لا يشبه ساكنة الملاح في مراكش أهل داويير الحوز في أي شيء. الناس هنا. في الملاح غاضبون. و النساء خاصة. وهن اللواتي يرفضن بأي شكل من الأشكال الذهاب إلى أي مركز من مراكز الإيواء في الداوديات. أو 20 غشت. أو في القاعة المغطاة. ويطالبن بالحصول في الحين على سكن لائق. ومن أجل هذا الهدف. تنصب بعضهن خياما وسط ساحة الملاح. مصنوعة. كيفما اتفق. بالأقمشة. والملاءات. كما هو حال سيدة مع أطفالها. والتي كلما اقترب منها فرد من أفراد السلطة. صرخت في وجهه. ودخلت في حالة هستيرية من البكاء. رافضة أن تتزحزح من مكانها. إلى أن تحصل على شقتها. نقاشة مراكشية تراوغ ببراعة كانت امرأة مراكشية سمراء تقف وسط ساحة "باب الملاح". وبمجرد أن رأت آلة التصوير. شرعت تتحدث. وتحتج. وترفض مغادرة الساحة. وترفض الذهاب إلى مركز الإيواء. دون يسألها أحد. ويا لإمكانياتها الفنية. ويا لروعة مراوغات تلك السيدة . كأنها اللاعب البهجة. في فترته الذهبية. ففي وقت كانت تعبر فيها عن غضبها من السلطة المحلية. ومن عدم ثقتها في كل المسؤولين. مرت القايدة من أمامها. لتحييها تحية حب. منتقلة ببراعة. وبسرعة. من جو النضال والغضب والحزن. إلى جو التقدير الذي تكنه للسلطة. مخاطبة إياها بالقول"تحياتي سعادة القايدة". وربما لأنها نقاشة. وربما لأنها تشتغل أيضا لعّابة. كما أكدت ذلك إحدى جاراتها. ربما لهذه السبب تمتلك موهبة الغضب. والهدوء. والحزن. والضحك. في الآن نفسه. ربما. لهذا السبب تلعب بسهولة بمشاعرها. وتحركها في كل الاتجاهات. وتتحكم فيها. و لذلك. وفي اللحظة التي تدخل رجل أمن. حيته هو الآخر. مخبرة من يصورها أنه من"البريغاد. وكل ذلك بفنية. و بحسن تخلص. وبانتقال سلس. من الشيء لنقيضه. ومن الحزن. إلى الفرح. والعكس. ومن الاحتجاج على السلطة. إلى توجيه الشكر لها. وأثناء ذلك. جاء أعوان السلطة. وتدخلت القايدة. وتدخل أكثر من رجل أمن. و أكثر من جهاز. وجاء شاب يتحدث باللهجة التونسية. ويطالب بدوره بسكن. جاء مسرعا. وغادرا مسرعا. كأنه مهمة أخرى تنتظره في مكان آخر. لكن السيدة المراكشية لم تتأثر بكل ما يحدث حولها. مستمرة في مراوغاتها. وفي الأهداف التي تسجلها في مرمى السلطة. وفي مرمى الصحافة. ومثل كل جاراتها. فهي ترفض مغادرة الملاح. إلى مكان آخر. وترفض أن تذهب إلى الخيام في الداوديات. ومتأكدة أنهم يريدون التخلص منها. هناك. وأن الإقامة في مركز الإيواء ستطول. ورغم كل التحايا التي ترسلها إلى كل رجال السلطة. فهي لاتثق في أي أحد منهم. "شفتي. شفتي. هاداك لي واقف. هاداك هو المرشح ديالنا. ترشحت معاه فاللائحة. وعاونتو. و مادار ليا والو. وقلب وجهو". لكن "الأيام حناتة". تقول. وكتنويع على هذه الجملة. وزيادة في التوضيح. تقول إن "الزمن حنات والوقت بدالة". لن نسكن أبدا في الخيام! لن نركب في "الكار". لن نذهب إلى