شبه عدد من الجمعويين الدور الآيلة للسقوط بالمدينة القديمة وإقدام السلطات المحلية في مدينة الدارالبيضاء على حشر المتضررين منها وتكديسهم في مدارس أو ملاعب بمساكن الألم التي أغرقت هؤلاء في وضع بئيس اطلعت عليه «المساء» عن قرب من خلال الزيارة التي قامت بها لكل من ملعب العربي بن مبارك ومدرستي الزيراوي والحنصالي، وروى لها «المتضررون» كيف أن السلطات أغرتهم بالانتقال إلى هذه الأماكن حتى يتمكنوا من الاستفادة من برامج إعادة الإيواء ليجدوا أنفسهم رهيني أوضاع اجتماعية مأساوية جعلتهم يتجرعون مرارة الندم لأنهم تركوا دورهم واستجابوا لنداء السلطة. «السجن أرحم من هذا المكان، على الأقل الإنسان يدخل إليه وهو يعلم بأنه ارتكب جرما يستحق بسببه العقاب، ولكن نحن ما ذنبنا أن يتم سجننا في مدرسة جدرانها متآكلة...»، الحديث يطول مع زبيدة، وهي ربة بيت تعيش وضعا مأساويا بمدرسة الحنصالي في مدينة الدارالبيضاء. زبيدة كانت تعيش في أحد بيوت المدينة القديمة الآيلة للسقوط، وقد تفاءلت لما علمت بأن انتقالها إلى المدرسة سيكون انتقالا مؤقتا، وسيكون إبإمكانها بعده الحصول على سكن يؤويها وبناتها، لكن وكما يقول المثل «تجري الرياح بما لا تشتهي السفن»، فحالها بعد مضي ثلاثة أشهر أصبح يدمي القلب ويجعلها تتحسر على ذاك اليوم الذي فارقت فيه جدران بيتها، التي وإن كانت هشة ومتآكلة فهي تشعر، على الأقل، بأنها لها ومنها؛ أما الوضع في المدرسة فهو شبيه، في نظرها، بحال المسجون الذي ينتظر انعتاقه. لم يكن دخول «المساء» إلى مدرسة الحنصالي سهلا، وذلك للمراقبة الصارمة التي يضربها عليها رجال السلطة المرابطون بخيمة منصوبة أمام الباب، حيث يراقبون الزوار الذين من المفروض أن يودعوا لديهم بطاقات تعريفهم الوطنية حتى يتمكنوا من الدخول في زيارة لأقاربهم «المقيمين» في المدرسة. « الله يخليك بغينا ندخلو نشوفو واحد السيدة جارتي ساكنة هنا»، تتحدث خديجة بصوت هادئ إلى رجل أمن كان جالسا داخل الخيمة يحتسي كوبا من القهوة في ذاك الصباح، فأجابها: «ماشي مشكل، دخلي وما تعطليش». كانت الشكوك تراود خديجة حول احتمال رفضه السناح لنا بالدخول، ولكن من حسن الحظ أننا تمكنا من تحقيق الغرض الذي جئنا من أجله. سجن الحياة المكان شبه خال إلا من بعض النساء اللواتي يقمن بنشر ملابس أطفالهن على حبال دُقَّت مساميرها في جدران المدرسة المتآكلة التي تحولت، بين عشية وضحاها، من نموذج محراب للعلم والتعلم إلى مأوى لأكثر من 80 عائلة، تشردت بعدما أصبح البناء الهش الذي كانت تعيش تحت ظله يشكل تهديدا لحياتها. التجول في المدرسة يعطي الزائر فكرة عامة عن الوضع.. حجرات الدرس أصبحت ممتلئة بأمتعة الأسر الحزينة، كل أربع عائلات تقتسم حجرة واحدة، رسمت حدودها بأثواب وأغطية بالية، لا تقيهم شيئا. نادت خديجة من أمام نافذة إحدى الحجرات: