حضر الباحث والأكاديمي الفرنسي جون بيير فيليو إلى المغرب، في إطار دعوة من المعهد الفرنسي بالرباط، لتقديم كتابه الصادر سنة 2008 ، والذي يحمل عنوان «القيامة في الإسلام». وكان للباحث موعد مع الصحافيين والعموم لمناقشة مضامين الكتاب وقضايا أخرى تهم بالخصوص العالم العربي الإسلامي. «المساء» التقت الباحث على هامش حضوره هذا وأجرت معه الحوار التالي. - بداية، ما هو مضمون كتابك، «القيامة في الإسلام»؟ هلا توسعت في تفسير مفهوم القيامة في الإسلام كما جاء في كتابك؟ < في إطار عملي الأكاديمي، اشتغلت على عدة مواضيع، منها القضية الفلسطينية، مثلا، والجهاد. إلا أنني في السنوات الأخيرة تأثرت بشكل عميق بالظهور القوي للأدب المتعلق بمفهوم «آخر الزمان» وبالمؤلفين الذين تناولوا الموضوع. أردت، إذن، أن أتعمق في هذا الموضوع فقمت بدراسة تاريخية؛ وهو ما جعل الكتاب يفوز بالجائزة الكبرى خلال تظاهرة «مواعد التاريخ» (بلوا، فرنسا) الأخيرة خلال شهر أكتوبر الماضي. ولم يكن الأمر صدفة، بل كان مكافأة للكتاب على عمقه الأكاديمي. - ارتباطا بنفس الموضوع، هل يوجد المفهوم في المسيحية بنفس درجة الوجود في الإسلام؟ < نعم، بل إنه يتواجد في المسيحية بشكل أكبر وأعمق مما هو عليه في الإسلام، لاسيما عند الحركة الأصولية المسيحية في الولاياتالمتحدة. ويتجسد ذلك، خاصة، من خلال العديد من الأدبيات القيامية القائمة بذاتها. بل إن الرئيس الامريكي الأسبق، رونالد ريغن، أشار، عدة مرات، في خطاباته إلى هذا البعد الديني، وإلى ياجوج ومأجوج حين حديثه عن الاتحاد السوفياتي والصين إبان الحرب الباردة. الرئيس الامريكي، إذن، لجأ إلى خطاب قيامي للحديث عن المواجهة السياسية بين أمريكا والمعسكر الشرقي. - جورج بوش كان دائما يستحضر الأفكار المسيحية التي تلامس الأصولية في خطاباته. كما أن المحافظين الجدد، الذين كانوا يحكمون معه من وراء حجاب، لهم قناعات دينية أصولية. هل يمكن القول إن القناعة الأصولية حاضرة دائما في الفكر السياسي الأمريكي؟ < صحيح، لذلك لا ينبغي أن نقلل من أهمية هذا البعد الديني. فالمحافظون الجدد يشكلون تيارا دينيا عميقا، يؤمن بحقيقة الدجال (المنافية لبقاء المسيح)، التي تحيل على الشر. وهنالك دعاة يمثلون هذا الاتجاه، الذين لهم تأثير في القرارات السياسية المهمة، والذين سبق لهم أن التقوا الرئيس بوش. إلا أن الأخير لم يذهب بعيدا في حديثه عن القناعات الدينية في خطاباته كما فعل الرئيس ريغن. - نعود إلى الأحداث القريبة منا الآن، خاصة تنصيب الرئيس باراك أوباما الملون على رأس الإدارة الأمريكية. هل تعتقد أن الرئيس الجديد سيختلف، حقا، عن سلفه وجميع السابقين له؟ < أوباما بين خلال ثلاثة أيام فقط أن له سياسة تختلف كليا عن سياسة سلفه. وقد برز هذا الأمر على ثلاثة مستويات. أولها أنه وضع حدا للحرب الشاملة ضد الإرهاب، معتبرا أن لا جدوى من شن حرب لا يمكن كسبها، أي الحرب على القاعدة. ثانيها أنه أمر ببدء إجراءات إغلاق معتقل غوانتنامو ومنع التعذيب؛ أي أنه يجب على أمريكا أن تحترم مبادىء حقوق الإنسان والقواعد المتعارف عليها مهما كانت طبيعة الحرب التي تخوضها ومهما كان العدو. المستوى الثالث يتعلق