المثقف فاعل أساسي في المجتمع إلى جانب رجل الاقتصاد ورجل السياسة، لاضطلاعه بدور تثقيفي تنويري، ولمساهمته في إنتاج الأفكار والقيم، ولانتصاره للحريات الأساسية والحق في الاختلاف والحوار كأداة فعالة للتواصل الذي يلغي الانغلاق والنرجسية، ولممارسته النقد البناء وفضح الاختلالات والأعطاب والتنبيه إلى التحديات الداخلية والخارجية التي ستجابه مجتمعه إن آجلا أو عاجلا. في مجتمعنا المغربي لدينا مثقفون بأصوات متعددة في حقول معرفية متباينة تختلف أطرهم المرجعية التي يمتحون منها، وتتفاوت رؤاهم لما يجري حولهم، بعضهم لديهم مشاريع فكرية هامة في مجالات تخصصهم، ولهم بالتالي مبادئ ومواقف رصينة لم ينقلبوا عليها وعيا منهم بأن رسالتهم تنحصر في تسخير رأسمالهم الرمزي للنهوض بالمجتمع، والى جانب هذه الفئة من المثقفين ثمة مثقفون آخرون انطلقوا في الكتابة والبحث بكل مسؤولية، بيد أنه لا ندري هل سيحابون السلطة مستقبلا ويتمسحون بأعتابها وينزعون نحو توجهاتها واختياراتها اللاشعبية. كما لدينا مثقفون تخلوا عن دورهم الثقافي المنوط بهم، وصاروا يكتبون أعمالا دون انشداد إلى أسئلة الواقع الآنية، وإلى قضياه الجوهرية كالتعليم والشغل والصحة والفساد بمختلف تجلياته، بل الأنكى من ذلك أن بعضهم استطيبوا الكراسي التي أسندت إليهم طمعا في مال زائل ناسين أو متناسين أن الزبد يذهب جفاء وأن ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، وهنا نتساءل: أليس من الأجدى لهؤلاء الانسحاب من الساحة الثقافية والتفرغ لمهام أخرى تتناغم ومواقعهم الجديدة ؟ أية مصداقية ستكون لخطاب المثقف الذي ولى وجهه نحو دار السلطة رغبة في الغنيمة ؟ هل يستطيع المثقف التابع للسلطة والحزب والإعلام أن يجترح فكرا نقديا يخلخل المنظومة الفكرية التقليدية النكوصية ؟ هل يستطيع هذا المثقف أن يتفرغ لمشروع ثقافي ويدافع عنه بجرأة المثقفين الحاذقين ؟ لماذا يقبل هذا المثقف تبعيته للسياسي وشرعنة خطابه ؟ أليس المثقف أكبر من السياسي !؟ إن حصيلة مثقفينا ذوي القناعات الثابتة والمحترقين بأسئلة الواقع والمنافحين عن قضايا المجتمع المصيرية، قليلة جدا مقارنة مع الانتهازيين النفعيين الذين أخذت دائرتهم في الاتساع مؤخرا. يقول صلاح بوسريف في حوار لافت أجراه معه الشاعر عبد الغني فوزي ونشر بجريدة الأحداث المغربية "المثقف اليوم في صورته العامة يعيش خارج ما يجري، ثمة أفراد قلائل هم من لازالوا يكتبون ويواكبون ما يجري دون التنازل عن أسئلتهم واختياراتهم، وهؤلاء هم من اختاروا منذ البداية البقاء خارج المؤسسات بكل ألوانها". إننا لا نلتمس من المثقف أن يأكل العدس ويدخن السيجارة الرديئة ويسكن في حي مهمش، ولا نطلب منه أن يحمل بندقية من أجل التغيير، نطلب منه فقط ألا يزكي الباطل ويشرعنه وألا يكون مثل السوفسطائيين الذين كان همهم جمع المال ضاربين عرض الحائط مسألة القناعة. كم هو تراجيدي أن يضحي المثقف برأسماله الرمزي طمعا في رأسمال مادي !