حليمة، ليُسمع صوت خشن لرجل أربعيني، أطل بوجهه من النافذة وفي فمه سيجارة، يقول: «طلعي الفوق». صعدنا بخطى ثابتة في سلالم المدرسة، قاصدين الغرفة التي تقطن فيها حليمة، امرأة جميلة الملامح، استقبلتنا في ذاك القسم الذي يشبه خيام «المعتقلين»: «دخلوا مرحبا بيكم، هذا ما عطا الله»، قالت حليمة مرحبة. جلست في كرسي بالقرب من الباب وأنا أترقب قدوم أحدهم، فقالت وهي تضحك: لا تخافي، فقد أغلقت الباب جيدا. لتجلس أمامي وهي تحمل ابنتها ذات الثمانية أشهر، وتشرع في الحديث عن معاناتها في المدرسة بعدما تم إعلامها بضرورة مغادرة البيت الذي كان يؤويها وزوجها وأبناءها في حي المعيزي بالمدينة القديمة، مخافة سقوطه على رؤوسهم كما حدث مع جيرانهم في الحي المذكور. في القسم الذي تقطنه حليمة توجد أربع عائلات، تقول: «فارقين بيناتنا بليزور، هادي عيشة، كلشي مشروك»، «معاناة تزداد -تضيف حليمة- بفعل البرد وقلة الأفرشة»، قبل أن تسترسل: «منعوني نجيب فراشي، وإلى جا عندك شي حد دخليه بلاكارت.. جات عندي الواليدة، حطت لاكارت من 10 الصباح حتى 5 العشية وقالت لي: الله يا بنتي بحالْ إيلا غنزورك في عكاشة». في المدرسة التي تؤوي العديد من الأسر التي هدمت دورها أو في طريقها إلى ذلك، هناك العديد من الظواهر التي يتحدث عنها من يقطنون بها، ففي حالة المرض، مثلا، ليس هناك طبيب يعالج المرضى، فزهرة -على سبيل المثال- لديها ابنة تقول إنها تعاني من داء التهاب الكبد الفيروسي، وأجرت لها عملية، ولكن لا أحد سأل عنها. من الظواهر المنتشرة في المدرسة كذلك، حسب من تحدثنا إليهم، نجد الدعارة ومعاقرة الخمر، فقد قالت لنا زهرة: زوجي دخل في شجار مع أحد «السكايرية» الذي كان يدخن الشيشة وكانت الرائحة تدخل مباشرة إلى الحجرة التي نقطن بها ونحن لدينا أطفال صغار نخاف عليهم من الاختناق بفعل تلك الرائحة القوية.. ليست هناك مراقبة، الأمر الذي تنتشر معه أيضا السرقة، فإذا لم تراقبي أمتعتك قد لا تجدينها». زهرة، التي كانت تقطن بدرب الشلوح، تقول: «جئت بابنتي وعمرها لا يتجاوز ثلاثة أشهر، وهي اليوم تبلغ من العمر سبعة أشهر، ومازلنا نعيش على أمل الاستفادة». لكن حالة زهرة تبدو أرحم من حالة فدوى التي لديها ابن معاق أجرت له عملية على عينه وليست لها إمكانيات لتتكلف بعلاجه: «احنا يا أختي عايشين هنا بحال لا مشدودين.. الأكل أطبخه بالتخبية». قالت زهرة، متحسرة، إن زوجها أراد في إحدى المرات الاختلاء بها كأي متزوجين، فقام بإقفال الباب بعدما حاول استغلال خلو المكان من العائلات، ليطرق الباب بقوة رجل سلطة ويصرخ في وجهيهما: «علاش سادين الباب؟». وتضيف أنها دائما تطالب بحقها هي وباقي النسوة ليرد «خليفة»: «عجبكم الحال هو هاداك ما عجبكمش سيرو تكريو»، لتعقب خلال حديثها إلي متحسرة: «كون كان عندي واش غنرضى بهاد الدل. تتمتم