الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يغادر المغرب في ختام زيارة دولة للمملكة    المكتب الوطني للمطارات… حركة المسافرين تسجل ارتفاعا يناهز 43 بالمائة    توسيع الدائرة القنصلية الفرنسية لتشمل الأقاليم الجنوبية للمغرب.. تنزيل عملي وسريع لمقتضيات الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء    الحكومة الإسبانية تعلن الحداد الوطني لمدة ثلاثة أيام بسبب الفيضانات    بتعليمات ملكية سامية.. المغرب مستعد لإرسال فرق إغاثة ومساعدة إسبانيا لمواجهة الفيضانات    فيضانات إسبانيا… وزارة الداخلية: المغرب، طبقا للتعليمات الملكية السامية، على أتم الاستعداد لإرسال فرق إغاثة وتقديم كل المساعدة الضرورية    منيب: موقف ماكرون غير جديد لأن فرنسا مشاركة في إبادة الشعب الفلسطيني        المغرب "على أتم استعداد" لإرسال فرق الإغاثة وتقديم المساعدة إلى إسبانيا بعد الفيضانات المدمرة    الثلوج الكثيفة تتسبب في مصرع راع بجبال الأطلس    ارتفاع حصيلة ضحايا العاصفة "دانا" إلى 62 قتيلاً جنوب شرق إسبانيا    أسعار الذهب تقفز إلى مستويات غير مسبوقة    الأزمات تحاصر فريق أولمبيك خريبكة من جميع الجوانب وتهدده بالشلل!    رشيد ساري ل"رسالة24″: العلاقات الإقتصادية بين المغرب وفرنسا تعكس تواصلا قويا رغم التحديات السياسية    الرباط وأمستردام نحو تعزيز التعاون في مكافحة الجريمة وتسليم المجرمين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    27 قتيلا و2752 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية    فيضانات كارثية في اسبانيا تخلف 51 ضحية وسط جهود مكثفة للبحث عن المفقودين    مدينة البوغاز تحتضن مهرجان طنجة للفيلم وتكرم المخرج المغربي مومن سميحي    البيضاء تحيي سهرة تكريمية للمرحوم الحسن مكري    تشييع جنازة عبد العزيز برادة في تنغير    تزوير أوراق نقدية يُودِع متورطيْن خلف القضبان بطنجة        مباراة فالنسيا ضد ريال مدريد مُهددة بالتأجيل بسبب عاصفة "دانا"    دراسة: اكتشاف جينات جديدة ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان    أشرف حكيمي يحضر لمأدبة عشاء أقامها الملك محمد السادس بالرباط على شرف الرئيس الفرنسي ماكرون    في رسالة للسيد فوزي لقجع : طلب التدخل العاجل لتصحيح وضع الإعلام الرياضي …    هزة أرضية خفيفة تضرب نواحي تارجيست        الصين تعارض قرار الاتحاد الأوروبي فرض رسوم جمركية إضافية على مركباتها الكهربائية    الصين تطلق مهمة فضائية جديدة تضم رائدة فضاء ضمن الفريق    وفاة الفنان المصري مصطفى فهمي    المحامية بالجديدة سامية مرخوص تنال شهادة الدكتوراه في القانون باللغة الفرنسية بميزة مشرف جدا    مقترح بهدنة "لأقل من شهر" في غزة    ثمانية ملايين مصاب بالسل في أعلى عدد منذ بدء الرصد العالمي        51 قتيلا بفيضانات في منطقة فالنسيا الإسبانية    كأس ألمانيا.. ليفركوزن يتأهل لثمن النهاية    سمعة المغرب في العالم سنة 2024: فجوة 16 نقطة بين السمعة الداخلية والسمعة الخارجية    وزير التجهيز والماء يعلن إطلاق الشطر الأول من مشاريع توسعة ميناء العيون    جلالة الملك يقيم مأدبة عشاء رسمية على شرف الرئيس الفرنسي وحرمه    ماكرون: "الاستثمارات العمومية الفرنسية ستستمر بالمغرب بما يشمل الصحراء"    اليماني يدعو الحكومة إلى اتخاذ خطوات فعالة لحماية القدرة الشرائية للمواطنين    الافلاس يهدد 40 الف شركة صغيرة ومتويطة بحلول نهاية 2024    الأمم المتحدة: الحرب الأهلية في السودان تؤدي إلى "مستويات مهولة" من العنف الجنسي    أزيد من 50 قتيلاً وعشرات العالقين على إثر فياضانات اجتاحت إسبانيا    فصيل "ألتراس" أولمبيك أسفي "شارك" يُنظم وقفة احتجاجية ويُحمّل رئيس النادي الحيداوي مسؤولية النتائج السلبية    وفاة الفنان مصطفى فهمي عن عمر يناهز 82 عامًا بعد صراع مع المرض    الإعلان عن تنظيم جائزة طنجة الكبرى للشعراء الشباب ضمن فعاليات الدورة ال12 لمهرجان طنجة الدولي للشعر    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    وفاة الفنان المصري حسن يوسف    ماذا سيحدث لجسمك إذا مارست تمرين القرفصاء 100 مرة يومياً؟    إطلاق حملة لاستدراك تلقيح الأطفال    الكوليرا تودي بحياة أكثر من 100 شخص في تنزانيا خلال 10 أشهر    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التّسْفيه عنوان جديد للعنف السياسي

من المعلوم أن السفاهة هي افتقار العقل إلى قدراته التي بها يميز ويزن ويقيس ويقارن وينظر في الأشياء ، وهي خفة العقل بإطلاقها ، وهي مقرونة بالطيش والجهل ، وعليه فمن صفات السفيه أنه طويل اللسان ،سيئ الكلام ، قبيح الجواب ، وقد قيل :" لا تجادل السفيه فيخلط الناس بينكما " ، وقد عرف الجرحاني السفاهة في كتاب " التعريفات" بقوله : " السفه عبارة عن خفة تعرض للإنسان من الفرح والغضب فيحمله ذلك على العمل بخلاف العقل وموجب الشرع " .
