سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تاريخ. "كود" تنبش في تاريخ خالد عليوة وتميط اللثام عن أهم وثيقة صاغها القيادي الاتحادي السابق في مساره السياسي. وكيف رفضت مراكز القوى داخل الاتحاد الاشتراكي وثيقة "أزمة المجتمع والبناء الديمقراطي" خلال مؤتمره الرابع؟
صحيح أن خالد عليوة، المدير العام لبنك القرض العقاري والسياحي، اليوم متهم في قضية استغلال نفوذ و تبديد أموال عمومية، لكن هذا لا ينفي أن للرجل إسهاماته الفكرية في المسار السياسي للبلاد، وبعيدا عن ما صرح به محمد الأشعري في مقال تضامني مع رفيقه في الحزب خالد عليوة بعد الأمر باعتقاله احتياطيا، بمشاركة عليوة في صياغة البيان العام لآخر مؤتمر حضره المرحوم عبد الرحيم بوعبيد ووثيقة 28 نونبر ، والبيان الشهير حول المنهجية الديمقراطية سنة 2002، كان لخالد عليوة دور أساسي في صياغة وثيقة بعنوان "أزمة المجتمع والبناء الديمقراطي"، لخصت الوضعية الاجتماعية في البلاد، وتناولت وضعية طبقات المجتمع، مع دراسة كل التغييرات الكبرى التي وقعت منذ الاستقلال، ليس فقط التغييرات الديمغرافية التي كانت واقعا ملموسا، وإنما كذلك التغييرات التي طالت العمران والمدن والطبقات الاجتماعية، وكذا آثار المغربة على الوضع الاجتماعي. الوثيقة- الدراسة، توقفت أيضا عند حملة سياسة المغربة سنة 1973، التي منحت ممتلكات الشعب لأشخاص معينين على شكل هدايا، في بداية لتنامي اقتصاد الريع، لتفسر كيف تكونت بورجوازية طفيلية بدلا من البورجوازية الوطنية. الخلاصة كانت صادمة لبعض المناضلين الاتحاديين، الذي تعودوا قبل هذا التاريخ على خطاب يمجد "الطبقات الشعبية" ويشيطن الدولة ويحملها مسؤولية كل المشاكل التي تتخبط فيها البلاد. كما أنها جاءت في سياق متأثر بالقومية العربية، إذ استنتجت الوثيقة أن أسباب أزمة المغرب، تعود إلى مجموع التحولات الحاصلة في البنيات الاجتماعية والاقتصادية والديمغرافية للسكان، كما ترجع إلى التحولات التي أثرت على أشكال التعبير الاجتماعي والسياسي والثقافي، ومنها ما يعود إلى التحولات التي طرأت على التشكيلة الطبقية، فيما يتعلق جزء آخر منها بالتحولات الوظيفية التي تتمحور حول إشكالية علاقة الدولة بالمجتمع. وخلص التقرير إلى رفع شعار المرحلة وهو «الاشتراكية الديمقراطية إطار بناء مجتمع الحرية والتضامن». ويفسر محمد اليازغي في مذكراته المعنونة ب"سيرة وطن.. مسيرة حزب "، سياق إعداد الوثيقة المذكورة بقوله: "أثناء الإعداد للمؤتمر الوطني الرابع، جرى نقاش واسع في صفوف الحزب حول الخط السياسي المرتكز على استراتيجية النضال الديمقراطي التي اعتمدناها منذ عشر سنوات. والسؤال الجوهري الذي كان يدور في خلدنا كقيادة وفي خلد المناضلين على السواء هو كيف نعيد ربط الصلة بمشروعنا ومجتمعنا؟ وهو السؤال الذي يحيلنا على أسئلة عدة حول تحولات المجتمع التي فاجأنا معظمها، والتي كانت قد طرأت بينما نحن مأخوذون بمقاومتنا للاستبداد والآليات التي كان يتوسل بها لإفساد الحياة السياسية: ما هي طبيعة الأزمة التي يعيشها المغرب؟ هل هي أزمة مشروع أم أزمة تحول أم أزمة نخبة سياسية؟ وأين تكمن عوائق البناء الديمقراطي وعوائق تحديث البنيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؟". ويضيف اليازغي: "ما جد أثناء الإعداد لمؤتمرنا هو الانكباب على دراسة المجتمع المغربي وقضاياه، وقد تساءلنا آنذاك: ما هو المجتمع الذي نشتغل به ومعه ومن أجله؟ لذلك عرف المؤتمر الوطني الرابع نقاشا عميقا، وأعددنا خلاله وثيقة أساسية حملت عنوان «أزمة المجتمع والبناء الديمقراطي»". ويقر اليازغي في مذكراته أن الوثيقة المذكورة تعد "من أخصب ما أنتجه الاتحاد من أدبياته الفكرية. لكن هذه الأهمية لم تشفع لها في أن يصبح وثيقة رسمية، يتبناها المؤتمر الذي دعا إلى اعتبار التقرير وثيقة مفتوحة للنقاش وأوكل أمر المصادقة عليها إلى اجتماع لاحق للجنة المركزية، وهو ما لم يحصل"، مضيفا "رغم أن عددا من المؤتمرين لم يستوعبوا أهمية التقرير حول الأزمة المجتمعية، وأنها المرة الأولى التي ينكب فيها الاتحاديون على قراءة مجتمعهم وأزماته، فإنه ستكون للتقرير فعاليته في ما يمارسه الحزب من نضالات وعمل إشعاعي واستقطاب، خصوصا وأن ذلك تزامن مع التحول الذي عرفته التطبيقات الاقتصادية للاشتراكية الديمقراطية في أوربا، وهي أبعد ما تكون عن التشدد لنموذج الاشتراكية التقليدية". ربما كان قدر خالد عليوة، مثل قدر المهدي بنبركة، الأخير الذي صاغ وثيقة "الاختيار الثوري"، التي رغم أهميتها إلا أنه لم يكتب لها أن تعرض على أنظار المؤتمرين كوثيقة رسمية سنة 1962، تاريخ المؤتمر الوطني الثاني ل"الاتحاد الوطني للقوات الشعبية"، ولم تتعرف على تفاصيلها النخبة السياسية المغربية، إلا بعد اختطاف المهدي بنبركة سنة 1965. وبالعودة إلى وثيقة خالد عليوة، التي قدمت للمؤتمرين سنة 1984، تاريخ المؤتمر الوطني الرابع، في سياق سياسي ودولي، شهد بداية سقوط المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي، قبل انهيار جدار برلين سنة 1989، ودخول العالم في ما عرف بالنظام العالمي الجديد، اتضح أن إقرارها كان سيساهم في تحول الحزب من "الاشتراكية العلمية" بمفهومها التقليدي، إلى " الاشتراكية الديمقراطية"، التي لم يقرها الحزب إلا بعد مشاركته في حكومة التناوب سنة 1998، أي ما يزيد عن 14 سنة من التأخير، ما كان سيمكن حزب "الوردة" من تحقيق قفزة فكرية، لا محالة كان سيكون لها الأثر الكبير داخل المشهد السياسي والفكري المغربي، ولا غرابة أن يلجأ إليها اليوم الاتحاديون للاستعانة بها في تحضير وثائق المؤتمر الوطني التاسع للحزب.