توقيف ثلاثة أشخاص متورطين في ترويج المخدرات وحجز أزيد من 3 آلاف قرص مخدر و2.5 كلغ من الشيرا    تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني بالحسيمة والناظور    باها: الضغط يزداد في "خروج المغلوب"    جيد يقود الطاقم التحكيمي للديربي    منع جماهير اتحاد طنجة من حضور ديربي الشمال بتطوان    تجديد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء يقضي على آمال نظام الجزائر    العواصف تُلغي رحلات بحرية بين طنجة وطريفة    الدكتورة نعيمة الواجيدي تناقش أطروحة الدكتوراه للباحثة ثروية أسعدي    فيفا تقرر تثبيت كاميرات على أجساد الحكام خلال مونديال الأندية    في مناظرة «المعارضة السياسية والمشاركة في صنع القرار: أي دور لبناء التوازن السياسي في البلاد؟» بمؤسسة HEM    مكناس.. البواري يزور ورش تهيئة موقع الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب    هجمات سيبرانية على مواقع مغربية ونفي رسمي لاختراق بيانات حساسة يثير تساؤلات حول الحماية والاستراتيجيات    طنجة.. توقيف مدير سابق بقناة "ميدي 1 تيفي" على خلفية شكاوى بالنصب والاحتيال    تقرير: المغرب مُهدد بفوات قطار الذكاء الاصطناعي بسبب غياب النصوص التشريعية    منخفض جوي يقترب من المغرب: توقعات بتقلبات جوية وأمطار نهاية الأسبوع    حين تحدّث الملك فاهتزت الإمبراطورية    في قلب العاصفة: قراءة في ديناميكيات إقليمية متصاعدة وتداعياتها    الصحراء المغربية: دعم دولي وارتباك جزائري    اكتشاف حصري لبقايا مستعر أعظم جديد ي عرف باسم "سكايلا" بأكايمدن    أخبار الساحة    تعيين بدر القادوري مديرا رياضيا جديدا لفريق المغرب الرياضي الفاسي    السعودية توقف آلاف المخالفين وتشدد إجراءات الدخول تمهيدا للحج    المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان تطلق برنامج "نقلة" لتكوين المكونين في مجال الحق في بيئة سليمة    الدولار يتراجع 1,14 بالمائة أمام اليورو    أرقام مقلقة.. انقطاع أزيد من 2500 تلميذ عن الدراسة في "إعداديات الريادة" الجديدة    تأكيد الولايات المتحدة لمغربية الصحراء يثير تفاعلا واسعا في الإعلام الدولي    أحزاب المعارضة تطالب بجلسة برلمانية للتضامن مع فلسطين    بووانو يسائل وزير التشغيل والكفاءات عن حيثيات وأضرار الهجوم السيبراني على وزارته    اتهامات ب "الإهمال" في مستشفى الحسيمة بعد وفاة سيدة أثناء عملية جراحية    مجلس النواب يستعد لافتتاح الدورة الثانية من السنة التشريعية 2024 – 2025    بعد 30 سنة من العطاء.. الدوزي يشارك تجربته الفنية بجامعة هارفارد    أجواء سيئة تغلق الميناء في بوجدور    الشارقة تحتضن أول اجتماع لمجلس الأعمال المغربي-الإماراتي    الجديدة جريمة قتل إثر شجار بين بائعين متجولين    المنتخب الوطني المغربي سيدات ينهزم أمام نظيره الكاميروني    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الانخفاض    فنانون مغاربة يطلقون نداء للتبرع بالكبد لإنقاذ حياة محمد الشوبي    الترويج لوجهة المغرب: المكتب الوطني المغربي للسياحة يطلق جولة ترويجية كبرى بتورنتو وبوسطن وشيكاغو    الطرق السيارة بالمغرب تتعزز بخط جديد يربط مراكش بآسفي    الهزيمة القاسية تغضب أنشيلوتي    عوامل الركود وموانع الانعتاق بين الماضي والحاضر    من قال: أزمة السياسة "ليست مغربية"؟    