و تسيير المؤسسات الدينية الرسمية كما يجيب عن الفتاوي التي يطرحها المواطنون العاديون و قد ينظم محاضرات ولكن الأهم تدريبها الفقهاء من المغرب و العالم.
في إطار شرحه للتاريخ الفريد للمغرب و مذهبه الاسلامي ، وضح العبادي بصرامة أن التصور الغربي للتطرف الديني و التشدد بعيد كل البعد عن ما يؤمن به الشعب المغربي الذي هو شعب مؤمن و يطبق تعاليم الدين لكن لا يعتبر بالضرورة الإسلام "أثوقراطية " ولا كدين تجاوزته الحياة العصرية.
بُعد المغرب عن القوى الاسلامية مثل المملكة العربية السعودية كان جغرافيا و ثقافيا أيضا ولقرون انصهر النص الديني المقدس مع المعطى التاريخي و ذلك ليس تحولا عصريا بل رؤية فكرية تاريخية متجذرة بعيدة بملايين السنوات الضوئية عن الوهابية. يقول العبادي أن الإسلام ليس بالضرورة غضبا مستمرا ، تحريما و منعا، ولا يمانع العبادي في ينور الشباب دينيا باستعمال الموسيقى و الرسوم المتحركة، إنه شخص رائع.
يتمتع المغرب أيضا بالملكية التي هي مؤسسة دينية بحيث أن الملك أمير للمؤمنين، إن رأى الملك أن النص المقدس يعطي للنساء حقوق مواطنة كلية فذلك يصبح اجتهادا دينيا و نصا قانونيا. كما يتحكم الملك في الفتاوي بحيث ان الفقهاء العاديين لا يملكون هذا الحق كما هو جاري به العمل في الدول المشرقية، لا توجد نخبة اسلامية – شيوخ- في المغرب، بل شعب متدين وإيمانه منفصل عن العنف الثيوقراطي.
لم تبدو لي هذه المعطيات مهمة أكثر من أن تكون على هامش بحث في الدراسات الدينية المقارنة؟ لأننا بصدد دولة مسلمة و مؤسسة إسلامية- الرابطة المحمدية للعلماء- تفهم ما لم يفهمه الرئيس أوباما: لكي تحارب الجهاديين عليك أن تعرف الأسس الثيوقراطية لفكرهم و تضعفه، بينما يظن الرئيس أوباما أن الحرب على الإرهاب هي حرب على التطرف، أي تظرف؟ تطرف النباتيين؟ هو يؤمن بأنه بصدد مواجهة جماعة سرية كالقاعدة و ليس ظاهرة كبيرة تتعلق بالأصولية الإسلامية. لقد أنهى أوباما الحرب على الارهاب بترك أرض المعركة ببساطة، ولم يكن بحاجة إلى خلخلة الاسس الثقافية ولا الفكرية للأصولية و النتيجة كانت أمرين: أولا ترك معركة الفكر للجهادين و الثانية احتقار و تبخيس عمل أشخاص كعمل أحمد العبادي، الذي يهدف إلى أن يفهم المسلمون و غير المسلميين الفرق بين الجهاديين و الملتزمين بدينهم المسالمين كالشعب المغربي.
يفضل الرئيس إنكار حقيقة أننا في خضم حرب حضارات بينما العبادي لا يملك ذلك الخيار، لأن المغرب يرى موجات من التطرف الديني تجتاح العالم الاسلامي و شمال ايفريقيا، و العبادي لا يقود جيوشا ولكنه يقاوم الأفكار الجهادية بشكل لم تستطع فعله الولاياتالمتحدة، لقد دربت مؤسسته ألف إمام من المغرب و العالم، و المغاربة لا يحبون أن يرى عملهم كأنه تقديم الدروس لجيرانهم لكنهم في الحقيقة يفعلون ذلك.
لايجب أن نرى كل هذا كدليل على أن المغرب دولة علمانية أو ليبرالية، الدستور يعترف بالطائفة اليهودية ولكن المغرب تبقى دولة إسلامية حيث يتم احترام صوم رمضان بصرامة رغم أنه سيكون هذا العام في الصيف الساحن جدا . باختصار هذه ليست دولة علماينة تفصل المسجد عن الدولة ولكنها تمثل إسلاما مختلفا و علاقة مختلفة بين الدولة و المسجد بشكل فريد في العالم كله. يهم أمريكا أمر نجاح المغرب سياسيا ، و رغم أن إدارة أوباما تنكر ذلك فلنا عدو مشترك معه وهو الإسلام الراديكالي.