أكد عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، عزمه المضي قدما في إلغاء الدعم عن المحروقات وتعويض نظام المقاصة بدعم مباشر للأسر الفقيرة ل"وقف النزيف" و"التحكم في التوازنات الماكرو اقتصادية". مشيرا إلى أن "الموظفين يأخذون أكثر من نصف ميزانية البلاد، أي ما يعادل 13 بالمائة من الناتج الداخلي الخام وهذا مؤشر غير إيجابي". كما نبه بنكيران، في كلمته خلال افتتاح الدورة العادة للمجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية بضاحية سلا صباح اليوم السبت، إلى أن المغرب "ديون المغرب الخارجية تفوق 550 مليار درهم، وهذا الرقم غير بعيد عن ما يعادل 60 بالمائة من الناتج الداخلي الخام للبلاد، وهذا غير مقبول."
إلى ذلك يضيف بنكيران كلفة دعم أسعار المحروقات وبعض المواد الأولية "ميزانية صندوق المقاصة بلغت 53 مليار درهم والميزانية العامة للدولة لا تتعدى 210 ملايير درهم، فهل يعقل أن يستمر هذا النزيف؟".
جواب رئيس الحكومة يتمثل في ضرورة التوقف عن دعم أسعار المواد الأولية وتعويضها بدعم مباشر للأكثر فقرا. يقول بنكيران مستنكرا "لا يمكن والحالة هاته أن تستمر الدولة في أداء ثمن المحروقات لصالح أصحاب السيارات". ويعلن أن الحكومة "ستهتم بقطاع النقل العمومي لكن رفع الدعم عن أسعار المحروقات لا مفر منه، أو "ما فيهش اللعب" على حد تعبيره.
ثم يذكر أن الحكومة "وفرت 5 ملايير درهم هذه السنة وستوفر 9 ملايير درهم أخرى السنة المقبلة بفضل الزيادة التي أقرتها في أسعار المحروقات". وجدد حرصه على "عدم المس بالفقراء".
من جهة أخرى كذب رئيس الحكومة رواية حزب الاستقلال حول استفراد حزبه بصياغة مشروع إلغاء نظام المقاصة وتعويضه بالدعم المباشر للأسر. "كل هاته الأشياء تمت بتشاور بيننا جميعا وبحضور نزار بركة، وزير المالية عن حزب الاستقلال. كما أن وزيرا استقلاليا آخر (فؤاد الدويري) هو الذي طرح موضوع الزيادة في تسعيرة الماء والكهرباء."
في حين كشفت افتتاحية جريدة العلم الناطقة باسم حزب الاستقلال قبل يومين أن بنكيران فاجأ بعض الوزراء باستدعائهم لبيته في اجتماع دام 45 دقيقة عرض عليهم خلاله وزير الشؤون العامة والحكامة مشروع إصلاح نظام المقاصة، دون أن يكون خضع لأي تشاور قبلي بين مكونات الأغلبية الحكومية.
بينما يلح الاستقلاليون على مناقشة هذا الموضوع في إطار الأغلبية، قال بنكيران في خطابه صباح اليوم، إن هذا المشروع "لن يناقش إلا حيث يجب أن يناقش"، دون أن يزيد تفصيلا.
إصرار بنكيران على إلغاء الدعم لأسعار المحروقات وبعض المواد الغذائية الأساسية، يتزامن مع ضغوطات البنك الدولي الذي حث مسؤولوه في زيارتهم الأخيرة للرباط، على الإسراع بإصلاح نظام المقاصة ل"التحكم في التوازنات الماكرو اقتصادية". إضافة إلى تصريحات لصامويل كابلان، السفير الأمريكي بالرباط، يجمع فيها بين الثناء على الحكومة وحزب العدالة والتنمية وحثها على الإسراع بإصلاح نظام المقاصة.
في مقابل الربح الانتخابي الكبير الذي ينتظر أن يجنيه الإسلاميون من توزيع أموال في شكل دعم مباشر للأسر الفقيرة خاصة في البوادي، التي لا يتوفر فيها الحزب على ناخبين كثر، يحذر بعض الاقتصاديين اليساريين من تفقير الطبقة الوسطى بوضعها أمام الأمر الواقع ومواجهة الأسعار الحقيقية للمحروقات.
سعيد السعدي، الخبير الاقتصادي والقيادي السابق في حزب التقدم والاشتراكية، سبق له أن كتب معتبرا أن "المشكل الأكبر يتعلق بقدرة الفئات المتوسطة على تحمل الارتفاع المرتقب لأسعار المواد المدعمة حاليا والذي ينذر بأوخم العواقب الاجتماعية بالنظر إلى بلترة (من البروليتاريا) جزء معتبر من هذه الفئات وتدهور قدرتها الشرائية وتراجع وضعها الاعتباري داخل المجتمع خلال العقود الأخيرة" وذلك في مقال نشرته جريدة الأحداث المغربية في عددها ليوم 13 غشت الماضي بعنوان "التقويم الهيكلي على الأبواب من جديد؟".
كما لفت الانتباه إلى ضرورة "تصحيح بعض الأفكار التي يتم الترويج لها عن قصد أو غير قصد، فالإدعاء بأن نفقات صندوق المقاصة تكلف ميزانية الدولة 48 مليار درهم غير صحيح، إذ أن هذا الرقم لا يأخذ بعين الاعتبار المداخيل الجبائية الإضافية التي تطعم الموازنة العامة عن طريق الحقوق الجمركية والضريبة على القيمة المضافة والضريبة على الاستهلاك الداخلي المطبقة على أسعار المواد الأساسية المدعمة والتي بلغت 23 مليار درهم برسم السنة الجارية".