دمنات مدينة يلفها النسيان بشكل متعمد، وكلما حاولنا نفض غبارها تواجه بأقصى الطرق الهمجية، تلك هي العبارة التي تتردد على شفاه غالبية ساكنة المنطقة، وكأن لسان حاكم من يسيرها يقول لها ان علينا عليك حق الاغتناء وان عليك علينا توفير اسبابه. سبقت مراكش مدينة البهجة والفرح المستعار ب 40 عاما وظلت تناجي أطلالها منتقلة من قصبة مولاي هشام الى امين افري لتغتسل ولتتفقد من تبقى من أبنائها سليما لم تمسسه يد قاتل او معول جلاد وكعادتها تستقبل الزائر بعزة وأنفة وبأشهى ما يشتهي العابر الذي قد يستقر. دمنات أو الأراضي الخصبة لم تعد كذلك، مياه ''امين ايفري'' قلت، مافيا العقارات توغلت وزحفت بوحشية لا مثيل لها حتى أن الحمام '' اتشح '' بالسواد من شدة الحزن وأضاع هديله الرائع ليصبح مجرد نعيق حتى انك تعتقد انك في جزيرة الموت نعيق ونعيق ... لا هي التحقت بمراكش ولاهي راوحت مكانها كزيدوح، الظلام يسيطر على المكان والعطش قتل الزرع والإنسان رغم أنها محاطة بأربع سدود إلا أن رغبة السادي في إذلالها وتصفية حساباته معها اقوى. الوصول إلى دمنات ليس بالأمر الهين لضيق الطريق وكثرة الحفر فيها لعدم تجديدها منذ أن غادر آخر محتل البلدة وجاءها أحفاد '' نيرون '' واستوطنوها ونكلوا بأهلها وزرعها واجتثوا كل محاولة للاحتجاج على وضعها بأبشع الطرق ساعين إلى عزلها ومنعها من الالتحاق بالباقي أو معرفة إخوانها، إلا أن يوم 30 يونيو كان يوما فاصلا في تاريخ دمنات، ففيه ودعت اليتم وفيه اكتشفت أن لها إخوة وأبناء عم وأحفاد وبنات وزوجات أبناء، قدموا من مختلف مدن المملكة السعيدة حاملين بيرق التضامن ونافضين غبار النسيان، مكسرين شوكة الحصار فليست مصر وحدها من تحاول طرد نحس الإخوان بل حتى دمنات تسعى لطرد شر الخصيان، ويبقى 30 يونيو رقما صعبا على محاولة فك شفراته وشفرة قافلة التضامن القادمة من ميدلت وخنيفرة وزاوية الشيخ وبني ملال وسوق السبت والدار البيضاء واودزم وبجعد ومراكش والقلعة والعطاوية وازيلال، وهي تهتف لدمنات لأبنائها الذين اعتقلوا من اجل الكرامة ونكل بهم تحتج على اغتصاب براءة الأطفال وكرامة النساء، على تلفيق التهم وطبخها على نار هادئة سرعان ما امتد لهيبها إلى تلابيب الجلاد البالية وأحرقت استه وتاه من شدة قوة الحناجر الهاتفة ""من اجلنا اعتقلوا من اجلهم نناضل" و "ماشي بعيد ماشي بعيد دمنات سيدي بوزيد" وصلت قافلة التضامن مدخل المدينة الصامدة فوجدت في استقبالها الأحرار والنشامى عناق وشعارات وسارت في موكب مهيب مكون من عشرات السيارات إلى وسط المدينة، حيث كانت المفاجأة أعظم لازال المزيد من الاحرار في التوافد، حار معه رجال الحراسة، وفضلوا الانسحاب والاختباء وسط المقاهي وفي الأزقة الضيقة، وهم يتكلمون في اجهزتهم اللاسلكية : " الو حوَل مون شاف اشنو غاد نقول ليك مشينا فيها هاد الدمناتيين ليوم وصلهم الدعم واحنا الدعم رسلوه للشرق "فيرد الشاف" ، ضحكوا فوجوههم وحلفوا ليهم