نسمع منذ سنوات، في مثل هذا الوقت، حديثاً عن "الدخول الثقافي"، يكون بمثابة إعلان عن انطلاق موسم ثقافي جديد، وذلك بالتزامُن مع أنواع أخرى من "الدُّخُول"؛ كالدخول السياسي، والدخول الاجتماعي، والدخول المدرسي. ويصاحب ذلك الحديثَ نقاشٌ مستفيض، تخصص له الصحف الورقية والإلكترونية حيزا مهمّا من صفحاتها ومساحتها، ويتحول، غالباً، إلى "مناسبة مواتية لمُحاكمة الوضع الثقافي بالمغرب"؛ على حد تعبير الكاتبة ليلى بارع. ولعل ذلك النقاش راجع، حسب الكاتبة نفسها، إلى "الجاذبية التي يمارسها الدخول الثقافي الذي تعرفه الدول الغربية، خاصة فرنسا؛ بحيث يُلْقي هذا الدخول بظِلاله على الوضع الثقافي المحلي"1. لقد دأبت الدول الغربية (ولنأخذ نموذج "فرنسا") على تدشين دخولها الثقافي في بداية شتنبر من كل سنة، ويستمرّ حوالي شهرين، تجعله مناسبة لطرْح العناوين الجديدة التي أصْدرتها دورُ النشر والمؤسسات والجهات الناشرة للكتاب أو الداعمة له، وتقدَّرُ بالآلاف العديدة، وللوقوف وقفات تأمل من أجل تقييم حصيلة ما أنجِزَ خلال الموسم الثقافي الذي مضى، وتسطير برنامج الأنشطة الثقافية المُزمَع إنجازها خلال الموسم المقبل، ولتوزيع الجوائز على الأعمال الجديدة المُتوَّجة، وما أكثر الجوائز التي توزَّع، في الدول المتقدمة، في هذه الفترة من السنة، وجائزة نوبل للآداب نفسُها تُمنَح لمُسْتحِقّها خلال أكتوبر. وبهذا كلِّه، يحقّ الحديث عن دخول ثقافي فِعْليّ في تلك الدول، التي تهتم بالشأن الثقافي والفني والأدبي اهتمامَها بسائر الجوانب الحياتية من اقتصاد وسياسة وغيرهما، ابتداءً من شهر شتنبر على مشارف توديع فصل الصيف واستقبال فصل الخريف الذي يجعلونه فصل عطاء ثقافي ثرّ، وإنْ سبق أوانَ التساقطات المطرية وإزهار الطبيعة. يقول محمد بشكار إن دور النشر العالمية، في بلدان الغرب بصفة خاصة، تغادر في هذه الفترة المفصلية من السنة "رُفوفها المتثائبة، التي ما أكثر ما تصبح في زمن الكساد الفكري قبوراً مصفوفة لكتبٍ يدور عليها الحَوْل دون أن يقرأها أحد، لتخرُجَ هذه الدور على الناس بمئات العناوين الجديدة في شتى الحقول الأدبية، وكأنّ قدرَ الكتاب في هذه البلدان المَمْسوسة بعشق الإبداع والحياة أن تسبق المطر في الازهرار والاستوْراق لتصنع فصلا آخرَ لا يُؤمن بالتقاويم العادية لدورة الزمن، تندغم في بهائه الثقافي كلُّ الفصول؛ فهو شتاء وربيع وصيف لا يعرف خريفاً، ليتحقق في موسم واحد من حيث لا تدري كل الطقوس: الحرْث والبذار والحصاد..."2. وإذا كان هذا حال الغرب عموماً، والذي تلجُ دولُه الموسم الثقافي الجديد اعتباراً من بداية شتنبر كلَّ سنةٍ (كانت جمعيات مغربية قد دعت، في وقت سابق، إلى اعتماد الأسبوع الثاني من هذا الشهر تاريخ انطلاق دخولنا الثقافي)، مع ما يرافق ذلك من إجراءات ومبادرات ثقافية أوْمَأنا إلى بعضها آنفاً، إلا أن الأمر في العالم العربي، وفي عموم الدول المتخلفة، مختلفٌ بصورة جليّة، وإنْ جرى فيها تقليد شكلي سطحي للغرب في كونها تعلن، هي الأخرى، دخولها الثقافي انطلاقاً من ذلك التاريخ نفسِه، ولكنْ في ظروف مغايرة