في بلادنا، يمكن أن يكون الانتحار بمحض الإرادة، وتتويجا قانونيا للرضى عن الانزلاق. في بلادي يمكن أن تغتصب الطفلة بمحض إرادتها، وتتزوج من مغتصبها بمحض إرادتها، وتنتحر، أيضا، بمحض إرادتها. وفي بلادي يمكن أن تنتحر المغتصبة بمساعدة القضاء وبتسويغ قانوني من وزير العدل والحريات. وزير العدل والحريات في بيانه أثبت بأنه من الممكن أن نجد من لا يهتز كيانه لاغتصاب طفلة وانتحارها، لأنها، لسبب بسيط، كانت راضية، وهي تغتصب. ولأنه في عقل باطني ما يقول صوت قادم من الماضي، أن الزواج يمكن أن يتم بالاغتصاب وبالطفولة.. في بلادي، أيضا، يمكن أن تتضامن مع المنتحرة، لأنها انتحرت مغتصبة، وتجد من يطالبك بالعودة إلى بيتك والكف عن هذه «المزايدة»... وفي بلادي، أيضا، يمكن أن تحصل الكارثة، ويطالبونك بالدم البارد والتروي حتى .. تنساها وتتكرر في جسد آخر، وفي روح أخرى.. وفي بلادي يمكن أن يكون الاغتصاب مقدمة للزواج، ويظل الزواج هو ممارسة الاغتصاب بطريقة أخرى، وإذا أدى إلى الموت يصدر بيان يوضح لماذا كانت الضحية راضية وهي صاعدة إلى المشنقة. لا نفهم لماذا تكون القضية باردة في لغة الخطاب الرسمي، كما لو أنها مجرد حادثة سير عادية في طريق ليلي! كما لو أن الانتحار مسألة ترتيب نفسي لفاجعة جنسية. إن الدولة منذ مونتيسكيو قد تقضي لأنها تسمح باغتصاب تحت راية القانون. انتهاك القانون لا يصل إلى انتهاك الحق في الحياة إلا إذا كان مسنودا بإرادة عمياء، لا ترى هول الصدمة وهول الكارثة. وهل يمكن أن تدعي أمة بأن جسدها سليم إذا لم تشعر بالألم الذي يمزق أحشاء طفلة، أحشاء فتاة قاصر، التقى الفقر والقبيلة والتواطؤ على تهييء جنازتها، وقد صار كفنها نصا أبيض مفتوحا للقراءة القاتلة؟ هل يمكن أن ندعي بأننا سليمي العواطف، عاديين ونحن نقود فتاة قاصر إلى بيت الطاعة، ومن ثم إلى المقبرة؟ هناك قوانين يجب أن ترقى إلى صف الحياة وإلى صف التاريخ، وإلا سنجد غدا من يغتصب ابنة 9 سنوات، ونجد الفقيه الذي يشرع الزواج بها. ونخبيء كلنا رؤوسنا في رمال العادة والتقاليد والقبيلة.. من المخجل حقا أن يكون هناك من يجد مسوغا لاغتصاب القاصرات وتسويغ النهاية المأساوية. أمينة ليست رقما، بل هي إنسان، والإنسان اليوم واجب أخلاقي أيضا.. بمعنى فن الوجود وليس بحريم الانتهاك والدم.. إنهم يريدون منها أن تبتسم، وهي ميتة حتى لا يشعرون بالخجل، إنهم يريدون منها أن تلوح لهم بيدها وبمناديل العطور حتى لا يشعرون بحجم النتانة فيما حدث، ولا يشعرون بأنهم موتى بمساعدة القانون. ينشر عمود "كسر الخاطر" في "كود" باتفاق مع رئيس تحرير الاتحاد