ان القصة الخاصة برئيس الأركان الأسبق الجنيرال كنعان أورن الذي تولى مهام رئيس جمهورية تركيا، تفسر وتشرح بشكل رائع روح معاداة الديمقراطية، تلك الروح التي تغلغلت حتى أصغر ذرات مفهوم الحكم في تركيا إلى عهد قريب. فقد ذهب كنعان أورن، الذي كان رمزا لفترة الضغط الرهيبة والمريرة التي تلت انقلاب 1980 والتي كانت تفوح منها رائحة الموت، ذات يوم إلى الحلاق مع الحارس الخاص به، فسأله الحلاق وكان في الجانب الأيمن من كنعان أثناء الحلاقة قائلا له: «سيدي الباشا متى ستنتقلون إلى الديمقراطية؟ فلم ينبس أورن ببنت شفة. وعندما انتقل الحلاق إلى الجانب الأيسر كرر عليه السؤال مرة أخرى، فلم ينطق الباشا بحرف. وعندما انتقل الحلاق إلى الخلف سأله نفس السؤال فتلاه نفس الرد. انتهى الحلاق وأمسك الحارس الخاص معطف الباشا. وعندما خرج الباشا كنعان عاد الحارس الخاص إلى الحلاق وقال له: يا رجل سألت الباشا مرة ولم تتلق جوابا، فلماذا لم تتوقف وعدت تسأل نفس السؤال مرات أخرى؟ فرد عليه الحلاق قائلا: عندما سمع الباشا لفظ الديمقراطية وقف شعر رأسه واقشعر، وعندها أصبحت الحلاقة سهلة، فكررت عليه السؤال مرارا حتى أحلق جيدا. فانظر ماذا فعلت الديمقراطية لي! ». هذه الواقعة التي اقتبسناها من دراسة حول تطور حرية الصحافة في تركيا للكاتب «ياوز بايدار» صدرت ضمن مؤلف جماعي شيق تحت عنوان: «التحول الديمقراطي في تركيا» تحت إشراف مؤسسة فريديرك نيومان، تصلح لتطبيقها على رئيس الحكومة الملتحية عبد الإله بنكيران الذي كلما ووجه بالديمقراطية ووجوب احترام التنوع واحترام إرادة 97 في المائة من المغاربة الذين لم يصوتوا على حزبه (حصل فقط على مليون و200 ألف صوت، أي 3 في المائة). إلا ووقف شعره واقشعر بدنه، بدليل أن اللحية التي خاض بها الانتخابات واستقبل بها من طرف الملك محمد السادس في ميدلت لدى تعيينه رئيسا للحكومة ليست هي نفس اللحية التي تؤثث وجهه اليوم بفعل التشذيب الكثير الذي طالها على يد «حلاق درب بنكيران» (مع المعذرة للمرحوم محمد الركَاب مخرج فيلم حلاق درب الفقراء). فمتى شعر بنكيران بأن هذا الفصل أو ذاك من دستور 2011 يخدم مصالحه ومصالح حزبه إلا ويشهره ويدرجه في جدول الأعمال الملائم لخطته، وإذا حصل العكس وظهر أن الدستور سيخدم الدينامية الديمقراطية بالمغرب ويخدم حقوق الأقلية أو الأحزاب المتحالفة معه يتم الدوس عليه أو القفز عليه من طرف بنكيران عبر سلوكات وتصريحات غير متوازنة ومتناقضة ومتضاربة بل ومفاجئة بشكل جعلت الفاعلين المؤسساتيين بالمغرب وخارجه يتعاملون مع بنكيران كشخص متقلب وقادر على تغيير قراره ومواقفه بشكل هزلي بل ودرامي!! البيان الناري الأخير الذي أصدرته اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال عقب واقعة تلاسن رئيس مجلس النواب المهندس كريم غلاب مع رئيس الحكومة الملتحية يعكس هذه النزعة التسلطية التي يريد بنكيران فرضها على كل مفاصل الدولة النيابية والإدارية والجمعوية والإعلامية والدينية ليمر إلى الأوتاد العسكرية والأمنية بالمغرب حتى يحكم القبضة الديكتاتورية على البلاد للتغطية عن فشله في إخراج البلاد من الركود الاقتصادي والانكماش الاستثماري، علما بأن انتخابه تم لإيجاد الحلول لمشاكل المغرب وليس لتعقيد المشكل السياسي والاجتماعي والاقتصادي والديبلوماسي. بدليل أن بنكيران ما أن يضع يده على ملف ما حتى تحل اللعنة بالمغرب. والأمثلة كثيرة على ذلك، وحسبنا الإشارة إلى بعضها كقضية الصحراء التي فشل سعد الدين العثماني في إدارتها قبل أن يتدخل الملك محمد السادس بثقله الرمزي لدى الرئيس أوباما لطي الخلاف الذي كاد يحرق المنطقة برمتها. وأثناء أزمة مالي كادت مصالح المغرب الجيوستراتيجية أن تتعرض للهزات بسبب انحياز حركة التوحيد والإصلاح (الجناح الدعوى لحزب بنكيران) للجهاديين قبل أن ينخرط المغرب لوجيستيكيا في الحرب ضد الإرهاب بهذه الدولة، مما جعل الرئيس فرانسوا هولاند يرد الجميل للمغرب بزيارة الدارالبيضاء في أبريل 2013. وفي أزمة سوريا، اختار أتباع بنكيران الوقوف وراء صف جبهة النصرة التكفيرية بدل الوقوف مع التيارات الديمقراطية داخل كتلة المعارضة المناوئة لنظام الدكتاتور بشار الأسد، مما كاد أن يهدد صورة المغرب على المستوى الدولي كدولة راعية للإرهاب العالمي لولا نضج صناع القرار الأمني على المستوى الدولي الذين يعرفون المجهودات التي يبذلها المغرب والخدمات التي قدمها للمنتظم الدولي منذ ما يزيد عن عقد في إطار محاربة الإرهاب.