تماماً. فلا عناوين جديدة تطرحها دور النشر في الأسواق التي تنشغل ? عوضَ استقبال الكتب الجديدة في مختلِف المجالات وعرْضها ? بالكتاب المدرسي لِما يحققه لها من أرباح مادية مهمّة، ولا لقاءات تعقدها هذه الدور، وكذا الجمعيات الناشطة في الميدان الثقافي والجهات الرسمية ذات الصلة بموضوع نشر الكتاب وتوزيعه، لمناقشة حصيلة أنشطة الموسم الفارط، والوقوف على نقط القوة والضعف فيه، والانطلاق من ذلك لبلورة برنامج الموسم الثقافي القادم، ولا جوائز أدبية وثقافية، ذات قيمة رفيعة ماديا ورمزيا، تُوزَّع خلال هذه الفترة من السنة... ولا بدّ من الإشارة، ها هنا، إلى وجود استثناءات طبعاً... ولعل هذه العوامل، وغيرها، هي التي جعلتْ كثيرين يرفضون الحديث عن دخول ثقافي بالمغرب خلال شتنبر وأكتوبر، ويذهب بعضُهم إلى أن هذا الدخول يعرفه بلدُنا، في الحقيقة، حوالي منتصف فصل الشتاء، الذي يتزامن مع تنظيم معرض الدارالبيضاء للنشر وللكتاب، الذي جرت عادة تنظيمه خلالَ فبراير من كل سنة. ففي هذه الفترة تَعرض دور النشر الوطنية جديدَ إصداراتها، وتفعل الشيءَ نفسَه وزارة الثقافة واتحاد كتاب المغرب وبيت الشعر بالمغرب ونحْوها من الجهات والمؤسسات التي تدْعم نشْر الكتاب، وتنظم ندوات ولقاءات فكرية وإبداعية، وتوقَّع الإصدارات الجديدة في الأدب والفكر والشعر وغير ذلك. وبذلك تعرف تلك الأيام دينامية ثقافية ملحوظة جرّاء تنفيذ البرنامج الثقافي الزاخر والغنيّ الذي يتم تسطيره وتفعيله بمشاركة عدة جهات ودور نشر وجمعيات ثقافية. أما الحديثُ عن دخول ثقافي بالمغرب خلال شتنبر فلا يراه عديدون كائناً، في حقيقة الأمر؛ إذ لا شيءَ، في نظرهم، يميِّز المشهد الثقافي الوطني إبّانئذٍ. فهو يشبه باقي فترات السنة، باستثناء تلك الفترة المحدودة التي تحتضن فيها البيضاء معرض الكتاب الدَّولي، ويعقب فصل الصيف الذي يعرف بعض الركود على مستوى نشر الكتب الجديدة، وإقامة الأنشطة الثقافية والأدبية؛ لإخلاد كثير من الفاعلين الجمعويين والكتاب ? الذين ينشرون، من حين لآخر، أعمالهم على نفقاتهم الخاصة، ويتولّون توزيعها، وإنْ كان ذلك على نطاق محدود بطبيعة الحال ? إلى الراحة بعد تعب سنة كاملة، والاستمتاع بقضاء الصيف مع عائلاتهم، والسفر إلى أماكن أخرى للترويح عن النفس، وتغيير الأجواء... وتعوّض ذلك الفتور الثقافي، غالباً، المهرجانات الفنية الصيفية التي تُقام في شتى المناطق والجهات. ونجد هذا الموقفَ مُعبَّراً عنه في كتابات كثير من المبدعين والنقاد وغيرهم، وفي حواراتهم. فهذا الشاعر والكاتب محمد بشكار يرى أن عبارة "الدخول الثقافي" التي نسمعها، ونقرأها بين ثنايا كتابات، بدايةَ كلِّ شتنبر، ما هي إلا "أكذوبة"، لم تعد تخدع أحداً .. فهو مقتنعٌ بأنه "لا دخول ثقافي" عندنا، في ظل الوضعية الثقافية المَعيشة، وبأن "دخولنا مثل خروجنا"، طبْعاً في الميدان الثقافي؛ إذ لا جديد يُذكر هنا، بل إن هذه الوضعية تظل امتداداً لما سبقها تماماً، وإنْ كانت أحياناً أوْضَحَ فتوراً منها، لاسيما وأنها تلي فصل الصيف مباشرةً، بما يَصْحبُه ممّا أشرْنا إلى بعضه سابقاً3، وينشغل