بلي حنا مادرنا والو وقولو ليهم راه الباشا وعامل ازيلال اللي دارو كلشي علاه غي وحدنا اللي نوديوا حوَل"" . تحولت الوقفة الى مسيرة جابت معظم شوارع مدينة دمنات مرددة شعارات "" فين مامشيتي الرشوة , عند الباشا الرشوة، عند البوليس الرشوة فالبلدية الرشوة ""و ""هذا المغرب واحنا ناسوا وبنكيران يجمع راسووالعامل يجمع راسو والباشا يجمع راسوا واللي حاكم يفهم راسو"" الى حين وصولها الى قاعة الندوات حيت ألقيت الكلمة الترحيبية لفرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بدمنات الذي رحب بمناضلي القافلة التضامنية على هذه البادرة النضالية التي تسعى إلى فك طوق الحصار عن ساكنة المدينة وتعيد الدفء إلى الأهل فيها و تطرقت كذلك إلى مجموعة من النقط إبرازها : الأحداث الأخيرة لم تكن بسبب مباراة كرة القدم وإنما على الطريقة التي يشتغل بها المكتب الوطني للكهرباء .والماء الصالح للشرب بمدينة دمنات .اعتقالات عشوائية حيت استهدفت فئات معينة وبشكل مقصود وبدون إذن النيابة العامة .تعذيب في مخافر الشرطة التوقيع على محاضر دون الاطلاع على مضمونها. تشكيل لجنة المتابعة ودعم المعتقلين. المطالبة بوقف المتابعة تنويه وشكر الجمعية الوطنية لحملة الشواهد على تضامنها القوي. القافلة التضامنية شكل نضالي وجب توسيعه ودعمه. اما لبيب بوكرين عضو ومتحدث باسم لجنة الدعم والمتابعة المكونة من الهيئات السياسية والنقابية والحقوقية فقد قدم كلمة مفصلة بعد شكره لمناضلي ومناضلات الجمعية المغربية لحقوق الإنسان على تشريفهم للمدينة ودعمهم لها حيث تطرق إلى أسباب وخلفيات وأثار وتطورات وخروقات الملف من زاوية نظر الفاعلين بالمدينة وكذا البرنامج النضالي المسطر الذي يعمل على الدفاع عن المعتقلين وإطلاق سراحهم ومعالجة الملف وفق مقاربة تنموية وحقوقية. وأوضح أن الجماهير الدمناتية خرجت بشكل عفوي للاحتجاج على عدم وفاء المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب بإعادة الكهرباء على الساعة الخامسة بل استمر الانقطاع إلى حدود العاشرة ليلا ، ونتيجة اندساس بعض العناصر التخريبية المأجورة التي استغلت الظلام الدامس والغياب التام لعناصر الأمن في أعمال تخريبية، لتبدأ بعدها حملة اعتقالات واسعة ومداهمة للبيوت في منتصف الليل مستهدفة بشكل خاص وبطريقة انتقامية المناضلين والفاعلين وحتى المواطنين واستمرت العملية إلى غاية الصباح حيث تم انتقاء بشكل مدروس 13 مواطنا وطبخت لهم محاضر بتهم جد ثقيلة من قبيل : -التجمهر المسلح -عرقلة السير -تخريب ممتلكات الغير وقد سجلت الهيئات الداعمة وأدانت تواطؤ بعض أعضاء المجلس البلدي مع ممثلي السلطات المحلية على طبخ لائحة المتابعين عبر استهداف أبناء الفقراء (سائق عربة يد، مشتغل في فرن، ماسح الأحذية) في محاولة لاستغلالهم والضغط عليهم لتصفية الحسابات مع مناضلي المدينة، في حين برأ ذاوي النفوذ وهو الأمر الذي حسب لبيب تم نعته في مقر باشوية المدينة بالأمر