لحسن السعدي يفتتح جناح "دار الصانع" في معرض "صالون ديل موبايل ميلانو 2025"    الصين تتوعد باتخاذ "تدابير حازمة وشديدة" ردا على رسوم ترامب الجمركية    تيرازاس: الأزياء في المشاهد السينمائية ليست ترفا.. وعمل المصممين معقد    معرض الطاهر بنجلون بالرباط.. عالمٌ جميلٌ "مسكّن" لآلام الواقع    حادث اصطدام عنيف بين ثلاث سيارات يُخلف مصابين باكزناية    «طيف» لبصيرو «مائدة» العوادي يتألقان في جائزة الشيخ زايد للكتاب    آيت الطالب يقارب "السيادة الصحية"    دراسة: السكري أثناء الحمل يزيد خطر إصابة الأطفال بالتوحد واضطرابات عصبية    تقليل الألم وزيادة الفعالية.. تقنية البلورات الدوائية تبشر بعصر جديد للعلاجات طويلة الأمد    إشادة واسعة بخالد آيت الطالب خلال الأيام الإفريقية وتكريمه تقديراً لإسهاماته في القطاع الصحي (صور)    دراسة: أدوية الاكتئاب تزيد مخاطر الوفاة بالنوبات القلبية    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من اجل حداثة انسانية ، ضد الارهاب القادم من الشرق

قرأت بالصدفة كتابا قيما للدكتور هاشم صالح، وهو الاستاذ السوري الالمعي ، المقيم بين المغرب وفرنسا ، وهو بالمناسبة متخصص في اعمال الدكتور الكبير ، المرحوم محمد اركون ، ترجمة وتفكيكا وقراءة . الكتاب تحت عنوان الانتفاضات العربية على ضوء فلسفة التاريخ ، اهم ما استنتجته من خلاصات الكتاب وافكاره ، والذي يصعب في الحقيقة تلخيصه وابتساره لان كل فقرة فيه تحمل افكارا خلاقة ومؤسسة وذات بعد استراتيجي كبير ان الانتفاضات الجماهيرية التي عرفتها منطقتنا المغاربية والعربية تعبير اولي عن وعي الشعوب بحقوقها وتخلصها التدريجي من الخوف والاستيلاب ، كما ان الكتاب ينفرد بخلاصة اساسية قل نظيرها لدى الكتابات الاخرى التي تناولت الربيع الديموقراطي في مناطقتنا ، هذه الخلاصة مفادها ان الاصولية والاستبداد الديني والسياسي مرحلة ضرورية ستمر منها منطقتنا بالضرورة ، قبل ان يتحول الوعي الجمعي لدينا الى وعي متقبل للحداثة والتنوير ، اي ان مكر العقل لابد ان يعود به الى سكته الاصلية ، لكن اعتذر للكاتب وللقارئ الكريم معا اذا ما لم استطع ا ن افي الكتاب كل حقوقه ولكن ، قصدي ونيتي ، الاعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى ، هو تعريف القارئ بهذا الكتاب التاريخي الذي استطاع بجدارة واستحقاق ان يضع الاصبع على الجرح الذي تعاني منه مجتمعاتنا المتخلفة. انه جرح حضاري وتاريخي يشمل التخلف والرجعية والتطرف والارهاب وبتعبير ادق الانسداد التاريخي بلغة الدكتور هاشم صالح .
باقتدار كبير تناول المفكر الموسوعي هاشم صالح موضوع مساءلة الانتفاضات التي سماها بالعربية ،وشرح اسباب اندلاعها ومساراتها وشخص بعين الجراح المختص بالجراحة الحضارية اسباب انقلاب الربيع ليصبح خريفا في معظم الدول التي انتفضت شعوبها ضد القمع والظلم والاستبداد .