مركز الإيواء في الداوديات. لن نسكن في الخيام. كلهن. كل النساء في ساحة باب الملاح. يجمعن على ذلك. ويعرفن منطق السلطات. التي تحاول أن تقنعهم بمغادرة الملاح. "حيت هاد شي سياحي بغاو يدوينا فالكار للداوديات" تقول امرأة. "تيسحابونا ما عيقينش بيهم". قبل أن تتدخل النقاشة. اللعّابة. وتسجل هدفا آخر في مرمى السلطة. وتحسم الجدل بهذه التسديدة"أنا نيت صحراوية ومستاعدة نديهم براسي للخيام إلا بغاو". لايمكن. مستحيل أن نسكن في الخيام. تضيف امرأة أخرى. "فأنا ذهبت إلى الداوديات. لكني هربت". العيش هناك لا يحتمل. "في الخيمة الوحيدة رجال غرباء مع النساء"'. و"لا توجد سوى أربعة تواليتات". وفي كل مكان"ليكوش". وهو أمر يكذبه ممثل السكان. الذي يجزم بأن كل شيء متوفر في مراكز الإيواء. وأن كل ما تحكيه النساء غير صحيح بالمرة. لا تعطونا أكلا بل نريد سكنا يوجد في حي الميعارة بالملاح ملعب صغير. وقد استقر فيه كل الذين يرفضون الذهاب إلى الداوديات. ليتحول إلى مركز إيواء عشوائي. صنعته النساء بالأغطية. ويقول ممثل الساكنة مفتخرا "أنا الذي فتحته لهم". تحكي عجوز ضريرة أنها لم تتوصل بأي طعام منذ أربعة أيام. وهو ما أكدته أكثر من امرة في هذا المخيم. المتواجد في الحي الذي كان يتجمع فيه يهود الملاح. ولماذا؟ تجيب سيدة "باغيين يجوعونا باش نمشيو بزز للداوديات". ولكن "ماغاديينش نمشيو. حتى يعطيونا السكن". ليرد عليها ممثل الحي والمرشح الذي ترشحت اللعابة في لائحته"كنت مريضا أمس ولذلك لم أحمل لكن الطعام". وأول أمس تسأله سيدة غاضبة. ليجيبها أنه كان مريضا أول أمس. أيضا. لقد منعوا عنا المساعدات. تصرخ امرأة. وجاء جمال دبوز. ولم نحصل على شيء. و"تبرع أجنبي يملك رياضا لكننا لم نحصل على أي شيء". أما المرأة المسنة والكفيفة فقد أكدت أنهم حصلوا بالملاءات والأغطية لكننا لم نتوصل بأي شيء. وحتى الأكل لم نتوصل به. لقد وزعنا عليهم "بيغ ماك" ينفي رجل أمن في ساحة باب الملاح هذا الكلام جملة وتفصيلا. ويقول إن من بينهم من لم يسبق له ولا مرة واحدة أن تناول ماكدونالد. ومباشرة بعد الزلزال. تم توزيغ "بيك ماك" عليهم. إنهم يكذبون. يقول. إلا أن امرأة. كانت جالسة أمام جامع بريمة. وكأنها بذلك ترد على رجل الأمن. قائلة"بغينا السكن. ما بغيناش الماكلة". وفي ساحة الملاح. وعلى مرأى ومسمع من الجميع. ومن السيدة القايدة. ظلت امرأة تصرخ. وتردد" غير ديو الماكلة ديالكم. راه كنا تناكلو قبل الزلزال". مضيفة حتى "الشامبوان جا و داوه لديورهم وخلاونا خانزين". سيدنا خاصو يجي يشوف شعبو فالملاح تسعى النساء في ساحة باب الملاح أن يصل خبرهن إلى الجميع. و إلى كل القنوات. وإلى كل المواقع. وإلى الملك. وإلى الملك خاصة. ولذلك يتحدين السلطة. ويرفضن أن يخلين الساحة. ويصحن "عاش الملك". تقول واحدة منهن"سيدنا خاصو يجي يشوف