منذ تنصيب الحكومة الجديدة، لم نعد نملك وجها نواجه به العالم ، فقد طالت مدة الصمت والجمود في قطاع حيوي، كون الثقافة مثل الماء والهواء. ووزارة الثقافة صامتة وجامدة كأننا في موت سريري ستعلن إثره خلال الدخول الثقافي المقبل عن تشييع نهائي لجنازتها. بعد أسابيع قليلة سيحل موعد الدخول الثقافي للموسم الحالي سبعة عشر وألفين، وإن كانت كلمة الدخول الثقافي لم تتجذر بعد في تقاليدنا الثقافية باعتبارها فترة من السنة يتعرف فيها القارئ على جديد الإصدارات والإبداع الفني والفكري والأدبي؛ ويكون مناسبة لتقييم أداء المؤسسات والجهات المشرفة على الشأن الثقافي ومراجعة التوجهات السياسية في المجال. وقولنا بان التقاليد لم تترسخ لدينا ، نابع كوننا لم نصل بعد إلى بناء اقتصاد ثقافي حقيقي منتج للثروة المادية واللامادية في نفس الآن من جهة، ومن جهة أخرى لأن احتكار بعض الجهات لقنوات الإنتاج الثقافي والعلمي يعطل الكثير من الطاقات ويهدر فرص الاستثمار في الموارد البشرية بصفتها الرأسمال الحقيقي لكل نهضة. ومع ذلك، نعود ونتساءل عما يتم تحضيره للموسم الثقافي المقبل؟ هل سنكتفي بإعادة إنتاج نفس الأنساق المرتجلة أم سنجعل من هذا الموسم عطلة لمراجعة طرق الاشتغال وإعادة النظر في طبيعة العلاقة والمعايير المعتمدة في تقييم ودعم وتسويق المنتوج الثقافي وبجميع أنواعه، وفي مجال الكتاب على وجه التخصيص. فلكي يكون لنا دخول ثقافي بالمعنى الحقيقي للكلمة، لابد من تشجيع مهنييه وتمكينهم من الوسائل الكفيلة بخلق نقاش مجتمعي حول الإصدارات الجديدة ومضامينها في شتى المجالات، كما يتم تصحيح علاقة الإعلام بالشأن الثقافي، لما للإعلام من تأثير في ترويج وتقبل أي منتوج. وأخيرا لا بد من فتح حوار هادئ ومسؤول مع المتدخلين الذين أبانوا عن قدرة وقابلية لخدمة الثقافة، وفي مقدمتهم الكتبيون باعتبارهم فاعلين تاريخيين في الترويج للكتاب وخلق دينامية لا يستهان بها في مجال تشجيع القراءة والترويج لها. وفي الأخير، نتمنى أن تكون الهيكلة الجديدة لوزارة الثقافة والاتصال بداية حقيقية لمشروع ثقافي وطني بعيدا عن الإقصاء والإهمال والاحتكار ...فالثقافة قاطرة لعدد من القطاعات ليس أولها التعليم ولا آخرها السياحة . الثقافة هي وجهنا أمام العالم فلا تقطعوا رؤوسنا أو تجعلوا القطط السمينة تخدشها... فقد طال الصمت والإهمال.