مرت سنة طويلة ومريرة، من المرحلة الدراسية الجامعية، في العام 2000 في العاصمة الرباط، في الحي الجامعي الخاص، بغلاف مالي شهري يبلغ ال 300 درهم شهريا، في ملحقة المدرسة المعدنية في حي أكدال، في الرباط، فالإقامة كانت في الطابق الأرضي وبوابة الغرفة كانت قبالة المرحاض مباشرة، وجاري في الغرفة من سوء حظي، طالب في الجامعة في شعبة الفلسفة، ولا يحضر إلا قليلا للرباط، ومدمن على تدخين الحشيش. علمتني هذه السنة الأولى لي في الحياة الجامعية، كيفية تدبير وضبط أعصابي، والتعامل مع أنواع مختلفة من البشر لا سابق لخبرة لي بها، وخاصة ما تعلق بالخروج من المشاحنات الثنائية بطريقة مرنة دون احتكاك بدني، وكان مؤنسي في سنتي الجامعية الأولى، خلال كل ليلة، مذياع صغير يعمل على بطاريات أربع صغيرة الحجم.
ويطول الليل، الذي ينطلق من الساعة الثامنة بتوقيت غرينتش، في غياب التلفزيون، وعدم توفري على حاسوب محمول، وهو ما لم أتمكن من التوفر عليه، بالرغم من كل المطالب التي رفعتها للوالد، ولكن كان لزاما علي الانتظار إلى غاية التخرج والحصول على عمل قار لتملك أول حاسوب في حياتي، في مسكني الأول المستقل في حي المحيط في الرباط، وكان حاسوبي الأول مكتبيا، وتلاه حاسوب ثاني محمول، لأحصل على الاستقلالية الكاملة من مقاهي النت ومن حواسيب المكاتب.
ولا يقدم الحي الجامعي، رغم ثمنه الغالي مقارنة مع الأحياء الجامعية الأخرى، خدمة المطعم، بينما الحمام لا يمكن الاستفادة منه إلا بصعوبة كبيرة، لقلة عدد رشاشات الاستحمام، وسرعة إغلاق الماء الساخن من قبل إدارة الحي الجامعي، التي تنظر للأمر من الناحية التجارية فقط، بعيدا عن أية مراعاة للحالة الاجتماعية للطالب الجامعي، ولظروفه الدراسية في التوقيت الدرسي الجامعي، فيتحول الطالب إلى ضحية حقيقة لغياب سياسة اجتماعية تدعمه من قبل الحكومة.
وفي السنة الدراسية الجامعية الثانية، انتقلت للحي الجامعي السويسي رقم اثنان في العرفان، واستمريت هنالك إلى سنة تخرجي من المعهد العالي للإعلام والاتصال، في صيف العام 2004، وفي أول سنة سكن في الحي الجامعي الحكومي، الذي لا يبعد عن المعهد في قلب مدينة العرفان، سوى بمسيرة5 دقائق مشيا على الأقدام، كانت الإقامة مع ثلاثة زملاء آخرين، فهي أربعة أسرة متواجدتان في الغرفة الكبيرة، اثنان في كل ركن، مقارنة مع غرفة السنة الأولى، ويتوفر كل طالب على دولاب مستقل قابل للإغلاق باستعمال قفل، وفي الغرفة منضدة إسمنتية تصلح مائدة للأكل وتصلح لمراجعة للدروس.
وخلال السنة الأولى في الحي الجامعي السويسي اثنان، قلت المشاكل بكثير، لتبدأ صفحة جديدة، مقارنة مع الحي الجامعي للمدرسة التعدينية، مع فارق في المقابل المالي، والاستفادة من خدمات الحمام الجماعي، وزملاء أفضل حالا في غرف الحي الجامعي، والاستفادة من خدمة المطعم الجامعي بثمن رمزي، إلا أني سرعان ما سأقرر التخلي عنه لكارثية وجباته الغذائية، والانعكاسات الصحية الكارثية، واستعمال الصودا في إعداد الوجبات، ما سبب لي لأول مرة في حياتي إمساكا عويصا واضطرابات معوية مستمرة، تستمر تداعياتها إلى اليوم.
وفي السنة الثالثة والرابعة من الدراسة في معهد الصحافة الحكومي، في الرباط، انتقلت للعيش في غرفة بزميل سكن واحد، فنزل مستوى الإشكاليات إلى الصفر، خاصة في السنة الختامية من الدراسة، ومراكمة تجربة في التعامل مع الزملاء في السكن الجامعي، والتوفر على صداقات كثيرة تطوع مختلف المشاكل اليومية الصغيرة، والتوفر الدائم على قابلية للتكيف مع مختلف المتغيرات، وتعلم صناعة آلة كهربائية بسيطة للحصول على الماء الساخن، في كل وقت، والتوفر على فرن كهربائي يمكن من تحضير القهوة والشاي في كل وقت.
وتحسنت حالتي الصحية نسبيا، عقب التغلب على الاضطرابات المعوية، والاستغناء النهائي عن خدمات مطعم الحي الجامعي، والتعود على تحضير وجبات خفيفة للعشاء في غرفة الحي الجامعي، وتحسنت المردودية في الدراسة بسبب القرب من المعهد، والاستفادة من ظروف حياة جامعية أفضل، إلأ أن كل المحن السابقة التي مررت بها في بدايات الحياة الجامعية ندوب على الروح تركت أثرا إيجابيا بكل المقاييس، فرجل الغد تبدأ عملية صهره باكرا في شبابه، وذلك ليشتد عوده، كما تقول الحكم القديمة.
في تقديري، يظل السكن الجامعي، تجربة ضرروية للشباب خلال مسار تشكيل الحياة الخاصة، والبحث عن طريق للاستقلالية من العائلة الأساسية، للحصول على مناعات في مواجهة المشاكل اليومية التي يكون العادي جدا أن تتدخل العائلة وخاصة الوالدين للمساعدة على حلها، ويبقى للحي الجامعي حلاوته التي لا يعرفها إلا من مر من الدراسة الجامعية بعيدا عن العائلة.