هناك علاقة تلازمية وأزلية بين الدخان و النار و الحطب: فلا دخان بدون نار و لكل نار لابد من حطب أوقود كما أن كثافة الدخان رهينة بجودة أو رداءة لهيب النار، هذا الأخير يرتبط ارتباطا وثيقا بنوعية الحطب الذي يحترق. إذا أردنا أن نعطي للنار شبيها مجازيا فلن نجد لمأربنا هذا أقرب من الإعلام الحر،فللإعلام حطب يؤججه و دخان ينتج عن هذا التفاعل. إن الحراك السياسي و الاجتماعي الذي يميز الساحة الوطنية الراهنة كانت له نتيجة حتمية تمثلت في صحوة إعلامية بحيث لا نجد منبرا إعلاميا إلا و يكرس أكبر حيز ممكن لتجسيد الحراك على صفحاته أو أمواجه، فأينعت الأقلام التي كادت تجف و علت الأصوات التي أوشكت على الخرس. فلا غرو أن تشتغل النار مادام الحطب في مهب الريح. إن الفساد المستشري في البلاد على جميع الأصعدة: اختلاس الأموال العامة، ممارسة بعض المسؤولين و الأعيان لتجارة الممنوعات و إفلات المسؤولين من المحاسبة على الإخلال بالمهام المنوطة بهم وغيرها؛ يعد بمثابة الوقود الذي يساعد على تأجيج نار الإعلام لأنها تجد فيه حطبا فاسدا و متهالكا يسهل التهامه. كما أن الترتيب للاستحقاقات البرلمانية المقبلة يشكل مغذيا أساسيا للهيب وسائل الإعلام المتعددة الذي يحرق الممارسات الشاذة و الفاسدة لمختلف الألوان السياسية الوطنية التي أشادت بالتغيير خطابا ولم تسعى إلى تجسيده واقعا. فقبيلة الانتخابات المقررة في 25 نونبر المقبل لا يمر يوما إلا ونسمع فيه أو نقرأ فيه عن حملات قبل الأوان، في جميع ربوع المملكة، كل شيء فيها حاضر إلا الضمير الوطني...و مصلحة المواطن هي آخر ما يخطر على البال. شيء بديهي أن يكون لكل نار دخان، فدخان نار الإعلام و هي تحرق الوضع العام الفاسد يتجلى في ظهور حركات احتجاجية مطالبة بالإصلاح و مناهضة لكل أشكال الفساد و مطالبة بإسقاط رموزه. بالمقابل نجد من يثير هذا الدخان حساسيته ويصيبه بضيق التنفس لأن صدره غير معتاد استنشاق نسمات الإصلاح، فنجده يكد ويجتهد لإخماد النار خوفا على "مجده"الزائف المتهاري. ما أحوج المغرب ،اليوم، إن هو أراد أن يركب قطار التغيير الديمقراطي الحقيقين أن يحارب أعداء الوطن الرجعيين الذين يعيقون سيرورته، و أن يضمن حرية الممارسة الإعلامية المواطنة التي تلتهم نيرانها الحطب الطالح قبل الصالح !