في البداية طرح الاستاذ سؤالا محوريا بل هو استفزازي بمعنى من المعاني كما يصرح بذلك في مقدمة الكتاب : هل الانتفاضات العربية حدث تاريخي ام زوبعة في فنجان ؟ الملاحظة الاولى في السؤال انه سمى الحراك الشعبي بالانتفاضات بدل الثورات ، ومعلوم ان الفرق بين الثورة والانتفاضة فرق شاسع ، باعتبار ان الثورة تغير البنيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهذا بالتعريف الماركسي المادي للثورة فيما الانتفاضة خلخلة بسيطة للوضع دون تغييره بنيويا او جذريا باللغة اليسارية . جواب الدكتور صالح على سؤاله لم يتعدى الاسطر الاولى للمقدمة اذ قال بكل وضوح منذ بداية الكتاب "ما حققه الربيع الديموقراطي حتى الان هو سيطرة التيار الاخواني –السلفي على السلطة في بعض البلدان العربية .فهل هذا حدث تاريخي يا ترى ؟ الحدث التاريخي ينتقل بالناس من وضع سابق الى وضع لاحق ، ومن وضع سيئ الى وضع افضل " المفكر هاشم صالح يعتبر الاحتجاجات الشعبية التي عرفتها البلدان "العربية " لم تحقق ما هو مرجو منها ، ولم تنقل شعوبنا من مرحلة قطيعة حقيقية ابستيمولوجية الى اخرى اي لم تكن حدثا كبيرا بالقياس مع الاحداث الكبرى التي غيرت العالم كالثورة الروسية والثورة الفرنسية وانهيار جدار برلين ، وهذا لا يعني ان نبخس نضالات جماهير شعوبنا التي اعطت الدماء من اجل التحرر والديموقراطية في تونس وليبيا وسوريا ومصر الخ لكن الانتفاضات الشعبية سرقت من قبل نخب سياسية لم تساهم فيها ولا افق سياسي تحرري لها ، والسبب بكل تأكيد هو انعدام الثورة الفكرية التي تسبق الثورة السياسية كما هو حال جميع الثورات والقطائع الكبرى التي عرفها العالم ومنها الثورة الفرنسية .ولاستبيان اكثر موقف الكاتب من موضوع فشل الانتفاضات "العربية " يقول " اخيرا سوف اقول ما يأتي : عندما يظهر كتاب واحد جديد في اللغة العربية يعادل كتاب ديكارت التأملات الميتافيزيقية ، او كتاب مالبرانش البحث عن الحقيقة ، او كتاب سبينوزا مقالة في اللاهوت السياسي ، او كتابي فولتير رسالة في التسامح والقاموس الفلسفي ، او كتابي روسو اميل والعقد الاجتماعي ، او كتاب كانط الدين ضمن حدود العقل فقط الخ ، فسوف اقول ان الربيع العربي اصبح على الابواب "
الكتاب يعتبر كنز ثقافي بامتياز لكل الباحثين عن تحليل وتشريح دقيق لمطبات الانحدار التاريخي لبلداننا وتشريح دقيق وتاريخي وبمنهجية المقارنة مع الاخرين المتفوقين علينا حضاريا وفكريا ، وللخروج من الانسداد التاريخي يقترح فيه الباحث خريطة طريق نحو الحداثة والديموقراطية ، تعتمد اولا على اطلاق مشروع نقدي لتنقية الثراث الديني من الشوائب والاعتبارات الطائفية والعنصرية والخرافية وتفكيك السياق الدغمائي بلغة محمد اركون والانتصار لعقل وفلسفة الفارابي و ابن سينا وابن عربي والمعري والتوحيدي اكثر من طروحات وافكار الغزالي و ابن تيمية وبقية فقهاء المسلمين الذين همشوا العقل الانساني وجعلوه امتثاليا خنوعا وغير قابل للنقد والابداع مع الاعتراف بطبيعة الحال باسهاماتهم الفكرية والتنظيرية في مجالاتهم ، فالدكتور هاشم صالح يدعو الى الاستفادة من القيم الحداثية للتنوير الاوروبي وانجازات الحضارة الانسانية من علم وتكنولوجيا وابداع وابتكار اي بعبارة اخرى الثراث الاسلامي يجب ان يخضع لقطيعة ابستيمولوجية تنقله من الوضعية الحالية كلاهوت قروسطي الى دين منفتح على العصر لا يتناقض مع حقوق الانسان في كونيتها وشموليتها ولا يتعارض مع منجزات الحضارة الانسانية,
ما وصل اليه المسلمون من تخلف ورجعية وتقاتل طائفي لا يمكن ان نرجعه الى مؤامرات خارجية ، ونعفي عن انفسنا المسؤولية التاريخية عن واقع الانسداد والنكوص الحضاريين ، العدو الخارجي ان كان، قد يستغل ضعفنا وهشاشتنا الداخلية ، ولكن ليس هو المسؤول عن جهلنا المقدس وهو المصطلح الذي استعاره المفكر هاشم صالح من المفكر الفرنسي المرموق اوليفييه روا للتعبير عن مرضنا الحضاري ، وهذا لا يعني ان الغرب لم يخن التنوير في اوطاننا ، بل انه ساند الفساد والطغيان والاستبداد والانسداد التاريخي، خوفا من البعبع الاصولي الذي عرفت الانظمة القائمة كيف تستغله لاقناع الغرب بدعمها واطالة عمرها. لكن رغم كل الفشل الذي مني به الحراك الجماهيري ، لكنه استطاع ان يحرك بعض البرك الاسنة والراكدة واعطى للشعوب امكانيات استنهاض فعلها الجماهيري وحررها نسبيا من الخوف والذل والمهانة ، كما انه استطاع ان يبطل بعض الدعوي الاستشراقية العنصرية الباطلة التي تعتبر النضال والحرية والديموقراطية استحقاق شعبي لدول ولاعراق ولحضارة بعينها وهنا اشاد المؤلف بالمفكر المرموق ادوارد سعيد صاحب كتاب الاستشراق وبمواقفه التاريخية المتصدية للنزعات الاستعلائية في الثقافة الغربية .
