" اللص والمدير " . كانت حالة السوق الأسبوعي بدار ولد زيدوح , تعكس واقعا مرا , وحياة بائسة لأغلب الزائرين له , كثير من الناس فقراء تظهر علي وجوههم علامات الفقر والاحتياج والهشاشة ... ورغم هذا , يمكن اعتباره - السوق كخشبة مسرح كبير تتحرك فوقه شخصيات رائعة , تتحاور وتتناقش , بلهجة محلية عامية خاصة ,هو شبه سوق , غير منظم , الباعة فوق رصيف كثير الحفر , غبار في الصيف, ووحل في الشتاء . وأجمل ما في خصوصياته : مقاهي بسيطة مليئة برائحة اسماك "مقلية " مصطادة من نهر أم الربيع البائس , والذي تعرض للإهمال الشامل من طرف الساكنة , و المسؤولين التابعين للمندوبية السامية للمياه والغابات . ومن الطرائف المحزنة التي وقعت لي في هذا السوق الرائع : إني "تسوقت" أي ولجته مرة وكان الفصل صيفا ,وبما أن الحرارة تكون مفرطة في هذه النواحي من جهة تادلة ازيلال , قصدت السوق بلباس خفيف , وكانت نقودي بعض الدريهمات , وهاتف نقال تسلمته من الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين , كباقي المدراء حتى أكون باتصال مباشر مع المصالح التابعة للنيابة الإقليمية , رغم أني لا اعمل زوال هذا اليوم تبعا لجدول الحصص الأسبوعي , لكن ومع ذلك على المدير أن لا يكون خارج التغطية والاتصال , وإلا سيحاسب في عمله حسابا مريرا . فبينما كنت جالسا على ركبتاي , أختار الجيد من البطاطس لأقدمها للبقال لكي يضعها في كفة الميزان ,انسل لص بيني وبين ابني الواقف بجانبي , وبمهارة ولباقة فائقة والتي يمتاز بها لصوص الأسواق , وبخفة الأصابع استعمل آلة الحلاقة المغربية " الزيزوار" وحمل بلمح البرق بين يديه , هاتفي النقال الأكاديمي الجهوي , وفي نفس اللحظة أردت تسليم نقود الكيلوغرامين من البطاطس الموزونة , لأفاجأ بوجود ثقب طويل في جبتي الصفراء (الفوقية ) ,التفت ابني إلى الجانب الأخر ليشاهد اللص يفر , وهو يحاول الابتعاد عنا و الإفلات بالهاتف النقال الوظيفي , فعلا تركنا جميعا أنا وابني البقال والخضر والفواكه ... وبسرعة فائقة استطعنا أن نلحق به , وننزع منه الهاتف , وكنت اردد في حالة من الغضب والفزع قولي : ألم تشعر بالخجل ؟ أتسرق هاتفا أكاديميا , لا املكه بشكل نهائي , ثم إني مرغم بان أرده للأكاديمية في حالة الانتقال إلى مكان آخر , أو عند بلوغ حد سن التقاعد . لكن هذا اللص رد علي بشكل يثير الشفقة والاستغراب , وقال لي : اطلب منك العفو والمغفرة , إني أب لأربعة أطفال , لا املك اليوم درهما واحدا , ولا احد يريد تشغيلي في أي عمل مهما كان نوعه . وبعد فترة الاضطراب والغليان , والعدو والقفز على بعض السلع المعروضة للبيع , من اجل الإمساك باللص المجرم الذي استحوذ على هاتف المدير . أصبح هذا الحدث الذي وقع لي في هذا السوق الغريب , ليس سوى مشهدا واقعيا من مسرحية يمكن تسميتها "اللص والمدير" , والحمد لله الذي جعل هذا المدير يتعرض للسرقة وهو يركد بسرعة بلباس شعبي حافي القدمين , تخيلوا لو تمت عملية السرقة وهو يجري وراء اللص ببذلة أنيقة , وربطة عنق , وحذاء اسود لامع من اجل استرداد هاتف نقال وظيفي . فماذا سيكون موقف الجمهور المكون من الباعة والمشترين في السوق الأسبوعي بدار ولد زيدوح ؟ . والى اليوم وأنا الزم نفسي بترك الهاتف النقال في المنزل كلما أردت زيارة السوق الأسبوعي . محمد همشة . دار ولد زيدوح في : الاثنين 12/12/2011 .