شعبو" و"نهار جا عندنا ضربونا بالعصي". لم يمنحونا الخيام. "الناس هنا ميتين بالجوع وما تيوصلنا والو آسيدنا". لكنهن يرغبن في السكن. الآن. وربما لعدم واقعية هذا المطلب. فإنهن لم يتوجهن به إلى الملك. الناس في الملاح مبليين المستشار الجماعي الذي قال إنه كان مريضا. ولذلك تغيب. ولم يوزع الطعام على النساء. هو نفسه. وبرغبة منه. ودون أن يسأله أحد. أسر لموقع كود. أن الناس هنا مبليين. ويقصد أيضا النساء المحتجات. و"خاصك تعطيهم فلوس الكمية. خاصك تسكتهم كل نهار. وهذا هو "ما لا يمكن شرحه للسلطات". فقد بدا واضحا أنه لا يملك حلا لهذا المشكل. وأنه يعاني من تشبث نساء الملاح بمطالبهن. وأن الضغط كبير عليه. وأنه في ورطة حقيقية. فكلهن يشتمنه. كل النساء غاضبات ويشرن إليه بالإصبع. ويتهمنه بما لا يخطر على بال. وبعضهن مازلن يشتغلن معه. ويساعدنه. لكنهن لا يجرؤن على مواجهة جاراتهن. مطالبات بدورهن بالحصول على سكن. في أقرب وقت. 2500 درهم لا تكفي تعرف النساء في الملاح كل شيء. يعرفن بوجود تعويض لمن سقط بيته. ويعرفن قيمة التعويض. لكنهن يقلن إن وضعهن خاص. فمعظمهن يقطن في غرف. وفي بيوت كراء. ويرين أن لا أحد اهتم بهن. ولا أحد فكر في تعويض مناسب لهن. باعتبار أنهن لا يملك سكنا. إذ تخشى (م) أن تحصل على تعويض 2500 درهم الشهري فقط. "غادي نكري بربعين ألف ريال وعشرالاف لي غاديا تبقى أش غادي ندير بيها". وتضيف امرأة أخرى"أنا ولدي فالحبس محكوم عليه بعشر سنين. وإلا ما عطاونيش فين نسكن. ما غادياش نتحرك من هنا". و "حتى لو رغبت الواحدة منا في أن تبحث عن بيت للكراء. فلا أحد من الملاك يقبل بأن يتعامل مع كل من يتوفر على بطاقة وطنيه فيها عنوان الملاح". بسبب سمعته السيئة. ولذلك يشعرن بالخوف. ويرفضن مغادرة الملاح. ولا يثقن في كل من يضغط عليهن للذهاب إلى مركز الإيواء. و لا حل بالنسبة إليهن. ولا خطوة خارج أسوار الملاح. إلا بعد الحصول على سكن. أما وسيلة ضغطهن على السلطات. فهو موقع الملاح. وتواجد السياح الدائم فيه. كاميرا تجذب أجهزة الأمن! كانت امرأة تدخن لفافة حشيش في خيمة عشوائية. مبنية وسط ساحة الملاح. ومعها صغارها. وبالقرب منها كان طاقم طبي من متطوعين أنجليز يقيس ضغط المرضى. ويلف ضمادة حول قدم رجل مسن مصابة. وبمجرد ظهور آلة تصوير موقع كود. خرجت الأجهزة من كل مكان. وملأ الساحة رجال الأمن. والمخبرون. بمختلف أنواعهم. ثم جاءت القايدة وخلفها رجالها. وفي كل مرة كان يتدخل جهاز أمن. للتحقق من توفر مصور كود على رخصة التصوير. وبعد أن تنتهي عملية التحقق. وبعد أن يرى رجل الأمن البطاقة. يأخذ مسافة. مبتعدا خطوة أو خطوتين. ليأتي رجال أمن آخرون. مكررين نفس العملية. ثم يأتي المقدم. ثم تأتي القايدة وخلفها مساعدوها. ثم يأتي رجل أمن شاب يضع نظارات شمسية. ومن خلفها كان ينظر إلينا نظرات شزراء. ثم