إن الحديث عن الإنسان هو حديث عن كائن مميز بالتعالي عن باقي الكائنات الأخرى، باعتباره يحمل المعرفة وطاقة تجريد ومركز التفكير والأحلام. وملكة متعالية شكلت التفوق النوعي للإنسان باعتباره كائنا مفكرا. هذا ما قيل عن الإنسان.أو على الأقل ما قالته الفلسفة الكلاسيكية والحديثة عنه.فرفعت من قيمته. بل ألهته... لكن بما أن الخاصية الجوهرية في الفلسفة و العلوم الإنسانية هي السؤال ، و البحث المستمر عن الجوهر،فما هو جوهر الإنسان؟هل هو الفكر؟أم الحلم؟أم الأخلاق؟... لقد بحثت الفلسفة كثيرا في هذا الموضوع،ولازالت،ولن تتوقف على هكذا بحث.فما هو الجواب؟ في كل مرة تتطور علوم الإنسان ، كما تتطور كل العلوم و تطور مناهجها ،إلا وتغيرت معه أجوبتها ،أو قل تطورت أجوبتها، لا يهم هل تطورت نحو الحقيقة،أم ابتعدت عنها،المهم هو أن علوم الإنسان والفلسفة المعاصرة أفقرت الإنسان، هل أفقرته حقا؟أم لم تظهر إلا جوهره الفقير أصلا؟ لعل الناظر في كل ما جاءت به العلوم الإنسانية التي نقصد بها الفلسفة،وعلوم الاجتماع وعلم النفس بفروعه،تؤكد حقيقة واحدة هي أن الإنسان ضاع و تاه،ولم تعد له طريق أو رؤية واضحة أو هدف يسير إليه.إن ضياع الإنسان معناه سقوط في العدمية،وغياب لكل هدف.وما العقل والمنهج إلا أصنام يحاول هذا الكائن التائه أن يغطي على تيهه بها.إنه ليس متعاليا،وليس أخلاقيا،وليس عقلانيا ولا تجريبيا،إنه لاشيء من هذا.فإذا بحثت عن العقلانية فلا تجدها إلا في اللامبالاة،والحروب والصراع العبثي من أجل العدم،هراء.وإذا بحثت عن الأخلاق فلم ولن تجدها إلا في الاعتداء والاغتصاب والخيانة وحب التملك والصراع المحموم حول السلطة.وإذا بحثت عن التعالي فلن تجده إلا في الانحطاط،انه أحط الكائنات ،فراغ من المعنى ،لأنه عبارة عن جسد مجوف وفارغ من كل قيمة عليا أو دنيا. إن العلوم الإنسانية التي تبحث عن حقيقة الإنسان، و في اعتقادنا وصلت إليها ، وهذه الحقيقة هي العدمية بكل مقاييسها،حشود تجمعت، بل قطيع لا موجه له،يريد كل فرد أن يصير أفضل من الآخرين،صحيح أنه أفضل عدمية منهم.من هي الذات ؟إنها كيان مركب من أللاعقل، ولا نريد أن يفهم من أللاعقل ما ضاد العقل وإنما نقصد شيطنة العقل، واللاأخلاق واللاجسد. إنها تظهر الحياة مجرد لعبة، وهي كذلك. إن الإنسان يمثل ،يحسن التمثيل أو يسيئه لا يهم،يحصل على دور رئيسي أو ثانوي لا يهم،يكون هو الممثل أو المشاهد .المهم هو أنه يمثل و يلهو ويلعب حتى ينتهي دوره ويغادر.لو علم الإنسان حقيقته لانتحر الجميع،انتحارا معنويا، عقليا،أخلاقيا،تجريبيا ، جسديا.هذا الجسد الذي يعبر عن مدى وعي الفرد بعدميته .قد يساعده على التمثيل،خصوصا جسد المرأة.إنها لا تركب الحياة، بل المسرحية إلا به إنها تظهره وتخفيه، وتخفيه ليظهر ولترانا هل رأيناه ،ولنراه ونبدي حكما،هراء.إن العقل والمنطق هي أصنام ، ومعهما كل أشكال الحياة ، حتى الإنسان في كليته ماهو إلا صنم جامد،خشب و تصلب تحركه رغبة العدم لا إرادة العدم. وشتان بين ماهو الإنسان و بين ما يعتقد أنه هو. ذ: بوشعيب شرفي