الناس خلالها بدخول آخر يعُدّونَه أهمّ من "الدخول الثقافي" .. إنه الدخول المدرسي. وينفي الناقد والكاتب د. مصطفى النحّال، كذلك، وجود دخول ثقافي حقيقيّ ببلادنا، مستنِداً على جملة من المعطيات والاعتبارات الموضوعية الملموسة، ويؤكد ? في السياق نفسِه ? أن "المغرب الثقافي الذي طالما حلمْنا به لا يوجد إلا على الورق"4، ويرى أن كلَّ ما يمكن الحديث عنه في تلك الفترة، التي تصادف انطلاق الموسم الثقافي في البلدان المتقدمة، هو مبادرات فردية محدودة يقتحم من خلالها الكُتاب، بإمكاناتهم الخاصة، عالم النشر، أو يُقْدِمون على إصدار أعمال أخرى، ولكن هذه العناوين الجديدة تُقابَل بضعف الإقبال عليها، وبقلة المبيعات في أغلب الأحايين، وبصعوبات تتعلق بالتوزيع؛ ممّا يضطرّ الكاتب، أحياناً، إلى إهداء عمله الجديد إلى معارفه وزملائه، مجّاناً، بدلا من الاحتفاظ به في صناديق مكدّسة في بيته! وينضاف إلى ذلك كله مشكل القراءة، وعزوف شريحة مجتمعية مهمة عن القراءة؛ الأمرُ الذي يفرض تضافر الجهود لدعم القراءة في أوساط المجتمع، وتحبيب الكتاب إلى الناس جميعاً، مع التركيز على الناشئة والشباب؛ لأن رقي المجتمعات متوقف على هذا الفعل، وعلى الاحتفال بقضية القراءة وتشجيعها ونشرها وجعلها تقليداً يوميا، بوصفها "أمّ القضايا الثقافية"؛ على حدّ عبارة توفيقي بلعيد. يقول النحال مؤكدا ما ذكرناه: "إن الدخول الثقافي عندنا كان، ولا يزال، دخولا فرديا لكتاب ومبدعين دونكيشوطيين يُصْدِرون بين الفينة والأخرى على حسابهم الخاصّ، في غياب تامّ لحركة نشْر حقيقية. إن الثقافة لا تحظى بالأوْلوية أثناء تصور السياسات العمومية، لذلك تتضاءلُ قيمة هذا الرأسمال الرمزي أمام الرأسمال الاقتصادي مثلاً، رغم ما للثقافة (بمعناها الواسع) من أهمية وأولوية في برامج التنمية والتعليم ومحاربة الأمية والتدبير العقلاني لمنظومة القِيَم وأساسيات المدنية الحديثة"5. ونُلْفي هذا النفيَ، أيضاً، لدى الشاعر المغربي الكبير عبد الكريم الطبّال، الذي قال، في أحْدَث تصريحاته، إن "الحديث عن الدخول الثقافي في المغرب حديثٌ عن مجهول، ولذلك أعتقد أن الحديث عنه في بلادنا هو حديث لمجرد تزجية الوقت"6. ولا يرى بشر بناني؛ صاحب "دار طارق" للنشر، في حوار أجْري معه مؤخراً، أي مسوِّغات أو مُنجَزاتٍ للحديث عن دخول ثقافي بالمغرب؛ إذ لا شيء يغيّر مشهدنا الثقافيَّ خلال الشهر التاسع الميلادي من السنة، ولا إضافات لافتة تميِّزه .. فلا كتب جديدة تنزل إلى الأسواق والمكتبات، ما عدا الكتب المدرسية، ولا جوائز رفيعة منتظَرَة على غرار ما هو حاصل بفرنسا على سبيل المثال. كما أن الإنتاج الأدبي، خلال الفترة المتحَدَّث عنها، يتسم بالهزالة، من حيث الكمّ ومن حيث طبيعة الأفكار والموضوعات المطروقة، علاوة على تراجُع نسب القراءة والمقروئية7... وتذهب فاطمة الزهراء المرابط، وهي قاصّة وإعلامية وفاعلة جمعوية في المجال الثقافي والأدبي، إلى أنه من الصعب بمكان الحديث عن دخول ثقافي بالمغرب خلال شهر شتنبر بالذات، في ظلّ مشهد ثقافي عام "يعاني من بنية ثقافية هشّة وضعيفة، وسياسة