كنا جميعا نتوقع أن تخصص التلفزات المغربية المختلفة من الأولى إلى ميدي أن تي في مرورا بالثانية طبعا تغطية خاصة من نوعها لمهرجان خريبكة للسينما الإفريقية لا لسبب آخر سوى لأن خريبكة مرت هذه السنة بأحداث استثنائية كانت تفرض على تلفزيوننا _ لو كان لدينا تلفزيون حقا مثلما يدعي الكثيرون _ أن يسارع إلى هناك وأن يقدم الصورة العكسية لكل مايروج في مختلف الصحف والوقائع عن حالة استثناء تمر منها عاصمة الفوسفاط المغربية, وأن يصور أكبر السينمائيين الأفارقة الموجودين في ساحة الفن السابع القاري اليوم وهم يتجولون ويمضون يومهم بهدوء في المكان الذي يقال في كل مكان إنه يشتعل أحداثا دامية. لاشيء من كل هذا وقع. تلفزيوناتنا لا تعترف بقارة إسمها إفريقيا, ولا تعترف بمدينة تسمى خريبكة, وطبعا لا تؤمن أن مثل هذه المهرجانات تستحق التغطية أو التعرية. التعليمات لم تصل بهذا الخصوص, سيقول الكثير من المسؤولين هناك, وسيضربون صفحا عن الموضوع كله. والمشكلة مع مشكلة التعليمات هاته أصبحت حقيقية بالفعل, خصوصا وأننا نحيا في بلد يقول لنا يوميا إنه يتغير أو على الأقل يريد أن يتغير, ويريد أن يقطع مع كل الظواهر التي صنعت "مجده البئيس" في كثير المجالات.
ما الذي كان يلزم لكي تغطي تلفزيوناتنا مهرجان خريبكة للسينما الإفريقية _ وهو اليوم أهم مهرجان في القارة بالموازاة مع الفيسباكو الذي تحتضنه واغادوغو البوركينابية وسيتفوق عليه بالتأكيد في السنوات المقبلة _ وما الذي كان يجب فعله لكي تكلف هذه القنوات نفسها عناء التنقل إلى تلك المدينة, التي ليست بعيدة على كل حال, لكي تنقل من هناك صور هذا الإشعاع القاري الذي يحتاجه بلدنا بالفعل؟ الجواب: لاشيء. كنا بحاجة إلى قرار من أي مدير من المدراء الخمسة والأربعين أو الخمسة والستين, الذين تتوفر عليهم _ اللهم لاحسد _ الشركة الوطنية وتوابعها, مركزيا كان أو جهويا, بضرورة تنقل طاقم إخباري إلى هناك, لكي ينقل صورة أفريقيا وهي تحاتضن المغرب سينمائيا, وصورة المغرب وهو يثبت جدارته بصدارة السينما في القارة هذه الأيام. كنا بحاجة إلى تلفزن أو إشارة صغيرة أو كبيرة من أي مسؤول في أي واحدة من هذه القنوات يقول فيها لأي صحافي لديه " عوض أن تمضوا الوقت في التغزل بأسبوع التبوريدة بذلك الشكل المذهل والمثير لكل أنواع الدهشة الذي رأيناه, سيرو لخريبكة, راه شاعلة فيها العافية, وواخا هاكاك فيها مهرجان ديال السينما, صورو لينا داكشي يوميا وقولو للمغاربة شنو كاين".