بإقدامه على تعيين مبعوث خاص بالشرق الأوسط، وبتقديمه تصريحا في زحمة الأحداث مضمونه أنه سيبذل قصارى جهده لحل الخلاف الإسرائيلي الفلسطيني على قاعدة مرحلتين. وهنا لابد من التذكير بأن بوش لم ينكب على هذا الملف إلا بعد مرور قرابة ست سنوات على تنصيبه رئيسا لأمريكا. اعتمادا على هذه المعطيات الثلاثة حول الحرب على الإرهاب ومعتقل غونتنامو والخلاف الفلسطيني الإسرائيلي يمكن القول إن ثمة مؤشرات قوية أبداها خلال 3 أيام تنبىء بأن سياسة أوباما ستكون مختلفة عن سلفه. - وماذا عن إسرائيل؟ هل تعتقد أنها ستتبع نفس سياسة اللامبالاة بالقرارات الدولية وأنها ستستمر في تعنتها حتى تجاه أمريكا الرئيس أوباما؟ < أوباما حرص، مباشرة بعد تنصيبه، على التوجه إلى كل من الوزير الأول الإسرائيلي ورئيس السلطة الفلسطينية. وهو ما معناه أن أوباما وضع الاثنين على كفة واحدة دونما تمييز للأول عن الثاني. وهذا في حد ذاته أمر مهم، لاسيما أن بوش لم يسبق أن فعل ما فعله أوباما على مستوى التعامل مع الإسرائيليين والفلسطينيين. - في إحدى كتاباتك السابقة قلت إن الولاياتالمتحدة مسكونة حد الرهبة بمفهوم الخلافة الإسلامية. هل من توضيح لمدى تأثر أمريكا بالمفاهيم الدينية الإسلامية؟ < نعم، خلال الحرب الشاملة على الإرهاب التي شنها النظام الأمريكي السابق على عهد بوش كانت هناك رغبة في العمل على تنصيب عدو عالمي كوني كما كان الشأن في عهد الحرب الباردة والعدو الشيوعي الدولي. العدو، إذن، كان هو تنظيم القاعدة، إلا أن مفهوم الخلافة عند الأمريكيين لم يكن مفهوما بشكل جيد؛ وهو ما فسح المجال أمام تنامي الاستيهامات والاجتهادات والإدراكات غير الصحيحة والخطابات الحربية، وذلك في ظل الاعتقاد بأن هنالك عدوا لأمريكا في الطريق إلى الاستقواء. فظهر كثيرون يعبئون لمواجهة الإسلام... - في حديثك عن القاعدة، دائما، سبق أن قلت إنها صارت في وضع الدفاع عن نفسها اليوم. هل مازلت على قولك؟ ماذا تعني بذلك؟ < نعم، القاعدة مازالت، دائما، في وضع الدفاع عن نفسها ومواقفها. أي إنها في موقف ضعيف وصعب. فقد فقدت معاقلها الأساسية في العراق والعربية السعودية، فاتجهت إلى محاولة إعادة التمركز في مناطق بعيدة أخرى على الحدود الباكستانية والأفغانية. القاعدة الآن في حاجة إلى هالة إعلامية جديدة من شأنها أن تعيد لها بعض الظهور. وهو ما يفسر خروج زعمائها، بين الفينة والأخرى، بتصريحات حول الوضع في غزة أو حول مواضيع أخرى، وهي التصريحات التي تريد أن تقول إن القاعدة مازالت هنا بينما الحقيقة أنها لم تعد تحظى بنفس الوزن الذي كان لها من قبل. - في علاقة بالخلاف الإسرائيلي العربي والحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على غزة وتداعيات ذلك على الساحة الداخلية في فرنسا. هل يمكن القول إن الشارع الفرنسي شهد انتقال عدوى العداء بين اليهود والمسلمين؟ < فرنسا لم تشهد مواجهات بين المسلمين واليهود على خلفية الأحداث في غزة بقدر ما كان هنالك ارتداد عاطفي كبير والكثير من الحذر، كما أن لقاءات واتصالات جرت بين المسؤولين عن المجموعتين اليهودية والمسلمة؛ فضلا عن نداءات ضبط النفس والهدوء التي أطلقتها السلطات العمومية والمنتخبون المحليون الذي قاموا بمبادرات من أجل تسهيل الاتصال بين المجموعتين بعيدا عن العنف. أعتقد أن حرب غزة انتهت دون أن تثير مواجهات بين المجموعتين، رغم ما أثارته من مواقف عاطفية قوية. - ما موقفك من الفكرة الأمريكية (المحافظون الجدد) التي تنبني على الاعتقاد بأن إسرائيل هي منطلق الديمقراطية في الشرق الأوسط، وأن عدوى الديمقراطية ستنتقل تلقائيا إلى جيرانها العرب؟ < هذه النظرة الإيديولوجية هي أيضا النظرة التي برزت مع انهيار نظام صدام حسين، وهو ما معناه أن الديمقراطية يجب أن تنتقل إلى بقية بلدان المنطقة. لكننا رأينا أن لا شيء من هذا حدث. وعليه، فالأمر يتعلق بإيديولوجيات ونظريات غالبا ما تكذبها الحقيقة. إلا أنه للأسف، ما تزال هذه النظريات تجد لها الترويج في عالمنا. - من خلال تتبعك لأحداث غزة والحرب التي شنتها اسرائيل عليها. هل من منتصر؟ من المنتصر في النهاية؟ < لا أرى منتصرا واضحا في هذه الحرب، رغم أن الطرفين معا يقولان إنهما كسباها. لكن المؤكد هو أن السكان المدنيين هم الخاسرون الكبار. وهذا أمر يجب حله في أقرب وقت ممكن بالصرامة اللازمة من أجل تجاوز هذا الوضع التراجيدي. - هل من رأي أو موقف حيال تنامي التطرف في المغرب؟ < ليس لدي رأي في هذا الموضوع... ! القاعدة قتلت من المسلمين ما يفوق عددهم من غير المسلمين! - هل يمكن القول إن هجمات 11 شتنبر كانت بمثابة المنبه الذي دفع الأمريكيين إلى السعي إلى معرفة حقيقة الإسلام؟ هل أدرك الأمريكيون كنه الخلاف بين المسلمين وأمريكا؟ < هجمات 11 شتنبر أحدثت صدمة عنيفة بالنسبة إلى الأمريكيين؛ فتولدت عند البعض الرغبة في فهم ما جرى وتعميق معارفهم في ما يعني هذا العالم (الإسلامي) الذي لا يعرفونه جيدا أو يعرفون عنه النزر القليل. لكنها كانت، كذلك، للأسف، مناسبة لإطلاق كليشيهات وأمور مغلوطة واتهامات. هنا، أيضا، اختلف أوباما عن سلفه من حيث أنه مد يده إلى زعماء العالم الإسلامي والشعوب الإسلامية؛ والأهم في هذا أنه قدم نفسه على أنه الرجل الذي يمكن أن يتم على يديه التصالح بين أمريكا والإسلام؛ وذهب إلى القول إن أمريكا تأسست على يد المسيحيين والمسلمين واليهود... فوضع، إذن، المسلمين على درجة التكافؤ مع المسيحيين. وهذا أمر جديد في حد ذاته في عهد أمريكا المعاصرة. - لكن ما شاع بُعيد أحداث 11 شتنبر هو أن عددا كبيرا من الأمريكيين هرع لاقتناء القرآن لمعرفة حقيقة الإسلام والحال أن الإسلام دين وثقافة وسلوك... ما رأيك في هذا؟ < كيفما كان الحال، فقراءة القرآن ضرورية لفهم الإسلام. إلا أن قراءة القرآن لا تشرح كليا دواعي هجمات 11 شتنبر؛ لأن القاعدة، في اعتقادي، تخوض حربا ضد الإسلام قبل أن تخوض ما تدعيه من حرب ضد أعداء الإسلام. فالقاعدة قتلت من المسلمين ما يفوق عددهم من غير المسلمين في إعلانها وخوضها الحرب في أرض الإسلام. وعليه أعتقد أنه لا يجب البحث عن فهم القاعدة من داخل الإسلام. بل، فهم القاعدة يكمن في مراجعة سلوكات الكثير من الحركات الأخرى من قبيل الحركات الإرهابية والسرية، التي تساعد على الإدراك الحقيقي لما جرى. أعتقد، إذن أن ما قام به الأمريكيون بعد 11 شتنبر لفهم الإسلام كان مجهودا ضروريا لابد منه.