كما وصف "الكفوي" السفيه في كتاب "الكليات" بأنه : " ظاهر الجهل ، عديم العقل ، خفيف اللب ، ضعيف الرأي ، رديء الفهم ، مستخف القدر ، سريع الذنب ، حقير النفس ..."، وبخلاف هذا ترى السفيه مزهوا بنفسه ، معتدا برأيه ، مطمئنا إلى رجاحة عقله ، لا يرى لنفسه مثيلا ، متجاهلا حقيقة فكره ، متناسيا جوهر أصله الذي ذكٌّر به مالك بن دينار المهلب بن صفرة بقوله :" أما أولك فنطفة مذرة ،وآخرك جيفة قذرة ، وفي ما بينهما تحمل العذرة ".
وقد تابع المغاربة ما جرى على مسرح البرلمان بين ممثلي السلطتين التنفيذية والتشريعية بمشاعر متضاربة تتراوح بين الأسف والحسرة بسبب تردي السياسة المغربية في حمأة الإسفاف والابتذال والميوعة والسفاهة ،أو مشاعر الغيظ والحنق بعد الهجوم الذي شنه رئيس الحكومة بلا هوادة ضد المعارضة التي وصفها بالسفاهة والكيد والمكر ، أو مشاعر الغبطة والسرور بفضل الاعتبار الذي ردّ لحزب المصباح بعد تجاسر المعارضة وجراءتها على الربط بين الحزب الذي يقود التحالف الحكومي وداعش وجبهة النصرة والموساد الصهيوني .
ومع دخول السيد رئيس الحكومة في جدال مع من وصفهم بالسفهاء والرد عليهم فإنه ليس سفيها غير أنه لم يكن حليما ولا حكيما لأنه لم يرقب قول الإمام الشافعي :
يخاطبني السفيح بكل قبح فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلما كعود زاده الإحراق طيبا
وقوله رحمه الله :
إذا نطق السفيه فلا تجبه فخير من إجابته السكوت
فإن كلمته فرجت عنه وإن خليته كمدا يموت
وإذا كان الأمر كذلك فإن السفيه الحقيقي هو من سيصوت في الانتخابات المقبلة على سياسيين من هذا القبيل ،ودون الحصول على ضمانات من شأنها إعادة إحياء السياسة المغربية التي شاع عنها من القصور والميوعة في الآفاق ما قد صار سمرا بين الرفاق ، ودون الحصول على مؤشرات حقيقية لإنتاج مؤسسات منتخبة تقدم مصلحة الوطن والمواطن على إرضاء الأطراف القوية النافذة حتى يعمر نزلاؤها طويلا على أرائك المجالس النيابية متقابلين ، وعلى الكراسي الوثيرة مستلقين في مكاتب المسؤولية غير الملتزمة بمصلحة البلاد ورقابة الضمير وتوجيهات الوطنية . ولكم يحز في النفس الحديث عن المشاركة السياسية باعتبارها قرينا للسفاهة خصوصا وأن شعوبا وجماعات عرقية قد قدمت في سبيل الحصول على حق التصويت الدماء الزكية والأرواح المحرمة ، ولم تنله حتى ركبت كل صعب وذلول وما تجربة السود في أمريكا بقيادة مارتن لوثر كينغ منا ببعيد .