ارتجالية غير واضحة، وكذا غياب دور نشْر حقيقية ذات صبغة إبداعية، غير تجارية، تزوّد السوق الوطنية بأسماء جديدة وكتب جيّدة... كما أن الكاتب المغربي ما زال يتخبّط في مشاكل النشر والتوزيع على حسابه الشخصي، في غياب مؤسسات داعمة للكتاب المغربي، وفي غياب حملة إعلامية لتقديم الكتب الجديدة وتشجيع القارئ على الإقبال عليها"8. ويُرْجِع عددٌ من الكتاب والمهتمين ذلك المآل الذي صارت عليه الحياة الثقافية بالمغرب، والذي لا يسمح ? في نظرهم ? بالحديث عن دخول ثقافي حقيقي لدينا في تلك الفترة من السَّنة، إلى غياب سياسة ثقافية ناجعة، وإلى ضعف اهتمام المؤسسات والجهات الرسمية بالكتاب نشرا وتوزيعاً. فهذا عبد الدين حمروش، الشاعر والناقد المغربي، يرى أن السؤال الثقافي الأكبر، الذي يتوقف عليه الحَراكُ الثقافي الحقيقي ببلدنا، ويُمْكنه الدفع به قدُماً إلى الأمام، إنما هو سؤال السياسة الثقافية؛ هذه السياسة الغائبة اليوم، إلى حد كبير، عن مشهدنا الثقافي، الأمْر الذي يجعل ذلك السؤال مؤجّلاً قد تجيب عنه المناظرة الوطنية للثقافة المغربية، التي كانت الاستعدادات جارية لتنظيمها في وقت سابق قبل أن يتقرّر تأجيلها إلى حين؛ هذه المناظرة التي يُنتظر أن تخرج بتوصيات ومقترحات من أجل صياغة سياسة ثقافية رسمية بوعي نقدي يَنأى عن الأدْلجة والمصالح الفردية الضيّقة، ويروم ? بالمقابل ? النهوض بالشأن الثقافي الوطني في عُمُومه9. وأمام هذا الوضع، يدعو الناقد محمد مستقيم إلى أنْ يكون نقاشُنا في هذا السياق منصبّاً على المؤسسات والجهات التي بمُكْنَتِها الإسهامُ في أن يكون لنا "دخول ثقافي" حقيقي، سواء منها تلك المؤسسات الموجودة منذ مدة أو تلك المنصوص على إحداثها، ولكن لم ترَ النور بعْدُ؛ من مثل المجلس الوطني للُّغات والثقافة المغربية الذي نصّ دستور المملكة الجديد (الفصل الخامس) على إحداثه10... ويُحمِّل الشاعر والناقد صلاح بوسريف قسطا وافراً من المسؤولية عمّا آلت إليه الوضعية الثقافية ببلادنا للدولة وأجهزتها الرسمية، ممثلة بالخصوص بوزارة الثقافة. فهي ? في نظره ? لا تولي العناية اللازمة للشأن الثقافي، بل تنظر إليه بوصفه قطاعاً غير أساسي في حياتنا؛ الأمر الذي يفسّر ضعف اهتمامها بنشر الكتاب وتوزيعه، وكلّ ما يُرى من دينامية ثقافية إنما يقف وراءها أفراد أو جمعيات تشتغل بإمكاناتها المتواضعة، في غياب شبه تامّ لأي دعم حكومي! فبوسريف يرى أنه "لا أحد ممّن تعاقبوا على تسْيير الشأن العام في المغرب، منذ الاستقلال إلى اليوم، اعتبر الثقافة قطاعا حيويا بكل ما تمثله من مجالات واهتمامات". ويضيف أن "المشكلة في هذا الإهمال، وهذا الاهتمام السطحي أو الباهت بالثقافة، على المستوى الرسمي، يعود إلى غياب سياسة ثقافية للدولة، أو إلى أن الدولة تَعتبر الثقافة قطاعا غيرَ مُنتِج؛ ممّا يجعلها تهتم بغيره من القطاعات الأخرى"11. لقد حاولت الفِقرات السابقة تسليط الضياء على جانب من النقاش الدائر اليومَ حول الدخول الثقافي بالمغرب، وحول مدى إمكان الحديث عن هذا الدخول، حَقيقةً، عندنا في بداية شتنبر على غرار ما هو متعارَف عليه