خديجة، التي ترافقني، قائلة: «نعيش في الزنقة وما نعيش هنا، على الأقل في الشارع الناس سوف يحترمونك وحتى لو لم يفعلوا سيخافون منك»، فتبكي زهرة: «هنا راه دايرين لينا بحال الكلاب حشاك». مساكن الألم مشاكل قاطني مدرسة الحنصالي لا تعد ولا تحصى، فهم مازالوا لم يتقبلوا الوضع الذي يعيشون فيه، وهو وضع ازداد سوءا بعد الأمطار التي تساقطت على المدينة والتي جعلتهم يغرقون في برك مائية، ويبقى مشكل المراحيض هو المشكل المطروح بحدة، خاصة وأن الإضاءة منعدمة فيها. أغلب الأسر معوزة، ليست لها القدرة على تحمل أعباء الكراء أو السلف، لأن أرباب أغلبها ليس لديهم عمل قار، تقول فوزية، وهي «نقاشة»: «زوجي معاق ومسجون، وأنا عايشة في هاد المدرسة يتيمة لا حنين لا رحيم». وللشباب والأطفال أيضا نصيب من المعاناة، فقد تحدث ياسين -وهو شاب في العشرينات من العمر خرج من الإصلاحية حديثا، ليجد إخوته ينامون في خيمة داخل المدرسة بعد أن أوشكت الدار التي كانت تؤويهم على السقوط فوق رؤوسهم- قائلا: «الناس لم يجدوا بديلا، هادشي علاش صابرين هنا»، معبرا عن كون الحياة في الإصلاحية أفضل من الحياة في تلك المدرسة. كما تحدث أخوه الصغير، فهد، الذي يدرس بالمستوى السادس من التعليم الابتدائي، عن الصعوبات التي يجدها في التحصيل، ذلك أنه لا يستطيع إعداد التمارين وحفظ دروسه في تلك الظروف. وفي الوقت الذي تحدث فيه البعض عن القمع الذي يتعرضون له داخل المدرسة من قبل أعوان السلطة، نفى البعض الآخر ذلك معتبرا أن المراقبة ضرورية بالنظر إلى انتشار المنحرفين في الحي الذي توجد فيه المدرسة. أغلب الأسر التي توافدت على مدرستي الحنصالي والزيراوي وملعب العربي بن مبارك هي أسر تنتمي إلى أحياء آيلة للسقوط، كأحياء المعيزي وبوطويل وكلميمة، وأخرى سقطت أو مهددة بالسقوط بين حين وآخر، والخشية كل الخشية من ألا يتم التدخل إلا بعد أن تقع الكارثة كما حدث مع سكان درب المعيزي الذين سقطت منازلهم على رؤوسهم مع أن حناجرهم قد بحت من فرط الاحتجاج ونداءات الاستغاثة. في هذا السياق، شبه عدد من الجمعويين المدرسة أو الملعب اللذين تم نقل المتضررين من السكن المتداعي للإقامة فيهما مؤقتا، كما قيل لهم، بالمسكن الذي يزول مفعوله في دقائق، وهو ما حدث فعلا لهؤلاء الذين أغرتهم السلطات المحلية للعاصمة الاقتصادية باللجوء إلى تلك الأماكن حتى يتمكنوا من الاستفادة كغيرهم من برامج إعادة الإيواء، ذلك أن أغلب من تحدثنا إليهم في مدرسة الحنصالي، مثلا، ندموا على رحيلهم من منازلهم. ومن المتتبعين من اعتبر أن الحل الذي تم اللجوء إليه هو اقتباس للحل الذي اتخذه إدريس البصري عند وقوع فيضانات درب السلطان سنة 1996، وهو ما اعتبروه حلا ترقيعيا وليس حلا جذريا لأزمة سكان المدينة القديمة. خيمات ستاد فليبس تركنا وراءنا مدرسة الحنصالي واتجهنا