بداية، وجب التأكيد في هذه المرة كذلك، بأن السيد عبد الإله بنكيران ليس سوى موظف سام لدى السدة العالية بالله، مهمته تصريف التدبير اليومي للخيارات السياسية التي رسمتها الدولة مند أكثر من عقد من الزمن، والدولة هنا مجسدة في المؤسسة الملكية بمعنى الملك والذين يدورون في فلكه، من مستشارين وعسكر وأطر تقنقراطية وعائلات بورجوازية مرتبطة بشكل مصلحي بالدولة... وجب التذكير أيضا، بأن الدولة كما هي معرفة أعلاه هي من يحكم، يخطط ويضع المشاريع وينفذها عبر التحكم المباشر في أدوات التنفيذ، بمعنى الإدارات، التابعة شكليا للوزراء ولرئيس الحكومة، لكنها جوهريا تأتمر بتوجيهات القصر التي يتلقاها الكتاب العامون والموظفون الساميون عابري للحكومات... التذكير أيضا أن التغيير الذي شهده الحقل السياسي في المغرب بعد العشرين من فبراير، وما سمي بالربيع العربي، لم يمس جوهر الدولة في شيء، ولم يكن شاهدا على تغير بنيتها كما ادعى أحد مستشاري الملك لحظة صياغة الدستور الجديد، إذ أنه توقف عند حدود الورقة الدستورية، بل الأدهى أنه حين اتضح لها هشاشة الحركة الاحتجاجية بالمغرب، وقدرته على ضبطها واحتواءها، سجل العديد من التراجعات عن مضمون خطاب التاسع من مارس في الوثيقة نفسها (تفجير الفصل التاسع عشر في الدستور السابق ليغدو فصلين 40 و41)، وبعدها عبر التراجع بواسطة القوانين التنظيمية عن مجموعة من المكاسب التي كانت تشكل كوة الضوء في ذات الوثيقة ( التعيين في المناصب العليا، المناصفة)... من هذين التذكرين ، وجب تحليل حدثين رئيسيين كان بطلهما السيد بنكيران، الموظف السامي لدى صاحب الجلالة برتبة رئيس الحكومة. الحدث الأول حين صرح بأنه ليس سوى رئيس الحكومة، فهو بذلك ينتفض بشكل لا إرادي، حتى لا نتهمه بالوعي فيما يقترفه، ضد هيمنة رئيس آخر على القرار السياسي، وهو رئيس الدولة، أي الملك...فبنكيران، ولنكن واضحين أكثر،مثله مثل ايٌّ كان ممن ينعتون بقادة الأحزاب السياسية المتواجدة حاليا في الساحة السياسية، الذين ولدوا وترعرعوا في كنف الدولة والإدارة، يتصرف وفق الحدود المرسومة له في الدستور الجديد، وللتذكير أيضا، لم يقع سوى في شرك ما كان يحفر بيديه لحظة صياغته، إذ في اللحظة التي كان تتصارع فيها القوى الحية من أجل دستور علماني ديمقراطي وحداثي، كان همه الرئيسي هو تثبيت إسلامية الدولة ضدا على منطق التاريخ، ولو كلف ذلك التضحية بالمضمون الديمقراطي للدستور، وتقزيم صلاحيات المؤسسات المنتخبة، ومنها مؤسسة رئيس الحكومة، على حساب المؤسسة ذات الشرعية الربانية، أي إمارة المؤمنين والملكية بشكل عام...هل بنكيران راض عن هذا الوضع؟ في اعتقادي أنه يعيش تعاسة داخلية، ليس لأنه يعي المقلب الذي وقع فيه، بل لإحساسه بالغبن والحكرة من سلوك الدولة التي تجيد رمي الأدوات ذات الاستعمال القصير، وتعبر عن جحود لا مثيل له... الحدث الثاني ويخص تصريحا آخر، عن طريق بلاغ وزعته وكالة المغرب العربي للأنباء، يقدم فيه اعتذار صريحا للملك، حول تصريحه لجريدة الصباح، كون علاقته مع المحيط الملكي ليست على ما يرام...تقدمه بهذا الاعتذار للملك بشكل شخصي يفند ادعاءاته في كل تصريح بأن الملك يتصل به مباشرة في كل الأمور التي يحتاجها التدبير المؤسساتي للدولة، ويدل على أن قناة الأوامر (لا قناة التواصل) هو الديوان الملكي بمستشاريه، كل حسب القطاع الموكول إليه تسييره، وأن الملك متضامن مع حكومته الحقيقية ولا يسمح بأن يتطاول عليها مجرد موظف سام، وظيفته الأساسية تصريف برنامج الدولة وإرادتها.... تذكير جانبي بسيط، وهو لغة الاعتذار، إذ أنه بعد التفافه على التصريح الذي خص به الصحفي في جريدة الصباح، اعترف بشكل ضمني بما اقترفه، عبر فسح الإمكانية لنفس الصحفي في أن يستنتج أو يفهم ما كتبه في جريدته، مما يدل على شقاء السيد بنكيران، وانتفاء إمكانية الإنكار التي تستوجب أساسا المتابعة القضائية للصحيفة... فمهما كان، وضدا على برنامج حزب العدالة والتنمية الانتخابي، للدولة برنامجها في مجال الصحافة: حرية التعبير ما لم تمس مصالحها... من هنا وجب تلمس الأعذار للسيد بنكيران...الأخ الذي وقع في حفرة حفرها لإخوته المغاربة.