أكد أحمد بوز، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن كل قيادات حزب العدالة والتنمية لم تتحدث عن انتخابات مزورة، بل تحدثت عن عدم تسلم المحاضر لممثلي مرشحيها في بعض الدوائر، وكذلك تحدثت عن استعمال المال لاستمالة الناخبين، مشيرا إلى أن هذه "التصرفات عرفتها الانتخابات المغربية منذ الاستقلال إلى اليوم". وسجل بوز أنه حتى انتخابات 2011 و2016، والتي عرفت اكتساح حزب العدالة والتنمية شهدت مثل هذه التصرفات، مضيفا بالقول "لا مجال لأن نتحدث عن استهداف للحزب من طرف جهات نافذة بالدولة، لأن هذا الأمر لم تكن تخفيه مراكز القرار بالدولة، ولا أدل على هذا من سن القاسم الانتخابي والذي عرف اجماعا حزبيا في مواجهة العدالة والتنمية، ومن غريب الصدف أن القاسم الانتخابي خول لحزب العدالة والتنمية إحراز أربعة مقاعد برلمانية". وشدد بوز على هذه المعطيات تدفع إلى البحث عن أسباب الانهيار خارج دائرة الأسباب الموضوعية لأنها وحدها غير كافية لتبرير التقهقر من 125 مقعدا برلمانيا الى 13 مقعدا، في سابقة في الانتخابات على المستوى العالمي، موضحا أ نلا أحد كان يتوقع الانهيار بهذه الحدة، بما في ذلك وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت. وتساءل بوز قائلا "فأين ذهبت مليون وست مئة صوت التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية خلال انتخابات 2016″، ليجيب "أعتقد أن الحزب فقد "الناخب السياسي"، وهذه الكتلة من الناخبين غير مرتبطة إيديولوجيا بالحزب، بقدر ارتباطها بالمنجز السياسي". وأضاف "فالوفاء بالوعود الانتخابية يعد أحد أكبر نكسات حزب العدالة والتنمية الذي ربما لم يكن لتدبير دواليب الدولة، فالحزب رفع سقف الخطاب والوعود والتطلعات وبالمقابل اتسم أداؤه طيلة ولايتين حكوميتين بهزالة المنجز. الأمر الذي أفقد الخطاب السياسي لحزب العدالة والتنمية بريقه وجاذبية. وبالتالي فقد فئة المسيسين من الكتلة الناخبة، التي عقدت أمالا على العدالة والتنمية لإخراج البلاد من أزماتها، إلا أنها انتكست"، يضيف بوز. وزاد قائلا ""الكتلة القارة" والمتكونة من: أعضاء الحزب وأعضاء التنظيمات الموازية وعلى رأسها حركة التوحيد والاصلاح وكذا أعضاء التيار الاسلامي من سلفيين ومحافظين، وهاته الفئة مرتبطة إيديولوجيا بالحزب، لم تصوت له"، موضحا أن سبب إحجامها عن التصويت للحزب راجع إلى نقمتها على الأداء السياسي للحزب، خلال ترؤوس سعد الدين العثماني للحكومة، وتمريرها لقانون تقنين القنب الهندي و"فرنسة" التعليم"، إضافة إلى ملف التطبيع، وأن القيادة الحالية حاولت إرضاء الكل، ولكنها لم تفلح. وبخصوص ملف التطبيع، قال أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، أن "هذا الملف الذي تم إرساؤه في ظل حكومة إسلامية والتوقيع على الاتفاقية من طرف العثماني وفي الآن نفسه حاول الحزب التملص من المسؤولية بمبرر المصالح العليا للبلاد"، مضيفا أن "وفي مناورة سياسية تروم الحفاظ على مصداقيته دخل الحزب في مرحلة انفصام وشارك في مظاهرات تدعو لاجتثاث الكيان الصهيوني، فأي تناقض هذا". كما أشار المتحدث نفسه إلى أن ملف "تقنين زراعة الكيف" الذي أقرته الحكومة وحاول الحزب التملص من المسؤولية من خلال التصويت ضد مشروع القانون بمجلس النواب، بالإضافة لمسألة اللغة العربية وإشكالية "فرنسة تدريس المواد العلمية" التي تم إقرارها في ظل حكومة العثماني، كلها تناقضات أسهمت في فقدان الحزب لجزء كبير من الكتلة الناخبة القارة، وخلق التباس لديها، مسجلا أن أعضاء من الحزب لم يصوتوا لصالحه، بالإضافة الى غياب حركة التوحيد والاصلاح عن الحملة الانتخابية وهو ما يؤشر على انعدام علاقات الدفء مع هذه التنظيمات وإلى زلزال تنظيمي داخلي من المؤكد أن الانهيار سيساهم في خروج تفاصيله في القادم من الأيام"، يقول أستاذ العلوم السياسية. وأكد بوز أن مجموعة من قيادات البيجيدي كانت تتوقع الهزيمة ولكن ليس بهذه الحدة، وعلى رأسها الأمين العام للحزب سعد الدين العثماني الذي وصل لمرحلة العجز عن تدبير المرحلة ومسايرة الأحداث وكان ضحية لتنازلاته، مضيفا أن وناك قيادات أخرى كانت تريد هزيمة الحزب وهي مكونة أساسا من حواريي بنكيران وبعض القيادات، فبالنسبة لأنصار بنكيران من الصعب عليهم أن يتوقفوا عن التفكير فيما تعرض له بنكيران من إبعاد بتواطؤ من تيار "الاستوزار ومواصلة الاصلاحات". وأوضح المتحدث ذاته أن مخرجات المجلس الوطني الاستثنائي لحزب العدالة والتنمية، السبت المقبل، والذي هو استثنائي في ظروفه وجدول أعماله ومضامينه وتموقع الشخوص والتيارات خلاله ستكون استثنائية أيضا وستدشن لتحولات عميقة يمكن أن تشمل الأشخاص والمرجعيات والسلوك السياسي للحزب وتساءل أحمد بوز عن القيادة التي سيفرزها المجلس الوطني، مؤكدا على الدور الريادي الذي سيلعبه عبد الإله ابن كيران الذي حالفه ذكاؤه السياسي في عدم الترشح خلال هاته الانتخابات، مشيرا إلى هزيمة الحزب خلال هذه الاستحقاقات أثبت أنه كان يقف خلف الاكتساح الذي حققه الحزب خلال انتخابات 2016، وأنه سلم الحزب للدكتور العثماني قوي لكن هذا الأخير لم يتمكن من الحفاظ عليه". وزاد قائلا "وبالتالي فاحتمالات أن يعود بنكيران لقيادة الحزب كشخص ضعيفة إلا أنه سيدفع بشخصية لقيادة المرحلة بإسناد منه، والتي قد تكون بين إدريس الأزمي الذي يفتقد للقدرة على التجميع لأن هناك احتمال كبير أن ينهار الحزب في حالة عدم القدرة على التجميع، أو شخصية تجرى المشاورات الآن للإجماع عليها، فحزب العدالة والتنمية لديه قدرة على الاحتواء كبيرة". وأبرز بوز أن العلامة التجارية للحزب انهارت رغم أنه يتوفر على موارد بشرية وإمكانيات مادية، إلا أن جاذبية عرضه السياسي التي كانت مبنية على المصداقية والنزاهة انهارت في غياب الخبرة والفشل في تحويل الوعود الى منجزات، وهي رسالة المغاربة لقيادات حزب العدالة والتنمية التي لاتملك الآن سوى حل من إثنين إما إعادة الترميم أو إعادة البناء من جديد، يقول بوز.