صوب العربي بن مبارك أو ما يسمى بستاد فيليبس في الدارالبيضاء. كان الدخول سهلا لأن خديجة مرافقتي تمتلك خيمة داخل الملعب. وأنت تدخل من الباب الرئيسي للملعب تخال نفسك تلجه لمشاهدة مباراة في كرة القدم، لتفاجأ بخيام بيضاء نصبت في كل الأماكن على رقعة الملعب الذي تحول إلى معرض من نوع آخر.. يستعرض معاناة سكان المدينة القديمة بكل أنواعها، الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية. دخلنا إحدى الخيمات، فالتحقت بنا مجموعة من النساء اللواتي يحرسن أمتعتهن في تلك الخيام حيث افترشن زرابي بالية وما جلبنه من أمتعة. وانبرت خديجة للحديث قائلة» «ما دخلي ما تخرجي بحالا في الحبس، يدخلو عندك الناس بالشوار ويخرجو بالشوار، الزبل والوسخ راحنا فيه، القمل ولا فينا، شنيولة قتلاتنا..». كانت خديجة، الحامل والأم لثلاثة أطفال، تأمل أن تتغير حياتها إلى الأفضل بعدما شارف منزلها، رقم 45 في درب العوجة، على السقوط، لكنها اصطدمت بواقع آخر لم تتخيله بعدما تم ترحيلها إلى جانب آخرين وتقديم الوعود إليهم بإعادة إسكانهم. تتكلم بنبرة حزينة وتحكي عن الشهور الثمانية التي قضتها في المخيم، بحلوها ومرها، قائلة إن الوعود التي قدمت إليهم تتجلى في أن استفادتهم من مساكن إعادة الإيواء قريبة، وأن مكوثهم في المخيم لن يتجاوز عشرة أيام، غير أن المدة طالت كثيرا؛ مضيفة أن رجال السلطة الذين قدموا إليهم تلك الوعود اختفوا عن أنظارهم، إذ لم يروهم مرة أخرى طيلة مدة مكوثهم في المخيمات. وشرحت كيف أنه تم إخبارهم في البداية بالاستفادة من شقق في منطقة تيط مليل وكيف أنهم احتجوا على بعد المسافة، فطلب منهم آنذاك الانتظار، غير أنهم فوجئوا مؤخرا -تضيف المتحدثة- بأن تلك الشقق منحت لمتضررين آخرين، ليظلوا هم يتجرعون مرارة الانتظار. وتقول نجاة، التي رزقت بابنة في المخيم، إنها من المستفيدين في مشروع المحج الملكي، وإنه لم يتم إلى حد الآن الالتفات إلى حالتها وحالة من معها، متحدثة كذلك عن وضعيتها الصحية هي التي تداهمها في كثير من المرات نوبات في جهازها التنفسي تنقل على إثرها إلى المستشفى. يضم ملعب العربي بن مبارك اليوم عشرين خيمة تؤوي مجموعة من سكان المدينة القديمة الذين تصدعت شققهم بفعل التقادم، وفي كل خيمة هناك سبع عائلات على الأقل، تعيش كما يعيش المهجرون من أراضيهم، في وضع مزرٍ، أشعرَهم بمزيد من الظلم ومزيد من القهر. وتقول خديجة إن الوضع الذي تعيشه الأسر في المخيم أرحم من ذاك الذي تعيشه أسر أخرى في المدارس، لكن مع ذلك فتلك الأسر تتجرع مرارة البرد وانتشار القمل والحشرات الضارة.. «التواليت خانزة، الطوبات ينقزو عليك، القمل واللا، حتى هادوك اللي كانوا يجيو يديرو الدوا مابقاوش يجيو»، تتابع خديجة. زيادة على ذلك، تم إخبارنا بأنهم لا يستطيعون جلب احتياجاتهم من الأسواق المحيطة