والسفيه كل السفه من لا يصدق أن الحكومة قد " ورّاتنا من الرّبح قنطار وهربات لينا براس المال " وذلك من خلال الاصلاحات الكبرى التي " دشّنتها " مما ساهم في إخراج البلاد من عنق الزجاجة ، ومصالحة الملايين من المغاربة مع السياسة وخاصة الشباب ، وفي استعادة التوازنات الماكر واقتصادية ،واسترجاع سيولة مهمة من الأموال المهربة ، والحد من إشكالية المديونية وانتاج وضعية اقتصادية سليمة ، بيد أن الواقع يكذب كل ذلك ويؤكد عكسه تماما ، إذ لم يلمس المواطن المغربي البسيط تحسنا في الخدمات ، ولا نزاهة في القضاء ولا استقلاليته عن باقي السلطات ، كما أن التعليم يزيد تعثرا وتراجعا وسوءا ، والصحة عليلة تكاد تلفظ أنفاسها ، والنقل والتجهيز يزيد دموية وقتامة وسوداوية ن والتشغيل عاجز عن خلق فرص جديدة بل عاجز عن المحافظة على القديمة ...أليس من السفه تصديق كلام الحكومة الطوباوي الحالم وتكذيب الواقع المادي المرير الملموس .
والسفيه إلى درجة الحجْر من تلدغه الحكومة بكل هذه الزيادات في المحروقات والماء والكهرباء ومعظم المواد الغذائية وغيرها من الزيادات وجمود الأجور ولا يبعث ذلك في نفسه ضرورة الرفض والاحتجاج على ضرب القدرة الشرائية والتوغل في تجفيف جيوب المغاربة الخاوية ، وقتل الأمل في نفوسهم جاعلة وراء ظهرها كل العهود العسلية والوعود العرقوبية التي تكسرت على جدران الإكراهات الاقتصادية والموازنات المالية والعواصف السياسية المصطنعة ، ومسرحية السياسة العبثية ، والأسفه من ذلك أن يصدق البعض كلام الحكومة المتهافت وتمثيلها البئيس إلى جانب المعارضة والذي يشبه إلى حد بعيد طيرا يرقص مذبوحا من الألم في مشهد مضحك مبك .
ومن أعراض السفاهة المزمنة الاعتقاد أن المغرب دولة يسيرها رئيس الحكومة أو أنه يتدخل في تقرير شؤونها ومصيرها ، لأنه - و كما أخبر بذلك السيد بنكيران نفسه – أن الملك هو من يقود البلاد ، وبالتالي فإن رئيس الحكومة لا يعدو كونه مجرد موظف سام في إحدى مؤسسات الدولة وهي الحكومة ، ومع ذلك فالسفاهة كل السفاهة أن يعن لامرئ أو يخطر بباله أنه يوجد في المغرب حاليا شخص يمكنه أن يؤدي الدور المحوري الذي يقوم به السيد بنكيران والذي لم يسبق لأحد الاضطلاع به من قبل ، والسيد بنكيران مطمئن أنه لا أحد يصلح لهذا الدور غيره ، فكيف سيكون حال البلد إذا فقدت – لا قدر الله – هذا الرجل الذي تحدث عن كل الاصلاحات التي من شأنها إنعاش حياة المغاربة وفعل عكسها، ولكن يحمد له الغزوات والسرايا التي قادها إلى جيوب المغاربة ليوفر عشرات الملايير التي ستملأ بل ستضيع في الجيوب الغائرة التي لا قرار لها للعفاريت والتماسيح التي لا يملك ضدها رئيس الحكومة إلا العفو والصفح وحسن النية .
يبدو أن السفيه الحقيقي في بلادنا هو الزمان الأغبر الذي نعيش فيه ، والذي ابتلي بنا حتى امتلأ عارا وشنارا ، ومع ذلك فنحن من يستنكف و يتبرم منه وإن كنا أكبر عيوب هذا الزمان على حد قول الإمام الشافعي :
نعيب زماننا والعيب فينا و ما لزماننا عيب سوانا
ونهجو الزمان بغير ذنب ولو نطق الزمان لنا لهجانا
لقد دخلت السياسة المغربية مرحلة جديدة من العنف السياسي الذي يستند إلى الشرعية السياسية المستمدة من الانتخابات ،والذي تجاوز الأشكال القديمة المتمثلة في عسكرة الحياة السياسية إلى مرحلة جديدة قوامها عنف القول وغياب الحوار والتسامح تجاه المخالف في الفكر والرأي والموقف ، ودلالة هذا العنف السياسي الذي تلبس بالسفاهة والتفاهة هي رفض الآخر وعدم تقبل الاختلاف ،وبالتالي فالعنف السياسي مظهر سلوكي يقابله التعصب كمظهر فكري وثقافي بسبب شلل في التفكير ، وقد لخص ذلك أرسطو بالعبارة الآتية : " عندما لا نفكر نتعصب "


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.