هذه العقلية التلفزيونية البدائية التي تشتغل بالبديهيات, والتي ينبغي أن تتوفر على ذكاء سياسي وإعلامي يسيران بتواز هي الشيء الذي ينقص تلفزيوننا "بالعربية تاعرابت". ذلك أننا إذا انكببنا قليلا على مشكل التلفزيون في المغرب, لن ننجر إلى مايقوله المتعالمون عن حاجتنا إلى أشياء كبيرة لا تتوفر اليوم في المغرب. كل مانحتاجه هو أن نفهم أن التلفزيون الأداة الصعبة للغاية في تأثيرها وعملها, أصبح اليوم سهلا للغاية إذا وجد من يسيره بهذه السهولة المستعصية على الكثيرين. والأشياء البسيطة والصعبة في الآن ذاته التي نحتاجها اليوم هي هذه بالتحديد. أن يفهم مسيرو نلفزيوننا أن وجود مهرجان سينمائي في مدينة تعرف توترا اجتماعيا هو هدية من السماء إليهم في اللحظة المناسبة, وأن يتقنوا القبض على تفاصيل هذه الهدية في لحظتها تماما. أن يفقه مسؤولو هذا التلفوين أن لحظة الحملة على الاستفتاء الدستوري بعد خطاب شجاع وجريء للغاية مثل الخطاب الملكي ليوم 9 مارس هي لحظة للتميز وللصعود لمستوى الخطاب الملكي, وليست لحظة للعودة إلى الوراء والقيام بتغطيات مخزية فعلا لما يجري في الشارع من حراك. أن يستوعب مسؤولونا أن المغاربة الذين يعتقدون أن مستوى ذكائهم لايفوق "للا العروسة", ولا يتجاوز "كوميديا", ولا يتخطى "ستوديو دوزيم" هم أنفسهم المغاربة الذين هاجروا من تلفزيونهم, وهجروا مشاهدته بسبب استبلادهم المدمن هذا, وسبب عجز مسيري هذا التلفزيون عن فهم العقلية الحديث للمغربي والمغربية اليوم.
مشكل تواصل؟ أفظع بكثير. مشكل قطيعة بين شعبنا وبين من يقررون له فرجته البصرية, والذين يحتقرون ذكاء الناس, ويعتبرون أفضل تتويج لهم في مهامهم أنهم "ماينوضش عليهم الصداع من الفوق". أما التحت, أما الشعب, أما أولئك الذين يبدون لهم مجرد أرقام في نسب المشاهدة والمتابعة فلايستحقون شغل البال بهم على الإطلاق.
لهذه الأسباب سيظل تلفزيوننا متخلفا إلى أن يأتي يوم يصبح فيه العمل "عاديا". يأتي إليه أناس ينتمون فعلا إلى عالم التلفزيون صباحا, يبحثون عما وقع في المغرب ذلك اليوم, يقدمونه مثلما هو. يبتكرون إبداعا وترفيها يشبه في تخييله خيال المغاربة الحقيقي, يقدمون ثقافة تستجيب لكل حاجيات المغربي المعرفية, لايزورون وقائع يعيشها المغربي فوق أرضه, ويكونون حاضرين في كل المواعد التي يعيشها المغربي من صباحه حتى المساء.
هل المسألة صعبة إلى هذا الحد الكبير؟ بالنسبة لمن يسيرون التلفزيون اليوم, نعم هي صعبة حد الاستحالة, وهذا ماتقوله كل الصور القادمة منهم إلينا. أما المستقبل فالله وحده الذي خلق التلفزيون وغير التلفزيون يستطيع أن يعلم بشكله كيف سيكون
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق تبرأت حركة 20 فبراير من الدعوة للتظاهر يوم عيد العرش, وقالت إنها لن تقوم بذلك مصححة خطأ كان سيحسب عليها بالتأكيد هي التي ظلت "عاقلة" في شعاراتها وخرجاتها, رغم دعوات "الحمق والطيش" التي دفعت في اتجاهها تيارات راديكالية تشكلهاو مايعني أن الأمل لم يفقد نهائيا في الحركة طالما بقي فيها عاقلون يعرفون إقامة الفوارق جيدا بين الاحتجاج ضد الفساد والمطالبة بإسقاط الاستبداد، وبين تصيد لحظات التوتر الحقيقية والوهمية, باصطناع المعارك التي لاعلاقة للشعب بها نهائيا. ترى، ألا زال بعض الأمل في هذه الحركة حقا؟