بهم، بسبب غلاء الأسعار، فسابقا كانت عشرون درهما تكفيهم لإعداد وجبة غداء لجميع أفراد العائلة، أما اليوم ف»ولادهم ميتين بالجوع»، تقول نجاة، التي هي يتيمة الأب والأم، متزوجة، زوجها -كما تقول- «طالب معاشو»، وتحكي معاناتها داخل المخيم قائلة: «واحد النهار هجمو علينا السكايرية وما كاينش اللي حاضي، غير مخزني واحد فيه خونا فيه كلشي»، كما تحدثت عن القمع الذي يتعرضون له على يد السلطات: «احنا غير دراوش». وطالب النسوة، أخيرا، بزيارة ملكية للاطلاع على حالهم الذي يدمي القلب.
في قلب مدرسة الزيراوي في ذاك الشارع الراقي الموجود في قلب مدينة الدارالبيضاء، توجد مدرسة الزيراوي التي تحولت إلى مأوى ل»دراويش» المدينة القديمة، حجراتها تقتسمها عائلات قادمة من أحياء البيضاء القديمة المهمشة. دخلنا بسرعة خاطفة والتقينا بأمينة التي ووضعتنا في الصورة، حيث رافقتنا في جولتنا داخل المدرسة لنلمس عمق المعاناة. لقد رحلت جميع أثاثها وأمتعتها ووضعتها في الجانب الأيمن من القسم، أمينة تقول إنها أم لسبعة أطفال، وإنها لم تجد مأوى آخر بعد انهيار بيتها في زنقة كلميمة. وتحدث زوجها احمد، من جانبه، عن فيلم «سير وجي» الذي قضاه بين السلطة المحلية وشركة سوناداك، والجواب دائما -يقول- هو المزيد من الانتظار. خروجهم جاء بعد قرار اتخذته لجنة زارت المنطقة ليتم إخبارهم بأن 242 منزلا مهددا بالانهيار، وأن عليهم الالتحاق بمدرسة الزيراوي مؤقتا؛ لكن المدة طالت وبدأ صبرهم يضمحل شيئا فشيئا.. معاناة -تقول رحمة، القادمة من حي بوطويل في المدينة القديمة- ازدادت بعدما امتلأت المدرسة بمياه الأمطار والعطب الذي أصاب آلات التبريد، والنتيجة أن «لحم العيد خسر لينا»، تقول المتحدثة.
سراج الدين موسى : الذين يديرون شؤون الدارالبيضاء ينهجون سياسة التأجيل وإعطاء «المسكنات» - في نظرك، هل لجوء السلطات المحلية إلى إيواء سكان المدينة القديمة، المهددة دورهم بالانهيار، في المدارس هو أفضل حل لتدبير الأزمة؟ الأشهر التي قضتها العائلات في كل من الملاجئ الثلاث، ملعب العربي بن مبارك ومدرسة الزيراوي ومدرسة الحنصالي، والأوضاع القاسية التي تعيشها العائلات، أظهرت فشل هذا الحل الذي يمكن اعتبار أن من اقترحه يريد فقط التخلص من هذا المشكل كيفما كانت النتائج، كما أثبتت فشل سياسة معالجة المشاكل الاجتماعية التي تعرفها المدينة. كذلك، نحن أمام حلول أعادتنا إلى سنوات التسعينيات، وبالضبط فيضانات سنة 1996 بدرب السلطان عندما طبق الراحل إدريس البصري الإيواء بالمؤسسات التعليمية، حيث نجد أن نفس الحلول تطبق اليوم، رغم أن الواقع الحالي للمغرب يختلف عنه خلال السنوات الماضية. تصوروا سكان هذه الملاجئ محشورين في خيم وأقسام لا توجد بها أدنى شروط الصحة والسلامة والكرامة، ولاسيما إذا علمنا بأن المرافق الصحية مشتركة ما