الكاتب السوري اللامع هاشم صالح استطاع في كتابه القيم الانتفاضات العربية على ضوء فلسفة التاريخ ان يقدم مرافعة، تاريخية وحضارية، تؤصل لامراضنا الحضارية وتجترح امكانيات واعدة للخروج من العطب الحضاري، للدخول من جديد الى التاريخ بعدما غادرناه منذ قرون ، الاستاذ يطرح سؤالا راهنا واسترتيجي .الاجابة عنه مهمة حضارية وثقافية وسياسية على عاتق كل محبي الانسانية والطامحين الى الازدهار والتطور :" متى سيحصل اصلاح ديني حقيقي في ارض الاسلام ، اصلاح قادر على ان يخرجنا من كل هذا التعصب والانغلاق القروسطي ؟ متى سيحصل تنوير اسلامي مثلما حصل تنوير مسيحي في الدول الاوروبية او الغربية المتطورة ؟" الاجابة عن هذا السؤال يتوقف مصيرنا .
الكتاب رحلة فلسفية وسياسية وفكرية ممتعة مع كبار المفكرين والادباء والعلماء الذي وظفهم الاستاذ بشكل ذكي ومقصود لاقناع قرائه والاستدلال على فرضياته ورؤاه ، فاستند الى الشك المنهجي لديكارت والجرأة الدينية لدى اسبينوزا وعرج على فكر روسو وكانط ووقف كثيرا محاورا كل من هيغل ابو الفلسفة المعاصره كما حاور نيتشه ، وواضح من الكتاب ان الاستاذ مطلع جدا على الثقافة الاوروبية بكل مراحلها ومتأثر بأدبائها ومفكريها مثل فولتير وديدرو و مونتيسكيو والان تورين وغيرهم كما ان الكتاب افرد بعض الفصول لمناقشة بعض عمالقة الفكر التحرري الثالثي امثال سمير امين وامين معلوف صاحب كتاب الهويات القاتلة و كتاب اختلالات العالم .
الهدف من كتابة هذا المقال هو تعريف القارئ الكريم بكاتب ومفكر مهموم بنقل ثقافتنا الاسلامية من مرحلة الجمود والانسداد الى افاق التحرر والعالمية وما احوجنا الى امثال هؤلاء المثقفين في مرحلة تغول الارهاب الداعشي وسيطرة ثقافة التكفير والقتل على الهوية . لن خلاصنا حسب الكاتب الا بحصول ثورة تنويرية لن تكون لها قيامة، الا بعد ان تشبع الثورة الاصولية الحالية من ذاتها، وتستنفذ كل طاقاتها وامكانياتها وتفقد مصداقيتها في نظر الجماهير المفتونة بها . لن تنتصر الحداثة الا عندما نسمع مظاهرة مليونية للدفاع عن الاقباط في مصر وحقوقهم المدنية والسياسية ومساواتهم بالمسلمين في الحقوق والواجبات ، وعندما تنهض مظاهرة مليونية للدفاع عن حق المرأة في لبس الحجاب او خلعه او عندما تحصل مظاهرة مليونية من اجل تعليم حداثي ديموقراطي بقيم انسانية كونية آنذاك يمكن ان نقول باننا نقترب من شاطئ الحضارة الانسانية
باحث في العلاقات الدولية
المنسق الوطني للعصبة الامازيغية لحقوق الانسان
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.