يأتي من يضع قبعة. ومن لا قبعة له. ومن يتحدث بلطف. ومن بتحدث بسلطوية. وأثناء ذلك. ووسط هذه الفوضى يمر نفس الشاب التونسي. محتجا بدوره. رافضا مغادرة الملاح. متعرقا. راكضا. مسرعا. لا يلوي على شيء. لتظهر فتاة تقول إنها مغربية يهودية. مستفسرة عن سبب الفوضى. ومعبرة عن دعمها لإخوانها المغاربة. وأنها جاءت من فرنسا حاملة معها علب منغنيز بحري لمساعدة ضحايا الزلزال. لكن لا أحد يقبل أن يتسلمها منها. وفي ساحة باب الملاح. في نفس الساحة التي تعج بالسياح. كان لطاقم موقع كود حظ التعرف على كل أنواع الأجهزة الأمنية. التي بلباس رسمي. وتلك التي يضع أصحابها نظارات. كما في الأفلام. وكلها في مهمة واحدة. هي التأكد من هوية طاقم الموقع. وقد كان التواجد الكثيف لمختلف أجهزة الأمن في ساحة باب الملاح فرصة مناسبة لمختلف الأجهزة الأمنية أن تتعرف على بعضها البعض. وتنسق في ما بينها. لكنهم لم يفعلوا ذلك. وكل واحد منهم كان يقوم بنفس المهمة التي يقوم بها الجهاز الذي سبقه في عملية التحقق. بما في ذلك من إهدار للجهد. وقد كنا في كود ضحية لغياب هذا التنسيق. وقد كان ذلك سببا لسوء الفهم الذي وقع. فرغم البطاقة المهنية التي تم تقديمها أكثر من مرة. فلا أحد اقتنع. ووحدهن النساء الراغبات في الحصول على سكن صدقننا. مبديات استعدادهن لقول كل شيء. وقد كنا قبل ذلك في جبال الحوز. بينما لم يتحقق أحد من هويتنا. ومن توفرنا على رخصة التصوير. لكن يبدو الأمر في الملاح مختلفا. فلا أحد وصل إلى ملاح مراكش. فالطريق إليه مسدودة. وصعبة. ولا يمكن الوصول إليها. ولا يمكن عبورها. لا بالسيارة. ولا مشيا على الأقدام. بسبب الوجود المكثف لكل أجهزة الأمن. وبسبب حساسيتها. وبسبب طابعها السياحي. وبسبب أن نساؤءا لا يشبهن النساء في ضواحي تارودانت. وفي أمزميز. وفي الحوز. وفي كل الدوايير المتضررة. وغاضبات أكثر منهن. ولهن دراية عميقة بكل أنواع الأجهزة الأمنية. وبالسلطة. وبالقايدة. وقد عثرنا عليهن صاعدات إلى أعلى قمة في جبل الملاح. ويرفضن بأي حال من الأحوال النزول إلى السفح وتلقي المساعدات. مطالبات بالحصول على سكن. و رافضات الذهاب إلى مراكز الخيام. بعيدا عن مدارس صغارهن. كما يقلن. وبعيدا عن ساحة المعركة. وبينما نحن نحاول أن نقنع القايدة. ظهرت المرأة النقاشة. واقتربت من الطبيبة المتطوعة الإنجليزية. وقالت لها بمغربية فصيحة: "آش بيت أنا بهاد التناسيون. أنا راه تيوصل ليا ديما لألف وميتين. وما سوقاش ليه". "واعطيوني أ عباد الله في نسكن بلا ما تداويوني". محيية من جديد "سعادة القايدة".وكل رجال الأمن. وكل الأجهزة المتواجدة بعين المكان. وفي تلك الأثناء كانت المرأة المفترشة الساحة مع صغارها. في خيمتها العشوائية. تمج سيجارة. وتمسح دموعها. ورجال الأمن كانوا يختفون. الواحد. بعد الآخر. كأنهم لم يكونوا هنا.