المشبوه المثير للتساؤلات. وعلى اثر القرار القاضي بمتابعة المعتقلين جنائيا شكلت الهيئات المعنية لجنة للمتابعة ونفذت مجموعة من الخطوات النضالية: لقاء مع رئيس المفوضية بدمنات لقاءمع باشا مدينة دمنات بيان تضامني بتاريخ 26/05/2013 بيان تضامني تفصيلي بتاريخ02/06/2013 -وقفة احتجاجية امام مقر الباشوية بتاريخ27 ماي وقفة احتجاجية امام مقر محكمة الاستئناف ببني ملال بتاريخ 05ماي2013ووقفة ثانية بتاريخ 18يونيو تلتها مسيرة ندوة صحفية مع مراسلي الصحف الوطنية والجهوية المكتوبة والالكترونية بتاريخ 18 يونيو لقاء تواصلي مع ساكنة دمنات بتاريخ 21يونيو تشكيل لجنة لمتابعة الملف ولجنة للتحقيق وجمع المعطيات ولجنة للدعم المالي تشكيل هيئة للدفاع عن المتابعين مكونة من عدد من محاميي بني ملالوازيلال الذي تطوعوا الاتصال بإدارة السجن المحلي ببني ملال للوقوف على وضعية المعتقلين حملة إعلامية همت الصحافة المرئية والمسموعة والمكتوبة والالكترونية (القناة الثانية ,شدى اف ام.....) ويضيف عضو لجنة المتابعة لبيب بوكرين إن الملف عرف عدة تطورات، إذ أن بعد عرض 13 متابعا على أنظار الوكيل العام تمت متابعة 11 معتقلا جنائيا (6 في حالة سراح: عبد الواحد الحمر،لحسن جيدو، عماد بويزلان، عبد المااك كاز، مصطفى الغلام، سفيان بن سعيد) و5 في حالة اعتقال بينهم قاصران (عبد الصادق حزام، عبد اللطيف غيان، محمد ازضوض، علي بوحرشيش، المهدي اكروض) في حين تمت متابعة معتقلين في حالة سراح ويتعلق الأمر ب (نورالدين ايت همو، عماد ارحو) وذلك منذ 27 ماي 2013 ، وبعد 3 جلسات أمام قاضي التحقيق صرح المعتقلون بوقوع خسائر دون اتهام اي شخص، حيث تم تقديم ملتمس للسيد قاضي التحقيق لإطلاق سراح المعتقلين، لكن استجاب لحالة تتعلق بالقاصر المهدي اكروض المقبل على اجتياز امتحانات السنة الثالثة اعدادي وذلك يوم الثلاثاء 18 يونيو 2013 كما يضيف '' بوكرين '' بكون المعتقلين نفوا في كل أطوار التحقيق ما نسب إليهم، بل أكدوا تعرضهم لتعذيب وضرب بواسطة أحزمة جلدية، وكذا للصفع والركل وشتى أنواع الاهانات بكل من مخفر دمنات وازيلال، كما تم عرض عليهم بعض الأسماء واتهامها مقابل إطلاق سراحهم كما اجبروا على التوقيع على محاضر يجهلون فحواها. ويسجل عضو لجنة المتابعة أن : الاعتقالات تمت ليلا ودون امر من وكيل الملك في تناف كامل مع القانون -تعذيب للمعتقلين داخل مخافر الشرطة وإرغامهم على التوقيع على المحاضر الاستماع إلى القاصرين في غياب أولياء أمورهم. ويستنكر باسم الهيئة: · اللجوء إلى القمع والترهيب بدل التعاطي الايجابي مع المطالب المشروعة لمسحوقي المدينة · الاعتماد على المقاربة الأمنية مما يدل على قصر نظر المسؤولين · اسلوب العشوائية في الاعتقال والانتقائية في المتابعة المحكومة برغبة دفينة في الانتقام وتصفية الحسابات ويحمل المسؤولية في تبعات عدم الاستجابة للمطالب المشروعة لمسؤولي الادارات العمومية وشبه العمومية