عادت بنا عقارب الساعة الأحد إلى الوراء ستين دقيقة كاملة لكي تمكننا من ازدراد حريرتنا الرمضانية مبكرا بعض الشيء, عوض أن نلتهمها بعد أن يكون "الموري" قد قارب التاسعة ولم يعد يفصله عنها إلا القليل من الوقت, وهو الأمر الذي يبدو للمغاربة شبه مستحيل على اعتبار أن رمضان هذه السنة يتزامن مع شهر غشت, أي يأتي في عز الصيف ويتطلب بعض الصبر الإضافي الذي لايكتمل الصوم دونه, ويتطلب النقص من مدة الصوم لئلا يفقد الناس جلدهم, و"يخرجوا للعيب". والحق أنها مسألة طريفة هاته التي أصبحت تتكرر كل سنة, وهي مسألة زيادة ساعة للفوائد الاقتصادية التي يحملها الأمر, لكن نقص تلك الساعة مباشرة بعد أن يأتي رمضان لتقريب موعد أذان المغرب بعض الشيء, ولا أحد فينا يعتبر المسألة غير واضحة بعض الشيء, أو تتضمن بعض التناقض, لأن "المغاربة جيهم حتى لكرشهم, ومابقات هضرة". ولعل المشهد الذي نراه "لاندلاع" محلات بيع كل شيء يمكن أن يتم ازدراده في الشهر الفضيل خير تجسيد لهذا المعطى الذي يؤكد أننا شعب غلاق بالفعل, يضع الأكل في مقدمة الأولويات, ويتناقش حول البقية الباقية. ونعجب جميعا لكننا نتعايش معها بسرعة لبعض المحلات التي تكون عادة مخصصة طوال العام لحرف بعيدة كل البعد عن الأكل وعوالمه, والتي تصبح فجأة متخصصة في "الشباكية والمخرقة وسلو" ومختلف "الشهيوات الرمضانية", والتي تستعيد فور انتهاء شهر الصيام وتيرة عملها العادية, ومجال الاشتغال الذي أسست من أجله في الأصل. البعض يقول إن المراقبة الطبية تغيب عن أغلب هذه المحلات التي يستغل أصحابها ضيق الوقت وخروج المرأة المغربية للعمل لكي يقدموا وجبات جاهزة مما أصبح يستيل صنعه اليوم في المنزل, لكن المغاربة يردون على هذا التخوف الطبي بمثلهم الشهير الذي يدل على قوة الإيمان أكثر من دلالته على أي شيء آخر "اللي ماقتلات تسمن", ومعتقدهم أن الشيء الضار إذا دخل الجسم "كاع واللي عطا الله عطاه", سوف يساعد هذا الجسم على أن يثخن إذا لم يذهب به لملاقاة وجه رب كريم, ومن هنا جاء اطمئنانهم الكبير لأكل أي شيء يعثرون عليه في الزنقة ولو كان ذلك الشيء غير واضح على الإطلاق, وهذه بالفعل علامة أخرى من علامات شجاعات شعبنا الحقيقية. أصحاب الأكلاات الجاهزة والشهيوات الرمضانية ليسوا وحدهم من يعتدي على مجال الكاسترونومي في هذا الشهر الفضيل, وليسوا الوحيدين الذين يتطفلون على ميدان ما بصفة عامة. هناك مجال آخر يعرف كل شهر صيام هجوم متطفلين من نوع آخر عليه, هو مجال الإنتاج التلفزيوني الرمضاني. هذه الحكاية ابتدأت منذ القديم, ولا يبدو أنها ستجد حلا في يوم من الأيام, ملخصها القصير هو أن المغاربة يعودون في رمضان إلى تلفزيونهم المحلي الذي يهجرونه في باقي أوقات السنة, وذلك لكي يرافقهم في حريرتهم اليومية, حتى مطلع العيد الصغير. المشكلة هي أن التلفزيون المحلي تعود على ألا يلتفت كثيرا لمطالب مشاهديه الأفاضل, وألف أن يفعل مابدا له, فيمنح لأناس بعيدين عن التلفزيون وعوالمه إمكانية تعلم "الحجامة فريوس اليتامى" الذين يمثلهم بامتياز المشاهدون المغاربة. وحين يرغب هذا التلفزيون في شهر مشاهدة خاصة من نوعها مثل رمضان في الاستجابة مرة واحدة في العام لرغبات مشاهديه المفترضين, يجد نفسه في حالة جد مضحكة للغاية, حيث تختلط عليه كل "الحوابل بكل النوابل, فتخلق لنا ما اصطلحنا على تسميته منذ سنوات عدة "البواسل" لا نسبة للمسلسل السوري الشهير, ولكن نسبة لنسبة البسالة المبالغ فيها التي توجد في دم بعض من يدعون الكوميديا كل رمضان, وإن كان لدينا شك كبير أن لادم يجري في عروق أغلبهم بالنظر إلى كم التطفل الذي يبدونه. هذه السنة, ومن المفروض أن نبدأ المشاهدة اليوم أوغدا لما تم إعداده لرمضان 2011, نتمنى من القلب _ ولا نملك إلا التمني ولو عدتم لكل ماكتبناه منذ سنوات في هذه الفترة ستجدون عبارات التمني ترافق مستهل رمضان التلفزة باستمرار _ أن لايكون قصف الرداءة أقوى من المتوقع. نتقبل من الآن بشكل ضمني أن تحضر الرداءة, لأننا نعرف أن "الطبيب مخرج لينا منها واحد الكمية كل رمضان", ولكن أملنا كبير _ في الله وفي مسؤولي قنواتا بعده جل وعلا _ أن يكونوا "ضربوا وقيسوا", وإن كانت بعض الأسماء التي تعودنا منها "الحموضية" قد أطلت بالرأس مجددا, لكن لابأس. لنعطها أولا الحق في أن تقدم مالديها , وبعدها لكل حادث حديث". هل من علاقة أخيرا بين الشباكية السواقية التي يصنعها أناس بعيدون تماما عن مجال الأكل في الأسواق المغربية كل رمضان, وبين الدراما الرمضانية التي يصنعها أناس بعيدون عن التلفزيون في نفس الشهر الفضيل؟ نحن لاجواب لدينا. الناس سترى وستحكم, مثلما ستأكل وستحكم, وبعدها إذا أحس المرء ببعض الحرقة أو الحموضة مباشرة بعد استهلاك ما قدم إليه, سيعرف حينها أن الوجبة فاسدة بالفعل في الأكل كما في التلفزيون, ورمضان كريم على كل حال. ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق أن تؤجل جامعة الكرة قرعة الدوري الاحترافي أو بطولة الموسم الكروي المقبل لكي تتيح لفريقي مارسيليا وليل خوض مباراة شكلية ولا وجود فيها لرهان حقيقي هي مباراة "كأس أبطال فرنسا", مسألة تتطلب بعض النظر القليل. لنتخيل, ولا نملك مع قومنا إلا التخيل للأسف الشديد, أن الأمر وقع مثيل له في فرنسا كم من مسؤولي الرياضة هناك سيؤدي ثمن هذه الفضيحة؟ لحسن الحظ عند علي ومنصف وبقية "الرباعة" التي تفعل ماتشاء في كرتنا المحلية لا إشكال, من الممكن أن نؤجل "البطولة براسها, ماشي غير القرعة" لكي ينعم أصدقاؤنا الفرنسيون ببعض التغيير في المناخ قبل استئناف دوريهم الخاص بهم. "الديبييزمون", هكذا يسمونه؟ أليس كذلك؟