في الغرب، مُحِيلِينَ هنا، بالخصوص، على حالة فرنسا. وقد اتضح من ذلك كله أن كثيرين لا يلمسون ذلك الدخول على مستوى الواقع المَعيش، بل لا يؤمنون بوجوده أصلاً، ويقدّمون لنا جملة من المنطلقات والاعتبارات المُسَوِّغة لرأيهم ذاك. وأجدني أميل إلى مشاطرتهم الرأيَ في كثير ممّا ذكروه من ذلك ممّا يؤيّده الواقع الماثل للعيان. فمن الصعب جدّا أن نتحدث عن دخول ثقافي لدينا خلال شتنبر، وقد يمكن الحديث عن شيء من ذلك، مثلا، مع بداية السنة الجديدة؛ حيث تعرف عدة مناطق وجهات تنظيم مهرجانات ثقافية، وندوات فكرية وأدبية، ولقاءات إبداعية، ومعارض للكتاب، ونحو ذلك من مظاهر الحراك الثقافي... وتجد الناس، بعد انقضاء عطلة الصيف، يُقبِلون على اقتناء الكتاب المدرسي، حتى إنك إذا قصدتَ أكثر المكتبات، للوقوف على جديد الإصدارات التي وصلتها، لن تظفر بذلك؛ لانشغالها بما هو أوفر ربحا لها. كما أن أغلب الكُتاب يكونون قد أنهوا حديثاً فترةَ العطلة السنوية مع أبنائهم وأسرهم وذويهم، والتي يخصِّصونها غالباً للاستراحة، بدنيا وفكريا معاً، والوقوف وقفات تأمُّل خاصة لتقييم حصيلة إنتاجهم خلال الموسم الماضي، ولتسطير برنامجهم الثقافي والأدبي للموسم الجديد. كما أنك حين تُلْقي نظرة ? ولو عَجْلى ? على واقع المشهد الثقافي خلال تلك الفترة من السنة لن تجد سوى النزر اليسير من الإصدارات والعناوين الجديدة التي يتحمّل الكتاب أنفسُهم، في الغالب، تكاليف نشرها وطباعتها في "مغامرة" حقيقية! ولن تجد أدباء ومبدعين يتنافسون على جائزة رفيعة، أو ينتظرون إعلان نتيجتها لتتويج عمل جديد أو اسم جديد، بل يكون ذلك في أوقات سابقة، ولاسيما خلال أيام معرض البيضاء الدولي للكتاب والنشر؛ بحيث يتم فيه منْح جائزة المغرب للكتاب، وجائزة الأركانة العالمية للشعر. كما أن أكثر الجمعيات الثقافية لا تنطلق في تنفيذ برامجها المسطرة إلا في وقت لاحق... وكل هذا من الأسباب التي تدفع الكثيرين، وعددٌ منهم أُشيرَ إليهم آنفاً، إلى رفض الحديث عن "دخول ثقافي" لدينا في المغرب. وهو وضْعٌ يدعو الجميع إلى العمل الجادّ لتجاوزه نحو الأفضل، وإلى تنسيق الجهود وتضافرها، وإلى التعاون والتشاور من أجل إعداد استراتيجية مُحْكمة للشأن الثقافي ببلادنا، على أساس جدولة زمنية مضبوطة، في أفق النهوض بالقضية الثقافية، عامة، اعتباراً من بداية الموسم كما هو الأمر في الدول المتقدمة؛ ممّا سيمكّن من الحديث، آنئذٍ، بحقّ، عن دخول ثقافي فعلي بالمغرب خلال شهريْ شتنبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول). الهوامش: 1- جريدة "الخبر" المغربية، ع. 705، الجمعة 13/09/2013، ص 18. 2- من افتتاحية "العلم الثقافي"، المغرب، عدد الخميس 5/9/2013. 3- نفسه، ص 1. 4- من افتتاحية الملحق الثقافي لجريدة "الاتحاد الاشتراكي"، المغرب، ع. 10500، الجمعة 13/9/2013. 5- نفسه، ص 1. 6- جريدة "الخبر"، ع. 705، ص 18. 7- نفسه، ص 19. 8- نفسه، ص 18. 9- جريدة "أخبار اليوم المغربية"، ع. 1156، الثلاثاء 3/9/2013، ص 7. 10- نفسه. 11- جريدة "المواطن اليوم"، المغرب، ع. 3، شتنبر 2013، ص 13.