بين النساء والرجال والبنات والأولاد، إلى غير ذلك من مظاهر «الحكرة». وكل هذا تعيشه هذه العائلات في غياب تام للكرامة الإنسانية. وإذا كنت قد استعرضت هذا الواقع، فلأقول إن الدارالبيضاء وسكانها كانوا ضحية مخطط يرمي إلى التحكم في الناس واستبلادهم، والاغتناء على حساب الغير اليوم. - من المسؤول، في نظرك، عما آل إليه ملف السكان المتضررين من الدور الآيلة للسقوط؟ اليوم، نحن أمام إشكال اجتماعي وإنساني، وأمام فشل السلطات المحلية بعمالة مقاطعات الدارالبيضاء أنفا في تدبير الشأن العام ومشاكله، خصوصا وأن الأسلوب الذي تدار به الأمور لا يخدم الصالح العام ولا المجال الحضري، بل يخدم المصالح الخاصة لمسئولين أصبحوا يمتلكون الأرصدة البنكية والعقارات على حساب مآسي السكان. وهول الكوارث التي عرفتها المدينة القديمة يضعنا مستقبلا أمام كارثة إنسانية ستطيح بالعديد من الرؤوس. إن الأوضاع بالعمالة وعلى صعيد الدوائر الحضرية والملاحق الإدارية التابعة لها هشة ويجب مقاربتها بجدية وحزم ومصداقية وبتحمل المسؤولية الكاملة. والغريب في هذا الملف أنه رغم التوجيهات الملكية الواضحة والصارمة بحل إشكالاته وخلق لجنة وزارية، يظهر أن الذين يديرون دواليب وشؤون الدارالبيضاء، من الوالي إلى العامل إلى عمدة الدارالبيضاء وأعضاء مجلسها، ينهجون سياسة التأجيل وإعطاء «المسكنات» من خلال اللجوء إلى حلول قديمة، حتى أصبحنا نتساءل هل الدارالبيضاء تمتلك ممثلين حقيقيين لسكانها؟ وهل الدارالبيضاء لها رجالاتها، ولها مسؤولون حقيقيون، أم إننا أمام أشباه مسؤولين ينتظرون التعليمات حتى يتحركوا؟ - كيف يمكن للعاصمة الاقتصادية أن تحقق طفرة نوعية في ظل المشاريع التي تحتضنها ومشكل سكان المدينة القديمة مازال عالقا؟ يمكن القول إن مدينة الدارالبيضاء هي رهينة مافيا العقار وسماسرة الانتخابات وأناس جاؤوا من خارجها ليتحكموا فيها ويبعدوا من هو بيضاوي المنشأ عن مدينته. الدارالبيضاء هي ضحية مخططات صاغها أناس على مقاسهم لكي يستفيدوا وينهبوا خيراتها، وهي اليوم تعيش تراجعا كبيرا على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي... لأن من هم في هرم السلطة، المتحكمين في تسيير مرافقها، لا حول ولا قوة لهم في إدارتها، لأنهم هم كذلك مسيرون وتابعون لجهات تنهج أسلوب «التيليكموند». إنها وضعية صعبة تعيشها اليوم الدارالبيضاء التي تعرف تغييرا في الحجر والبشر، ومحو الذاكرة وفشل كل مخططات التأهيل (نموذج مشروع تأهيل المدينة القديمة، الذي يعد ورشا ملكيا تم إفشاله من طرف مسؤولين تجب محاسبتهم على ما قاموا به)، هذه المدينة التي لا زالت تعاقب على أحداث 1981 وحراك 20 فبراير الذي كشف أن هناك إمكانية لتحرير الدارالبيضاء من مافيا الفساد والمفسدين، والذي نبه إلى خطورة المآسي التي تعيشها. رئيس جمعية أولاد المدينة