إن ظاهرة الهدر المدرسي تعني التسرب الذي يحصل في مسيرة الطفل الدراسية، التي تتوقف في مرحلة معينة دون أن يستكمل دراسته، لكن نفس الظاهرة، يرد الحديث عنها في كتابات بعض التربويين بالفشل الدراسي الذي يرتبط لدى أغلبهم بالتعثر الدراسي الموازي إجرائيا للتأخر، كما تتحدث مصادر أخرى عن التخلف واللاتكيف الدراسي، وكثير من المفاهيم التي تعمل في سبيل جعل سوسيولوجيا التربية أداة لوضع الملمس على الأسباب الداخلية للمؤسسة التربوية من خلال إنتاجها اللامساواة إلا أننا بشكل عام نتحدث عن الهدر المدرسي باعتباره انقطاع التلاميذ عن الدراسة كلية، قبل إتمام المرحلة الدراسية أو ترك الدراسة قبل إنهاء مرحلة معينة. إن الظاهرة بشكل عام تؤرق المجتمعات العربية، فهي تحمل كل مقومات الفشل سواء على المستوى الفردي أو على مستوى المجتمع، وهي من العوامل القادرة على شل حركة المجتمع الطبيعية وتقهقره عائدة به إلى الجهل والتخلف والانعزالية بعيدا عن نور التطور ومواكبة لغة العصر في التقدم والانفتاح. والهدر يشكل معضلة تربوية كبرى، لأنه يحول دون تطور أداة المنظومة التربوية، خصوصا في العالم القروي، ويحدث نزيفا كبيرا في الموارد البشرية، ويؤثر سلبا على مردوديتها الداخلية ويستفاد من معطيات رسمية أن نسبة الإنقطاع عن الدراسة في مجموع المرحلة الابتدائية بالمغرب تصل إلى 95 ,3% بالنسبة لمجموع التلاميذ بينما تصل إلى ,913% لدى الإناث، وفي ما يخص التعليم الثانوي الإعدادي، فتصل نسبة الهدر إلى 26 ,6% بالنسبة للمجموع و61 ,5% لدى الإناث، أما في ما يتعلق بالتعليم الثانوي التأهيلي، فتبلغ بالنسبة للمجموع31,3% وبالنسبة للإناث20 ,3% وتمثل مرحلة الانتقال من التعليم الابتدائي إلى التعليم الثانوي الإعدادي حدة هذا النزيف، إذ قاربت 10% بينما بلغت 45 ,4% في الانتقال بين التعليم الثانوي الإعدادي والتأهيلي. وإذا كانت ظاهرة الهدر المدرسي يصعب تحديد أسبابها بشكل دقيق، فإنه يتداخل فيها ما هو ذاتي أو شخصي، بما هو اجتماعي لينضاف إليه ما هو اقتصادي، دون إغفال ما للجانب التربوي من تأثيرفي هذه العملية، فإن الضرورة صارت ملحة أكثر من قبل لمواجهة ظاهرة الهدر المدرسي، وإن كان هناك إحساسا رسميا بخطورتها، غير أن الجهات المسؤولة وحدها ليست كافية للقضاء على الظاهرة، بل ينبغي أن يصبح المجتمع بكل مكوناته معنيا، سلطات مختصة، المجتمع المدني، الفاعلون التربويون، رجال ونساء التدريس، التلاميذ، الآباء. وتجدر الإشارة أن الجهات الوصية عن التربية والتكوين أصدرت منذ سنوات مذكرة تدعو مجالس التدبير إلى البث عند الموسم الدراسي في طلبات الراغبين في العودة إلى كل من فصل عن الدراسة لسبب من الأسباب، واستعادة الأفواج من المتعلمين الذين انقطعوا عن الدراسة وتسهيل مسطرة هذه العملية.