والسلطة المحلية والمجالس المنتخبة، ويعتبر ما حدث نتيجة منطقية للسياسات المتبعة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا التي همشت المدينة لعقود عمدا، وان الاحتقان مستمر في التنامي مالم يتم التعامل مع المطالب بالجدية اللازمة، وإيفاد لجنة للتحقيق مع رؤوس الفساد وناهبي المال العام وإلا فان الآتي يندر بالأسوأ لأنه سيتم في حال استمرار سياسة اللامبالاة في نقل المعركة إلى مستويات اكبر على المسؤولين التكهن بعواقبها. أما كلمة عدوان الحمر قيدوم المعتقلين بدمنات والذي سبق أن تم اعتقاله في احداث 84، واعتقل في الأحداث الأخيرة، فقد كانت نارية تطرقت إلى تفاصيل الأحداث وتفاصيل الاعتقال والاستنطاق وطريقة تعامل قوى القمع من المعتقلين القاصرين الذين كانوا يجهلون أسباب اعتقالهم او الأبعاد المترتبة عن ذلك لدرجة أنهم من شدة التعب وقسوة رجال الآمن ناموا في الزنزانة التي تشبه اسطبلا، اذ تنبعث منه رائحة البول والبراز. كما يضيف قيدوم أن الحراس كانوا يسرقون الأطعمة التي يأتي بها الأهل للمعتقلين، واضاف أن الاعتقال والمتابعة لن تزيدهم إلا إصرارا وعزيمة وأنهم على خطى الشهيد بوكرين سائرون حيث اهتزت القاعة بشعارات قوية (بوكرين يارفيق لازلنا على الطريق) (من قلب السجون ينبع الثوار لتحطيم الاسوار) ليكمل أن طبيعة النظام لا تفرق بين صغير ولا كبير وأنها تتبع سياسة القمع والترهيب والتخويف لكسر شوكة النضال لكن النتائج تأتي عكسية، فهذه الأساليب لا تكسر ظهورنا بل تقويها، ويتساءل كيف لمدينة كدمنات محاطة ب4 سدود وأهلها يعيشون في العطش والظلام منذ عقود وبالتالي فالاختباء وراء مبرر مبارة لكرة القدم تحريف للحقائق لان أحداث السبت الابيض وليس كما يسميه البعض اسوادا لأنه يوم تحرر الدمناتيون من الخوف وكسروا جدرانه وصاحوا في وجه اللصوص وناهبي المال العام وقدموا درسا لا ينسى رغم المعاناة إلا أن ذلك طبيعي في دولة الدستور الممنوح والمؤسسات الشكلية واختتم مداخلته بكون هذا الملف اكسب دمنات مناضلتين قويتتين اما ابوناصر محمد عن المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان فقد تحدت عن الاعتقال السياسي محييا كل المعتقلين السياسيين في الوطن مدينا المتابعة وداعيا الى تنمية حقيقية للمدينة ومحاسبة المسؤولين على تدبير الشأن المحلي. كما أشار الى كون المكتب المركزي للجمعية يتابع هذا الملف معتبرا أن القمع والترهيب والاعتقال وحتى القتل لن يوقف مسيرة النضال نحو المطالب الحقيقية وختم تدخله بالتحية للمحامين الذين تطوعوا للدفاع عن المعتقلين. وبعد انتهاء التدخلات انطلقت جموع المتظاهرين نحو مقر الباشوية حيت نفذوا وقفة احتجاجية أدانوا من خلالها كل الممارسات اللاقانونية والتواطؤ مع ناهبي المال العام والمرتشين وطريقة تعامل الباشوية مع الأحداث لتعود القافلة من حيث أتت معربة عن استمرار دعمها ومساندتها لساكنة دمنات ومناضليها ومتوعدة الفاسدين بالملاحقة.