اتجه البعض إلى وصف عودة العلاقات بين المغرب و اسرائيل الى وصفه بالتطبيع دون ان يركز على طبيعة العلاقات القائمة بين المغرب و اسرائيل، باعتبار الجالية اليهودية المهمة المتواجدة في اسرائيل. فمصطلح التطبيع لا يمكن اسقاطه على المغرب بل المصطلح هو استئناف للعلاقات في اطار اتفاق ،ثلاثي ، و هو اعلان واضح من المغرب على كون القضية الفلسطنية هي قضية مركزية و بالحق الفلسطني المشروع لإقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة و عاصمتها القدس الشرقية، و هي كذلك قضية مركزية لكل الامة المغربية، و لمن يتحدث عن التطبيع فان هذه مغالطة غير موجودة بالمغرب نهائيا. وعاد هدا الموضوع بحدة على خلفية ما يقع في غزة من هجوم إسرائيلي عقب "طوفان الأقصى" ببروز فريقين، وهما تيار "كلنا فلسطينيون" وما يناظره المعروف بتيار "كلنا إسرائيليون". القاسم المشترك بين التيارين هو الرؤية الأحادية التي لا تنسجم مع رؤية الأمور بما تقتضيه الاكراهات المطروحة على الدولة في اتخاد القرارات. تيار "كلنا إسرائيليون"، ذو الرؤية الأحادية، غارق في تسطيح الامور وكأنه يريد تبرير ما ليس مقتنعا به، و هو في ذلك لا يراعي طبيعة المجتمع المغربي ووضع الدولة المغربية لكون القضية الفلسطينية، لها حساسية كبرى داخليا نظرا لارتباطها بما هو ديني و هوياتي، إذ أن المغاربة لا يمكن لأي شكل من الأشكال منعهم من التعاطي مع الأحداث الطارئة في فلسطين لما لذلك من بعد وجداني فضلا عن موقع الملك محمد السادس، باعتباره أميرا للمؤمنين ورئيس لجنة القدس. وتيار "كلنا إسرائيليون" هو تيار تبسيطي لا يترك هامشا للتحرك ويسعى لتقييد التحرك المغربي والدور الذي يمكن أن تلعبه المملكة المغربية بشأن حل المشكل القائم، رغم التعاون المغربي الإسرائيلي اتخذ العديد من الأبعاد العسكرية و الاقتصادية. الأمر الذي جعل النقاش يطفو ومعه محاولات توظيفه سياسيا داخليا من لدن بعض الأطياف سعيا للعودة الانتخابية أو تصفية حسابات مع الدولة عبر الركوب على عواطف المغاربة. ان التعاطي مع القضية الفلسطنية بتعدد أبعادها ينبغي ان يكون تعاطيا عقلانيا يتوافق مع تعدد أبعادها لما لها من تأثير على الأمن والسلم الدوليين والأجندات الإقليمية، وبما يحقق السلم في المنطقة ، بقيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، و أن التماهي أو العداء لفصيل سياسي هو المفسر لعملية الاستقطاب الداخلي الذي قد يهدم الوحدة الوطنية ويضعف الأدوار التي يمكن أن يلعبها المغرب. في ظل هذه الاجواء لم يخلف العدالة و التنمية الميعاد و الاحداث، و هاجسه العودة من جديد إنتخابيا و سياسيا عبر توظيف التعاطف الشعبي و تعلق المغاربة الوجداني و الروحي بالقضية الفلسطينية، و توظيف تأكيد المغرب على أن القضية الفلسطنية في نفس مرتبة قضية الوحدة الترابية. بنكيران بإعلانه الدعم لفصيل سياسي يشارك معه الأرضية السياسية، "حماس" شريكتها في الأرضية الفكرية. لطالما اعتبرت العدالة و التنمية فصيل لا ينتمي لحركة الاخوان المسلمين ابان ترأسهم للحكومة، و بالمقابل كانوا يعتبرون كل تصنيف بكونهم فرع للاخوان مزايدة سياسية. غير ان أحداث غزة غيرت موقفه و بات يجهر بكون حماس هي من فصيله السياسي، و لم يتردد في توظيف القضية الفلسطنية في الداخل المغربي بين الحركات الإسلامية و اليسار الرديكالي هو يدخل من باب المزايدات، بالدخول في معارك وهمية لا وجود لها من الناحية العملية، خاصة و أن قوة الدولة المغربية هي في قدرتها على تقييم الامور و لعب دور فعال في مرحلة تعرف استقطابات إقليمية و موقفها واضح . كما أن موقف المغرب و بعده الجغرافي يتيح له امكانيات مهمة للعب دور فعال خلافا للدول المحايدة جغرافيا لفلسطين ومصالحها الإستراتيجية وأمنها القومي يدفعان إلى أن تكون ساحة المزايدات الداخلية، ورغم ذلك تتصرف بعقلانية. تيار كلنا اسرائليون يخدم توجه يريد تقيد الدور السياسي و الدبلوماسي للمغرب و وفق ما يخدم المصالح الاسرائلية، و ينزع من المغرب أوراقا يمتلكها تؤهله للعب دور طلائعي، و هذا التيار له رؤية أحادية يسقط في طرح كل من يعاكس الواقع القائم يكون معاديا للسامية ، فاستئناف العلاقات مع اسرائيل و في التشبث بالقضية الفلسطنية كقضية مركزية في السياسة الخارجية المغربية يجعل المغرب دولة وازنة على المستوى الاقليمي بشكل يكون المغرب كطرف في معادلة تحقيق السلام و احتضان المسار التفاوضي و هو مطلب الفاعلين الاساسيين في المنطقة . كل هذا يؤهل المغرب ليكون فاعلا محوريا في ما بعد الحرب على غزة. واقع الحال ، يقول ان تيار كلنا اسرائيليون يتجه لتخندق المغرب مع الغرب مما يفقده وزنه و دوره الإقليمي و الدولي يجعل منه دول تابعة . ان مواقف الدولة و قراراتها تكون وفق تقدير الامور ، لكون هناك تشباكات تجعل من اللازم تحصين الجبهة الداخلية، التوقف عن المزايدة السياسية و الاعتبارات الشعبوية من خلال خطاب ينهج من معجم التخوين و يمكن ان يكون له تأثير عكسي. فالمغرب مؤمن في ظل عالم متشابك الأبعاد، يستوجب حل القضية الفلسطنية على المفاوضات وفق مقاربة سياسية عادلة، يضمن الحياة والتنمية للجميع.